إنني معكما أسمع وأرى

  • 334

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد؛  

فلما أمر الله -تعالى- موسى وهارون -عليهما السلام- بالذهاب إلى فرعون -عليه لعنة الله- ودعوته إلى توحيد الله -تعالى-، وإلى ترك ظلمه وبطشه لبني إسرائيل، قالا: (رَبَّنَا إِنَّنَا نَخَافُ أَن يَفْرُطَ عَلَيْنَا أَوْ أَن يَطْغَىٰ) (طه:45).

فأجابهما ربهما -سبحانه وبحمده- بما تسكن به نفوسهم وتقر أعينهم، وهو أنه معهما -سبحانه وبحمده- كما قال -تعالى-: (لَا تَخَافَا إِنَّنِي مَعَكُمَا أَسْمَعُ وَأَرَى) (طه:46).

فمعيته -سبحانه وبحمده- أمن وهداية، وتوفيق ونصرة في شتى الأمور، فهو السميع البصير يسمعهما ويراهما، وفي سورة الشعراء أيضًا لما ذَكَرَ موسى -عليه السلام- خوفه من أن يبطشوا به لقتله القبطي الذي ذكره -تعالى- في سورة القصص، أتت أيضًا الطمأنينة من ربه القريب المجيب، قال -سبحانه وبحمده-: (كَلَّا فَاذْهَبَا بِآيَاتِنَا إِنَّا مَعَكُمْ مُسْتَمِعُونَ) (الشعراء:١٥).

وقالها النبي -صلى الله عليه وسلم- إذ هما في الغار، كما روى أنس -رضي الله عنه- عن أبي بكر -رضي الله عنه- قال: نَظَرْتُ إِلَى أَقْدَامِ الْمُشْرِكِينَ عَلَى رُءُوسِنَا وَنَحْنُ فِي الْغَارِ، فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ لَوْ أَنَّ أَحَدَهُمْ نَظَرَ إِلَى قَدَمَيْهِ أَبْصَرَنَا تَحْتَ قَدَمَيْهِ، فَقَالَ: (يَا أَبَا بَكْرٍ مَا ظَنُّكَ بِاثْنَيْنِ اللهُ ثَالِثُهُمَا) (متفق عليه).

وقال أيضًا -صلى الله عليه وسلم- كما نقل عنه ربه -سبحانه وبحمده- في كتابه المجيد: (إِلَّا تَنصُرُوهُ فَقَدْ نَصَرَهُ اللَّـهُ إِذْ أَخْرَجَهُ الَّذِينَ كَفَرُوا ثَانِيَ اثْنَيْنِ إِذْ هُمَا فِي الْغَارِ إِذْ يَقُولُ لِصَاحِبِهِ لَا تَحْزَنْ إِنَّ اللَّـهَ مَعَنَا) (التوبة:40).

فاتهالت عليه -صلى الله عليه وسلم- التطمينات والبشريات، كما قال -تعالى- الشكور المجيب: (فَأَنْزَلَ اللَّهُ سَكِينَتَهُ عَلَيْهِ وَأَيَّدَهُ بِجُنُودٍ لَمْ تَرَوْهَا وَجَعَلَ كَلِمَةَ الَّذِينَ كَفَرُوا السُّفْلَى وَكَلِمَةُ اللَّهِ هِيَ الْعُلْيَا وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ) (التوبة:40).

وقد وجد موسى -عليه السلام- مِن معية ربه -سبحانه وبحمده- أعلى درجات التوفيق والهداية والنصرة، والحفظ والتوفيق، وامتلأ قلبه -عليه السلام- حمدًا وثناءً على ربه، ويقينًا في أثر معية ربه -سبحانه وبحمده-؛ فإنه لا مانع لما أعطى ولا معطي لما منع -سبحانه وبحمده-، وما شاء الله كان وما لم يشأ لم يكن، ونواصي العباد جميعًا بين يديه، يصرفها كيف يشاء -سبحانه وبحمده-، إني ربي على صراط مستقيم.

لذلك لما خرج موسى -عليه السلام- ببني إسرائيل فارًّا من بطش فرعون وظلمه، وتبعه فرعون بجنوده وأبصر كلُّ من الفريقين صاحبه خشي بنو إسرائيل على أنفسهم من وصول فرعون إليهم، والتنكيل بهم، فقال لهم موسى في سكينة وطمانينة، ويقينًا في موعود ربه بالنصرة والنجاة: (كَلَّا إِنَّ مَعِيَ رَبِّي سَيَهْدِينِ) (الشعراء:٦٢).

فكانت معجزة شق البحر بعصا موسى -عليه السلام- ونجاة بني إسرائيل أجمعين، وغرق فرعون وجنوده؛ فهو سبحانه العزيز الرحيم، لا يضيع مَن وثق فيه وتوكل عليه، بل ينصره ويعليه ويحفظه، فالأمر كله بين يديه -سبحانه وبحمده-.

ومعيته سبحانه لا تقتصر على أنبيائه ورسله وحسب، بل هو أيضا مع المتقين كما قال -تعالى-: (الشَّهْرُ الْحَرَامُ بِالشَّهْرِ الْحَرَامِ وَالْحُرُمَاتُ قِصَاصٌ فَمَنِ اعْتَدَىٰ عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدَىٰ عَلَيْكُمْ وَاتَّقُوا اللَّـهَ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّـهَ مَعَ الْمُتَّقِينَ) (البقرة:١٩٤).

وفيه إشارة أنه كلما كان العبد أكثر تحقيقًا للتقوى كان له أعظم نصيب من هذه المعية، وهذه المزية العظيمة، فإن الحكم المعلَّق على وصف يزيد بزيادته، وينقص بنقصانه، فمَن أراد مزيد نصرة وتوفيق وحفظ وهداية؛ فليكثر من تقوى ربه -سبحانه وبحمده-، وهو -تعالى- أيضا مع المحسنين ومع المؤمنين ومع الصابرين، فما أحوجنا إلى تحقيق هذه الصفات لتحصل لنا معية ربنا -سبحانه وبحمده-، فتسكن نفوسنا وتطمئن.

ولنستمطر عونه ونصرته وتوفيقه -سبحانه- أمام ما تلاقيه أمتنا من حربٍ ومكرٍ -ليلًا ونهارًا-، وتغريب، ونشر فواحش ومنكرات، وطعن في الثوابت.

ومِن ضعف قد يجعل البعض يلجأ إلى التطبيع مع الكفرة والمجرمين بدلًا من تحقيق أسباب معية العزيز الرحيم، مع عدم الغفلة ولا شك عن الأسباب المادية المقدور عليها، ولنتجنب الظلم والشرك والكفر بأنواعه؛ فهو من أسباب الإبعاد والخذلان.

نسأل الله أن يعيننا ولا يعن علينا، وأن ينصرنا ولا ينصر علينا.

وصلِّ اللهم وسلم على نبينا محمدٍ، وعلى آله وصحبه أجمعين.