إن شانئك هو الأبتر

  • 185

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد؛  

فقد أعلى الله ذِكر وشأن، وقَدْر رسولنا محمدٍ -صلى الله عليه وسلم-، فقال -تعالى-: (وَرَفَعْنَا لَكَ ذِكْرَكَ) (الشرح:4)، وما رفعه الله لا يخفضه أحدٌ، ولا يستطيعه مخلوق؛ ولذا جعل مبغضه وعدوه -صلى الله عليه وسلم- هو: الأقل، الأذل، الأحقر، منقطع الدابر، منقطع الذِّكر، المنقطع عن الخير، فقال -تعالى-: (إِنَّ شَانِئَكَ هُوَ الْأَبْتَرُ) (الكوثر:3)، وتكفل -سبحانه- بالدفاع عنه فقال: (إِنَّا كَفَيْنَاكَ الْمُسْتَهْزِئِينَ) (الحجر:95)، وقال -تعالى-: (وَاللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ) (المائدة:67).

وقد كان هذا على مدار الزمان والمكان، فعمه أبو لهب لما آذاه وبدأ بمواجهته ومواجهة دعوته من أول يوم، وقال له: تبًّا لكَ سائر اليوم! ألهذا جمعتنا؟! فنزلت: (تَبَّتْ يَدَا أَبِي لَهَبٍ وَتَبَّ) (المسد:1)، إلى آخر السورة، أي: خابت وخسرت، وخاب وخسر، وهلك بداء العدسة، وهو داء تتشاءم منه العرب، فتُرك حتى أنتن، وما غسلوه بل رموا عليه الماء من بعيدٍ، وأسندوه إلى حائط وقذفوه بالحجارة حتى واروه. (سير أعلام النبلاء).

وعتبة بن أبي لهب وكانت تحته ابنة رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أراد الخروج إلى الشام، فقال: "لآتين محمدًا فلأوذينه، فأتاه فقال: يا محمد، هو كافر بالنجم إذا هوى، وبالذي دنا فتدلى، ثم تفل في وجه رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، ورد عليه ابنته وطلقها، فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: اللهم سلِّط عليه كلبًا من كلابك، وكان أبو طالب حاضرًا فوجم لها، وقال: ما كان أغناك يا ابن أخي عن هذه الدعوة، فرجع عتبة إلى أبيه فأخبره، ثم خرجوا إلى الشام، فنزلوا منزلًا، فأشرف عليهم راهب من الدير، فقال لهم: إن هذه أرض مسبعة، فقال أبو لهب لأصحابه: أعينونا يا معشر قريش، فإني أخاف على ابني دعوة محمدٍ، فجمعوا جمالهم وأناخوها حولهم، وأحدقوا بعتبة، فجاء الأسد يشتم وجوههم حتى ضرب عتبة فقتله" (رواه الحاكم وذكر فيه لهب بدل عتبة).

وهذا لا يرتبط بحياته -صلى الله عليه وسلم-، بل في كل عصر ومصر، ومِن ذلك: ما ذكره الإمام ابن حجر -رحمه الله- في الدرر الكامنة في أعيان المائة الثامنة (4/ 153): "أن بعض أمراء المغل (المغول) تنصر، فحضر عنده جماعة من كبار النصارى والمغل، فجعل واحد منهم ينتقص النبي صلى الله عليه وسلم، وهناك كلب صيد مربوط، فلما أكثر من ذلك وثب عليه الكلب فخمشه، فخلصوه منه، وقال بعض من حضر: هذا بكلامك في محمدٍ -صلى الله عليه وسلم-، فقال: كلا، بل هذا الكلب عزيز النفس، رآني أشير بيدي فظن أني أريد أن أضربه، ثم عاد إلى ما كان فيه فأطال، فوثب الكلب مرة أخرى، فقبض على زردمته فقلعها فمات من حينه"، والقصص في هذا يطول جدًّا.

فبشِّر كل مبغض له: (إِنَّ شَانِئَكَ هُوَ الْأَبْتَرُ).

وصلِّ اللهم وسلم وبارك على خليلك محمدٍ، وعلى آله وصحبه وسلم.