إخلاف الوعد

  • 151

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد؛  

فمِن أسوأ الصفات التي يُبتَلى بها المسلم المتحضر الواعي لدينه، خُلف الوعد، بل إنه يُعد مِن صفات أهل النفاق العملية، والتي عَدَّها رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: (آيَةُ الْمُنَافِقِ ثَلَاثٌ: إِذَا حَدَّثَ كَذَبَ، وَإِذَا وَعَدَ أَخْلَفَ، وَإِذَا اؤْتُمِنَ خَانَ) (متفق عليه)، وفي رواية لمسلم: (وَإِنْ صَامَ وَصَلَّى وَزَعَمَ أَنَّهُ مُسْلِمٌ)، فخطر جسيم أن يقع المسلم في واحدة منها، والأدهى من ذلك أن يتمادى فيها وقد لا يشعر بسبب ضعف الإيمان في قلبه أو قد يكون ميت القلب وهو لا يشعر.

فقد جاء الإسلام يؤصِّل خلق الوفاء بالعهد في نفوس أتباعه بصور مختلفة؛ إما بالأمر المباشر أو ببيان فضل هذا الخلق والثواب المترتب عليه، وكذا بضرب المثل بأخلاق الأنبياء والمرسلين، قال الله -تعالى-: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَوْفُوا بِالْعُقُود) (المائدة:1)، وقال -تعالى-: (وَأَوْفُوا بِالْعَهْدِ إِنَّ الْعَهْدَ كَانَ مَسْئُولًا) (الإسراء:34).

قال ابن كثير -رحمه الله-: "(وَأَوْفُوا بِالْعَهْدِ): أي: الذي تعاهدون عليه الناس والعقود التي تعاملونهم بها، فإن العهد والعقد كل منهما يسأل صاحبه عنه" (تفسير ابن كثير).

فاستهانة المسلم بعهد أعطاه أو بوعد وعد به لإنسان وفي قرارة نفسه أنه لا يفي ولا يبالي، دليل على ضعف التزامه وقلة إيمانه، ويمثِّل ذلك قدحًا في أخلاقه، قال الله عن نبيه إسماعيل -عليه السلام-: (وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ إِسْمَاعِيلَ إِنَّهُ كَانَ صَادِقَ الْوَعْدِ وَكَانَ رَسُولًا نَبِيًّا) (مريم:54)، فمدحه الله بلزوم هذه الصفة العظيمة واتصافه بها.

قال ابن كثير -رحمه الله-: "هذا ثناء مِن الله -تعالى- على إسماعيل بن إبراهيم وهو والد عرب الحجاز بأنه (كَانَ صَادِقَ الْوَعْدِ)".

وسيد الأوفياء نبينا محمد -صلى الله عليه وسلم- بعثت بتمام مكارم الأخلاق، ومنها: "الوفاء بالوعد"، فينقل حذيفة بن اليمان لنا ذلك الخبر لما أخذه مشركو قريش هو ووالده وأخذوا عليهما العهد ألا يشتركوا مع رسول الله -صلى الله عليه وسلم- في غزوة بدر، فلما رجعا إلى المدينة وأخبروه بذلك فقال: (انْصَرِفَا، نَفِي لَهُمْ بِعَهْدِهِمْ، وَنَسْتَعِينُ اللهَ عَلَيْهِمْ) (رواه مسلم)، والمواقف كثيرة أخي الحبيب، ولكن لعدم الإطالة أقتصر على هذا فقط.

والقارئ للقرآن يجد أن العهد قد أُضيف إلى الله فاكتسب بذلك الجلالة والعظمة والقدسية والاحترام، فوجب الوفاء به مهما كانت الظروف والأحوال، قال الله -تعالى-: (وَأَوْفُوا بِعَهْدِ اللَّهِ إِذَا عَاهَدْتُمْ) (النحل:91).

قال ابن كثير -رحمه الله-: "هذا مما يأمر الله -تعالى- به وهو الوفاء بالعهود والمواثيق، والمحافظة على الأيمان المؤكدة، ولهذا قال بعدها: (وَلَا تَنْقُضُوا الْأَيْمَانَ بَعْدَ تَوْكِيدِهَا) (النحل:91)".

فالالتزام الحق هو الذي يحمل على التخلق بأخلاق الدين والتاسي بسيد المرسلين نبينا -محمد صلى الله عليه وسلم-، فحسن التزام المسلم بدينه وتمسكه بتعاليم القرآن والسُّنة يؤكده حسن التفاعل وصدق التعامل مع الآخرين بحسن أخلاقه، ونبل صفاته، ومِن ذلك: أن يفي بعهوده.

فليسأل كل واحد منا نفسه: هل تحقق منه هذا الخُلُق؟

فإن كان الجواب نعم فليحمد الله، فذلك دليل إيمانه وصدق أخلاقه، وإن كانت الأخرى فيبدأ بالتغيير ويقوِّم السلوك والأخلاق، ويلتزم بالصدق وليس مجرد شكل أو صورة بلا روح لهذا الالتزام.

نسأل الله أن يخلقنا بأخلاق الدِّين، وينعم علينا بنعمة الأمن والإيمان. آمين.