مصر والشام وعز الإسلام (9) شمس الإسلام في قلب مصر

  • 183

كتبه/ أحمد حرفوش

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد؛  

فقد ذكرنا أن بطريرك الإسكندرية فور علمه بقُدوم عمرو بن العاص -رضي الله عنه- على رأس الجند المسلمين إلى مصر، كتب إلى أهل مصر يُبشرهم بِقُرب زوال مُلك الروم، وانتهاء حُكمهم في مصر، وطلب من المصريين مُعاونتهم، كما قيل: إنه وجَّه رسالةً إلى جميع الأساقفة يطلب إليهم أن يُناصروا الفاتحين الجُدد؛ وعلى إثر ذلك واصل عمرو بن العاص فتح بقية المدن المصرية مستعينًا بالله أولًا، ثم بالمسلمين الذين فارقوا أوطانهم لرفع راية الإسلام، وبترحيب المصريين الذين انتظروا طويلًا مَن يخلصهم من ظلم الرومان.

فتح أُم دنين:

سار عمرو بن العاص من بلبيس، فمر بِمدينة عين شمس ثُم هبط إلى أُم دنين، وكانت تقع بين القاهرة والنيل وقد اشتهرت أُم دنين بحصانتها، فاضطر عمرو أن يُرسل إلى خليفة المسلمين يستحثُّه في إرسال مدد فوعده بذلك، ودار في غضون ذلك قتالٌ شديدٌ تحت أسوار أُم دنين، ولكن الإمدادات تأخرت في الوصول، وتضايق المحاصِرون، وكاد اليأس يدب في نُفوسهم، ووصلت أثناء ذلك طلائع الإمدادات، فقويت عزيمةُ المُسلمين؛ ولما رأى الروم ذلك قلَّ خروجهم للقاء المُسلمين؛ فاستغل عمرو -رضي الله عنه- هذا الإحجام، وشدَّ حصاره على المدينة حتى سقطت في يده، وهُزمت حاميتها الرومية شر هزيمة.

معركة عين شمس:

كان من بين الجنود الذين أرسلهم عُمر بن الخطَّاب عددٌ من كبار الصحابة، أمثال: الزبير بن العوام، وعبادة بن الصامت، والمقداد بن الأسود، ومسلمة بن مُخلد، وغيرهم، فاغتبط المُسلمون بمقدمهم، ووضع عمرو خطَّة تقضي باستفزاز جنود الروم وحملهم على الخُروج من حصن بابليون، ليقاتلهم في السهل خارج الأسوار، ويبدو أن قائد الروم شعر بالقوة بما كان تحت إمرته من المقاتلين، فخرج من الحصن على رأس عشرين ألفًا وسار بهم باتجاه عين شمس لقتال المسلمين، وظنّوا أنهم ضمنوا النصر على المسلمين، فتعاهدوا على القتال حتى الموت، لكن سرعان ما هُزموا شر هزيمة ، فلاذوا بالفرار لا يلوون على شيء، ونجحت فئة قليلة منهم ببلُوغ حصن بابليون؛ ودخل المُسلمون إلى أُم دنين مرة أُخرى، ووطدوا أقدامهم على ضفاف النيل.

وعندما بلغت أنباء الهزيمة مَن بِحصن بابليون من جُند الروم خافوا على أنفُسهم، ففرَّ بعضهم وبقي بعضهم الآخر في الحصن للدفاع عنه؛ فاستغل عمرو هذا الانتصار فنقل معسكره من عين شمس وضربه في شمالي الحصن وشرقه، وهو المكان الذي عُرف فيما بعد: "بالفسطاط".

فتح الفيُّوم:

بعد نجاح عمرو بن العاص وجُنده في الاستيلاء على أُم دنين وإلحاق الهزيمة بالروم، أعدَّ العدة لإتمام فتح الفيوم، وكان يقوم بأمرها شخصٌ يُدعى دومنتيانوس، فأصابه الذُعر عندما علم بانتصارات المسلمين الساحقة على الروم، فأسرع بالفرار دون أن يعلم بفراره أحدٌ، تاركًا الفيوم وشأنها، فعلم عمرو بن العاص بذلك، وأرسل فرقة من جنده نجحت في الاستيلاء على مدينة الفيوم، وهكذا تم للمسلمين فتح إقليم الفيوم وباءت جهود الروم بالفشل.

فتح حصن بابليون:

لم يبقَ بِأيدي الروم سوى حصن بابليون، وكان من أقوى الحصون بعد الإسكندرية؛ لذلك ركَّز عمرو بن العاص جهوده على فتحه، فسار إليه في شهر شوال سنة (19هـ - 640م) وحاصره، وكان بداخله عدد من قادة الروم، وما أن علموا بقدوم المسلمين وانتصارهم، ومساعدة بعض المصريين لهم، حتى بادروا بالفرار إلى الإسكندرية، تاركين الحامية تتولى مهمة الدفاع عنه.

وقد حدثت بعض المناوشات بين الجانبين لمدة شهر، وعندما بدأ فيضان النيل بالانحسار؛ أيقن المقوقس أن المسلمين صابرون على القتال، وأنهم سيقتحمون الحصن لا محالة، كما يئس من وُصول إمدادات من الخارج؛ فاضطرَّ أن يذهب المُقوقس بنفسه للتفاوض مع عمرو في هذا الشأن بشكلٍ سريٍ حتى لا يعلم أحدٌ من المدافعين عن الحصن، فتهن عزائمهم، فخرج من الحصن تحت جُنح الظلام مع جماعة من أعوانه، وركب سفينة إلى جزيرة الروضة.

ونكمل في القادم -إن شاء الله-.