مصر والشام وعز الإسلام (11) إتمام الفتح ومقتل أمير المؤمنين

  • 143

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد؛  

فقد وصل خبر تحرك المسلمين ناحية الإسكندرية إلى إمبراطور الروم، فقال كلمته المشهورة: "لئن ظَفر العرب بالإِسكندرية فقد هلك الروم، وانقطع ملكهم؛ فليس للروم كنائس أَعظم من كنائس الإسكندرية"، ثم أسرع بِإرسال المقوقس على رأس قوة عسكرية.

ووصل المقوقس إلى الإسكندرية في شوال سنة (20هـ - سنة 641م)، عاقدًا عزمه الدخول في صلح مع المسلمين، لكن بعض أركان حربه رفضوا الصلح وأصروا على المُقاومة؛ أما عمرو بن العاص فقد غادر حصن بابليون إلى الإسكندرية مرورًا بمحافظة البحيرة المعاصِرة، وخلال زحفه لقي كثيرًا من المساعدات والمعونات التي قدَّمها المصريون، فقد أصلحوا له الطرق، وأقاموا الجسور والأسواق، كما اصطحب معه عددًا من زعمائهم؛ ليكونوا أداة اتصال بينه وبين مَن يلقاهم في طريقه، ولم يلقَ عمرو -رضي الله عنه- أية مُقاومة على طُول الطريق مِن حصن بابليون إلى الإسكندرية؛ باستثناء حاميتين للروم حيثُ التقى بهما ودار القتال بين الفريقين، وتحقق النصر للمسلمين، وفرت فلول المنهزمين إلى الإسكندرية.

فتح الإسكندرية:

كانت الإسكندرية مدينة منيعة، ذات حصونٍ عظيمة، وقد عسكر المسلمون بالقرب منها، وقد أدرك عمرو فور وصوله للإسكندرية، أن المدينة حصينة؛ إذ يحيط بها سوران محكمان، ويحيط بها خندق يُملأ من ماء البحر عند الضرورة للدفاع عنها، وقد بلغ عدد جُنود حاميتها بعد الإمدادات التي أرسلها الإمبراطور خمسين ألف جندي، ومع ذلك لم ييأس عمرو بن العاص، ووضع خطة عسكرية قضت بتشديد الحصار على المدينة حتى يتضايق المدافعون عنها، ويدب اليأس في نفوسهم، فيضطرهم للخروج للاصطدام بالمسلمين لتخفيف وطأة الحصار، وهكذا يستدرجهم ويحملهم على الخُروج من الحصن لقتاله.

وفي أثناء هذا الحصار رأى عمرو أن يقوم بعمل عسكري يشغل به جنوده؛ إذ إن الانتظار قد يؤثِّر على معنوياتهم القتالية، فأرسل جزءًا من جيشه لفتح ما تبقى من قرى وبلدات الوجه البحري، وأبقى معظم جنوده على حصارالإسكندرية؛ أما أمير المؤمنين عمر بن الخطاب فقد استبطأ فتح الإسكندرية وقال لأصحابه: "ما أبطأوا بفتحها إلا لما أَحدثُوا".

ثُم كتب إلى عمرو أن يخطب في الناس ويحضهم على قتال عدوهم، ويرغبهم في الصبر وإخلاص النية، وكان لكتاب أمير المؤمنين عمرأعظم الأثر في نفوس المسلمين؛ فاقتحموا حصون الإسكندرية ففتحوها بحد السيف سنة (20هـ - 641م) بعد حصارٍ دام أربعة أشهرٍ ونصف، وفرَّ الروم منها للنجاة بأنفسهم، واستبقى عمرو أهلها، ولم يَقْتُل ولم يسبِ، وجعلهم ذمة كأهل حصن بابليون.

مقتل أمير المؤمنين عمر بن الخطاب -رضي الله عنه-:

قُتل أمير المؤمنين عمر -رضي الله عنه- فجأة بيد شخص مغمور لا يَعرف الناس من أمره؛ إلا أنه خادم للصحابي المغيرة ابن شعبة، أما اسمه؛ فهو: فيروز أبو لؤلؤة المجوسي، وهو فارسي الأصل من سبي نهاوند، وفي هذا اليوم خرج عمر -رضي الله عنه- من منزله ليؤم الناس لصلاة الفجر، حتى إذا انتظم جمع المصلين، بدأ ينوي للصلاة ليكبِّر، ودخل في تلك اللحظة هذا المجوسي، وطعن أمير المؤمنين بخنجرٍ له نصلان حادان، ثلاث طعنات أو ست إحداها تحت سرته ثم حاول القاتل الفرار، فتصدَّى له المصلون، فأخذ يطعنهم يمينًا وشمالًا فأصاب ثلاثة عشر منهم، ثم إن الصحابي عبد الله بن عوف أتاه مِن ورائه، وألقى عليه رداءه وطرحه أرضًا، وعندما أيقن فيروز أبو لؤلؤة المجوسي أنه مقتول لا محالة، انتحر بخنجره وانتقل عمر بن الخطاب إلى جوار ربه، وذلك في آخر ذي الحجة سنة (23 هـ - نوفمبر 644م).

ونكمل في المقال القادم -إن شاء الله-.