الغنائم أيها النائم!

  • 150

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد؛

فنذير خطر جدًّا أن ترى المساجد شبه فارغة في كثيرٍ مِن الأوقات؛ خاصه صلاة الفجر!

ما السبب في ذلك: هل لانشغال البعض بالتجارة والعمل أو الغفلة؟ أم جهل بقيمة وعظمة الصلاة، والتفريط في الأجر الكثير في صلاة الجماعة أم للزهد في الجنة أم إرجاء وربك غفور رحيم؟!

فعلًا نذير خطر حتى في بعض الملتزمين! وهذا أخطر وأخطر!

إنَّ أوَّلَ ما افتَرضَ اللَّهُ على النَّاسِ من دينِهِمُ الصَّلاةُ، وآخرَ ما يبقى الصَّلاةُ، وأوَّلَ ما يحاسَب العبد عليه الصلاة، فإن كانت تامَّةً كُتِبت تامَّةً، وإن كانت ناقصة أكملت من تطوع العبد إن وُجِدَ لَهُ تطوُّعٌ.

وهذا فضل وكرم عظيم من رب رحيم كريم؛ فانتبه لهذا الأمر الخطير مِن هذا عدوك الشيطان الرجيم، فعن أبي هريرة -رضي الله عنه- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: (يَعْقِدُ الشَّيْطَانُ عَلَى قَافِيَةِ رَأْسِ أَحَدِكُمْ ثَلَاثَ عُقَدٍ إِذَا نَامَ، بِكُلِّ عُقْدَةٍ يَضْرِبُ عَلَيْكَ لَيْلًا طَوِيلًا، فَإِذَا اسْتَيْقَظَ فَذَكَرَ اللهَ انْحَلَّتْ عُقْدَةٌ، وَإِذَا تَوَضَّأَ انْحَلَّتْ عَنْهُ عُقْدَتَانِ، فَإِذَا صَلَّى انْحَلَّتِ الْعُقَدُ، فَأَصْبَحَ نَشِيطًا طَيِّبَ النَّفْسِ، وَإِلَّا أَصْبَحَ خَبِيثَ النَّفْسِ كَسْلَانَ) (متفق عليه).

- تحدٍّ خطير مِن هذا العدو، إذًا لابد من قبول هذا التحدي، وأن تقف وقفة رجل فى ميدان الجهاد، ولا تغفل عن الأسلحة، وهي: ذكر الله، والوضوء، وصلاة الليل، واعلم أن كيد الشيطان كان ضعيفًا؛ أما الأجر والثواب والغنائم؛ فكثيرة جدًّا.

- ولكي يرغب المسلم في ذلك، ويحرص على الفوز بهذه الغنائم، نقول: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: (بَشِّرِ الْمَشَّائِينَ فِي الظُّلَمِ إِلَى الْمَسَاجِدِ بِالنُّورِ التَّامِّ يَوْمَ الْقِيَامَةِ) (رواه أبو داود، وصححه الألباني)؛ غنيمة عظيمة، نور على الصراط.

- وقال -صلى الله عليه وسلم-: (يَتَعَاقَبُونَ فِيكُمْ مَلَائِكَةٌ بِاللَّيْلِ، وَمَلَائِكَةٌ بِالنَّهَارِ، وَيَجْتَمِعُونَ فِي صَلَاةِ الْفَجْرِ، وَصَلَاةِ الْعَصْرِ، ثُمَّ يَعْرُجُ الَّذِينَ بَاتُوا فِيكُمْ، فَيَسْأَلُهُمْ رَبُّهُمْ وَهُوَ أَعْلَمُ بِهِمْ: كَيْفَ تَرَكْتُمْ عِبَادِي؟ فَيَقُولُونَ: تَرَكْنَاهُمْ وَهُمْ يُصَلُّونَ، وَأَتَيْنَاهُمْ وَهُمْ يُصَلُّونَ) (متفق عليه)؛ شهادة عظيمة، ووسام شرف على صدر مَن صَلَّى الفجر والعصر في جماعة، وغنيمة أيضًا.

- وعن جَريرِ بنِ عبد ِاللَّهِ البجلي -رضي الله عنه- قال: كُنَّا جُلُوسًا عِنْدَ النَّبِيِّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- إِذْ نَظَرَ إِلَى القَمَرِ لَيْلَةَ البَدْرِ قَالَ: (إِنَّكُمْ سَتَرَوْنَ رَبَّكُمْ كَمَا تَرَوْنَ هَذَا القَمَرَ، لاَ تُضَامُونَ فِي رُؤْيَتِهِ، فَإِنِ اسْتَطَعْتُمْ أَنْ لاَ تُغْلَبُوا عَلَى صَلاَةٍ قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ، وَصَلاَةٍ قَبْلَ غُرُوبِ الشَّمْسِ، فَافْعَلُوا) (متفق عليه)؛ غنيمة عظيمة أن ترى الله -عز وجل- في جنته بسبب هذه الصلاة.

- غنيمة أخرى مهمة: عن جندب بن عبد الله -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: (مَنْ صَلَّى الصُّبْحَ فَهُوَ فِي ذِمَّةِ اللهِ) (رواه مسلم).

قال النووي -رحمه الله-: "الذِّمَّة هنا: الضمان. وقيل: الأمان" (شرح النووي على مسلم).

فضل عظيم من ربٍّ كريم؛ بسبب هذا الجهد القليل.

قال الطيبي -رحمه الله-: "وإنما خص صلاة الصبح بالذكر؛ لما فيها مِن الكلفة والمشقة، وأداؤها مظنة خلوص الرجل، ومنه إيمانه؛ ومَن كان مؤمنًا خالصًا؛ فهو في ذمة الله -تعالى- وعهده" (شرح مشكاة المصابيح).

وقال الشيخ ابن عثيمين -رحمه الله-: "في هذا دليل على أنه يجب احترام المسلمين الذين صدَّقوا إسلامهم بصلاة الفجر؛ لأن صلاة الفجر لا يصليها إلا مؤمن، وأنه لا يجوز لأحدٍ أن يعتدي عليهم".

- ومِن أعظم الغنائم -وهي أمل كل مسلم ومسلمة يؤمن بالله واليوم الآخر-: ما جاء عن أبي موسى -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: (مَنْ صَلَّى البَرْدَيْنِ دَخَلَ الجَنَّةَ) (متفق عليه)؛ فهذا هو الفوز العظيم، نسأل الله من فضله.

وعن أبي زهيْرٍ عِمارَةَ بن رُؤيْبةَ -رضي الله عنه- قال: سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول: (لَنْ يلجَ النَّار أَحدٌ صلَّى قبْلَ طُلوعِ الشَّمْس وَقَبْل غُرُوبَها) -يعْنِي: الفَجْرَ، والعَصْرَ-. (رواه مسلم).  

- غنيمة أخرى وفوز آخر، وهو: أن يزحزح عن النار: فعن عثمان بن عفان -رضي الله عنه- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: (مَنْ صَلَّى الْعِشَاءَ فِي جَمَاعَةٍ فَكَأَنَّمَا قَامَ نِصْفَ اللَّيْلِ، وَمَنْ صَلَّى الصُّبْحَ فِي جَمَاعَةٍ فَكَأَنَّمَا صَلَّى اللَّيْلَ كُلَّهُ) (رواه مسلم).

يا سبحان الله!

هل يسمع مسلم بهذه الغنائم ثم يتكاسل عن هذا الخير الكثير؟!

- وإليك أيها الفقير هذه البشرى العظيمة، والغنيمة الباردة: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: (مَنْ صَلَّى الغَدَاةَ فِي جَمَاعَةٍ ثُمَّ قَعَدَ يَذْكُرُ اللَّهَ حَتَّى تَطْلُعَ الشَّمْسُ، ثُمَّ صَلَّى رَكْعَتَيْنِ كَانَتْ لَهُ كَأَجْرِ حَجَّةٍ وَعُمْرَةٍ)، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: (تَامَّةٍ تَامَّةٍ تَامَّةٍ) (رواه الترمذي، وصححه الألباني).

- فرصة جميلة وسهلة لا تكلفك إلا علو همة وحرص على الخير، والغنيمة المجانية: قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: (اللَّهُمَّ بَارِكْ لِأُمَّتِي فِي بُكُورِهَا ) (رواه أحمد والترمذي، وصححه الألباني).

والحمد لله رب العالمين.