فوائد وعِبَر مِن قصة نبي الله الخضر -عليه السلام- (1) (موعظة الأسبوع)

  • 163

نبوة الخضر وحياته

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد؛  

الغرض من الحديث:

- الوقوف على بعض الأمور المهمة قبل الدخول في القصة: (تعريف بالخضر عليه السلام - الأدلة على نبوته - هل الخضر حي؟).

المقدمة:

- ذكر إجمالي للقصة مِن خلال تلاوة الآيات وقراءة الحديث، مع الإشارة إلى أنه سيأتي التفصيل بعد ذلك -إن شاء الله-: قال الله-تعالى-: (وَإِذْ قَالَ مُوسَى لِفَتَاهُ لَا أَبْرَحُ حَتَّى أَبْلُغَ مَجْمَعَ الْبَحْرَيْنِ أَوْ أَمْضِيَ حُقُبًا . فَلَمَّا بَلَغَا مَجْمَعَ بَيْنِهِمَا نَسِيَا حُوتَهُمَا فَاتَّخَذَ سَبِيلَهُ فِي الْبَحْرِ سَرَبًا . فَلَمَّا جَاوَزَا قَالَ لِفَتَاهُ آتِنَا غَدَاءَنَا لَقَدْ لَقِينَا مِنْ سَفَرِنَا هَذَا نَصَبًا . قَالَ أَرَأَيْتَ إِذْ أَوَيْنَا إِلَى الصَّخْرَةِ فَإِنِّي نَسِيتُ الْحُوتَ وَمَا أَنْسَانِيهُ إِلَّا الشَّيْطَانُ أَنْ أَذْكُرَهُ وَاتَّخَذَ سَبِيلَهُ فِي الْبَحْرِ عَجَبًا . قَالَ ذَلِكَ مَا كُنَّا نَبْغِ فَارْتَدَّا عَلَى آثَارِهِمَا قَصَصًا . فَوَجَدَا عَبْدًا مِنْ عِبَادِنَا آتَيْنَاهُ رَحْمَةً مِنْ عِنْدِنَا وَعَلَّمْنَاهُ مِنْ لَدُنَّا عِلْمًا . قَالَ لَهُ مُوسَى هَلْ أَتَّبِعُكَ عَلَى أَنْ تُعَلِّمَنِ مِمَّا عُلِّمْتَ رُشْدًا . قَالَ إِنَّكَ لَنْ تَسْتَطِيعَ مَعِيَ صَبْرًا . وَكَيْفَ تَصْبِرُ عَلَى مَا لَمْ تُحِطْ بِهِ خُبْرًا . قَالَ سَتَجِدُنِي إِنْ شَاءَ اللَّهُ صَابِرًا وَلَا أَعْصِي لَكَ أَمْرًا . قَالَ فَإِنِ اتَّبَعْتَنِي فَلَا تَسْأَلْنِي عَنْ شَيْءٍ حَتَّى أُحْدِثَ لَكَ مِنْهُ ذِكْرًا . فَانْطَلَقَا حَتَّى إِذَا رَكِبَا فِي السَّفِينَةِ خَرَقَهَا قَالَ أَخَرَقْتَهَا لِتُغْرِقَ أَهْلَهَا لَقَدْ جِئْتَ شَيْئًا إِمْرًا . قَالَ أَلَمْ أَقُلْ إِنَّكَ لَنْ تَسْتَطِيعَ مَعِيَ صَبْرًا . قَالَ لَا تُؤَاخِذْنِي بِمَا نَسِيتُ وَلَا تُرْهِقْنِي مِنْ أَمْرِي عُسْرًا . فَانْطَلَقَا حَتَّى إِذَا لَقِيَا غُلَامًا فَقَتَلَهُ قَالَ أَقَتَلْتَ نَفْسًا زَكِيَّةً بِغَيْرِ نَفْسٍ لَقَدْ جِئْتَ شَيْئًا نُكْرًا . قَالَ أَلَمْ أَقُلْ لَكَ إِنَّكَ لَنْ تَسْتَطِيعَ مَعِيَ صَبْرًا . قَالَ إِنْ سَأَلْتُكَ عَنْ شَيْءٍ بَعْدَهَا فَلَا تُصَاحِبْنِي قَدْ بَلَغْتَ مِنْ لَدُنِّي عُذْرًا . فَانْطَلَقَا حَتَّى إِذَا أَتَيَا أَهْلَ قَرْيَةٍ اسْتَطْعَمَا أَهْلَهَا فَأَبَوْا أَنْ يُضَيِّفُوهُمَا فَوَجَدَا فِيهَا جِدَارًا يُرِيدُ أَنْ يَنْقَضَّ فَأَقَامَهُ قَالَ لَوْ شِئْتَ لَاتَّخَذْتَ عَلَيْهِ أَجْرًا . قَالَ هَذَا فِرَاقُ بَيْنِي وَبَيْنِكَ سَأُنَبِّئُكَ بِتَأْوِيلِ مَا لَمْ تَسْتَطِعْ عَلَيْهِ صَبْرًا . أَمَّا السَّفِينَةُ فَكَانَتْ لِمَسَاكِينَ يَعْمَلُونَ فِي الْبَحْرِ فَأَرَدْتُ أَنْ أَعِيبَهَا وَكَانَ وَرَاءَهُمْ مَلِكٌ يَأْخُذُ كُلَّ سَفِينَةٍ غَصْبًا . وَأَمَّا الْغُلَامُ فَكَانَ أَبَوَاهُ مُؤْمِنَيْنِ فَخَشِينَا أَنْ يُرْهِقَهُمَا طُغْيَانًا وَكُفْرًا . فَأَرَدْنَا أَنْ يُبْدِلَهُمَا رَبُّهُمَا خَيْرًا مِنْهُ زَكَاةً وَأَقْرَبَ رُحْمًا . وَأَمَّا الْجِدَارُ فَكَانَ لِغُلَامَيْنِ يَتِيمَيْنِ فِي الْمَدِينَةِ وَكَانَ تَحْتَهُ كَنْزٌ لَهُمَا وَكَانَ أَبُوهُمَا صَالِحًا فَأَرَادَ رَبُّكَ أَنْ يَبْلُغَا أَشُدَّهُمَا وَيَسْتَخْرِجَا كَنْزَهُمَا رَحْمَةً مِنْ رَبِّكَ وَمَا فَعَلْتُهُ عَنْ أَمْرِي ذَلِكَ تَأْوِيلُ مَا لَمْ تَسْطِعْ عَلَيْهِ صَبْرًا) (الكهف:60-82).

- وقال النبي -صلى الله عليه وسلم-: (إنَّ مُوسَى قَامَ خَطِيبًا في بَنِي إسْرَائِيلَ، فَسُئِلَ: أيُّ النَّاسِ أعْلَمُ، فَقالَ: أنَا، فَعَتَبَ اللَّهُ عليه إذْ لَمْ يَرُدَّ العِلْمَ إلَيْهِ، فأوْحَى اللَّهُ إلَيْهِ إنَّ لي عَبْدًا بمَجْمَعِ البَحْرَيْنِ هو أعْلَمُ مِنْكَ، قالَ مُوسَى: يا رَبِّ فَكيفَ لي به، قالَ: تَأْخُذُ معكَ حُوتًا فَتَجْعَلُهُ في مِكْتَلٍ، فَحَيْثُما فقَدْتَ الحُوتَ فَهُوَ، ثَمَّ فأخَذَ حُوتًا فَجَعَلَهُ في مِكْتَلٍ، ثُمَّ انْطَلَقَ وانْطَلَقَ معهُ بفَتَاهُ يُوشَعَ بنِ نُونٍ، حتَّى إذَا أتَيَا الصَّخْرَةَ وضَعَا رُؤُوسَهُما فَنَامَا ... ) (متفق عليه).  

(1) تعريف بالخضر -عليه السلام-:

- اختلف علماء السِّير والتاريخ في اسمه ونَسَبِه كثيرًا، وهو أمر لم ينشغل به القرآن، ولم تهتم له السُّنة، ولكن ورد السبب لتسميته في كلام النبي -صلى الله عليه وسلم-، فقال النبي -صلى الله عليه وسلم-: (إنَّما سُمِّيَ الخَضِرَ أنَّهُ جَلَسَ علَى فَرْوَةٍ بَيْضَاءَ، فَإِذَا هي تَهْتَزُّ مِن خَلْفِهِ خَضْرَاءَ) (رواه البخاري).

- هو الذي جاء ذكره في القرآن مع نبي الله موسى بن عمران -عليه السلام-: قال -تعالى-: (فَوَجَدَا عَبْدًا مِنْ عِبَادِنَا آتَيْنَاهُ رَحْمَةً مِنْ عِنْدِنَا وَعَلَّمْنَاهُ مِنْ لَدُنَّا عِلْمًا)، وعن سعيد بن جبير قال: قلتُ لابن عباس -رضي الله عنهما-: "إنَّ نَوْفًا البِكَالِيَّ يَزْعُمُ أنَّ مُوسَى عليه السَّلَامُ، صَاحِبَ بَنِي إسْرَائِيلَ ليسَ هو مُوسَى صَاحِبَ الخَضِرِ، عليه السَّلَامُ، فَقالَ: كَذَبَ عَدُوُّ اللهِ... " (متفق عليه).

- شَرَف الخضر وعظيم منزلتِه عندَ الله -تعالى-؛ لوصفه بالعبودية، ولإضافته إلى الربِّ -جلَّ جلالُه- حيث قال -تعالى-: (عَبْدًا مِن عِبَادِنَا)، كقوله في النبي -صلى الله عليه وسلم-: (وَإِنْ كُنْتُمْ فِي رَيْبٍ مِمَّا نَزَّلْنَا عَلَى عَبْدِنَا) (البقرة:23).

- وهو نبي من أنبياء الله على الراجح من كلام أهل العلم: قال القرطبي -رحمه الله-: "الخضر نبي عند الجمهور"، وقال الثعلبي: "هو نبي في جميع الأقوال"، وذكر الألوسي نبوته عند الجمهور، وبه قال ابن حجر العسقلاني.

(2) الأدلة على نبوة الخضر:

أولًا: أدلة القرآن:

- ذهب الإمام ابن كثير مذهب الجمهور في إثبات النبوة في حق الخضر، ثم دلل على ذلك مِن وجوه أربعة من سياق القصة في القرآن: قال -رحمه الله-:

- أحدهما: قوله -تعالى-: (فَوَجَدَا عَبْدًا مِّنْ عِبَادِنَا آتَيْنَاهُ رَحْمَةً مِّنْ عِندِنَا وَعَلَّمْنَاهُ مِن لَّدُنَّا عِلْمًا)، والأظهر: أن هذه الرحمة هي رحمة النبوة، وهذا العلم هو ما يوحى إليه به من قبل الوحي.

- الثاني: قول موسى -عليه السلام- له: (قَالَ لَهُ مُوسَى هَلْ أَتَّبِعُكَ عَلَى أَنْ تُعَلِّمَنِ مِمَّا عُلِّمْتَ رُشْدًا . قَالَ إِنَّكَ لَنْ تَسْتَطِيعَ مَعِيَ صَبْرًا . وَكَيْفَ تَصْبِرُ عَلَى مَا لَمْ تُحِطْ بِهِ خُبْرًا . قَالَ سَتَجِدُنِي إِنْ شَاءَ اللَّهُ صَابِرًا وَلَا أَعْصِي لَكَ أَمْرًا . قَالَ فَإِنِ اتَّبَعْتَنِي فَلَا تَسْأَلْنِي عَنْ شَيْءٍ حَتَّى أُحْدِثَ لَكَ مِنْهُ ذِكْرًا)، فلو كان غير نبي لم يكن معصومًا، ولم يكن لموسى -وهو نبي عظيم، ورسول كريم، واجب العصمة- كبير رغبة، ولا عظيم طلبة في علم وَليٍّ غير واجب العصمة، ولما عزم على الذهاب إليه، والتفتيش عنه ولو أنَّه يمضي حقبًا من الزمان؛ قيل: إنها ثمانون سنة، ثمَّ لما اجتمع به، تواضع له، وعظّمه، واتبعه في صورة مستفيد منه؛ فدلَّ على أنه نبيٌّ مثله، يُوحَى إليه كما يوحى إليه، وقد خُصَّ مِن العلوم اللدنيَّة والأسرار النبويَّة بما لم يطلع الله عليه موسى الكليم -عليه السلام-، نبيَّ بني إسرائيل الكريم.

- الثالث: أن الخضر أقدم على قتل ذلك الغلام، وما ذاك إلا للوحي إليه من الملك العلام، وهذا دليل مستقلٌّ على نبوتَّه، وبرهان ظاهر على عصمته؛ لأنَّ الولي لا يجوز له الإقدام على قتل النفوس بمجرد ما يُلْقَى في خلده؛ لأنَّ خاطره ليس بواجب العصمة إذ يجوز الخطأ عليه بالاتفاق، ولما أقدم الخضر على قتل ذلك الغلام الذي لم يبلغ الحلم علمًا منه بأنّه إذا بلغ يكفر، ويحمل أبويه على الكفر لشّدة محبتهما له، فيتابعانه عليه، ففي قتله مصلحة عظيمة تربو على بقاء مهجته صيانة لأبويه عن الوقوع في الكفر وعقوبته؛ دلَّ ذلك على نبوته، وأنه مؤيد من الله بعصمته.

- الرابع: أنّه لمَّا فسر الخضر تأويل تلك الأفاعيل لموسى، ووضَّح له عن حقيقة أمره وجلاَّه، قال بعد ذلك كلّه: (رَحْمَةً مِنْ رَبِّكَ وَمَا فَعَلْتُهُ عَنْ أَمْرِي)؛ يعني: ما فعلتُه مِن تلقاء نفسي، بل أُمرت به، وأوحي إليَّ فيه. (البداية والنهاية لابن كثير).

ثانيًا: أدلة السُّنة:

1- قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: (يَرْحَمُ اللَّهُ مُوسَى، لَوَدِدْنَا لو صَبَرَ حتَّى يُقَصَّ عَلَيْنَا مِن أمْرِهِمَا) (رواه البخاري).

- وفي تمني رسول الله -صلى الله عليه وسلم- هذا الاطلاع على ما يقع بينهما؛ دليل على أن الخضر كان موحى إليه، ولو لم يكن كذلك؛ لما جاز هذا التمني بأن ينتظر الرسول محمد -صلى الله عليه وسلم- أمرًا غير موحى إليه.

2- قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: (لَمَّا لَقِيَ مُوسَى الْخَضِرَ -عَلَيْهِمَا السَّلَامُ- جَاءَ طَيْرٌ فَأَلْقَى مِنْقَارَهُ فِي الْمَاءِ، فَقَالَ الْخَضِرُ لِمُوسَى تَدَبَّرْ مَا يَقُولُ هَذَا الطَّيْرُ، قَالَ: وَمَا يَقُولُ؟ قَالَ: يَقُولُ: مَا عِلْمُكَ وَعِلْمُ مُوسَى فِي عِلْمِ اللَّهِ إِلَّا كَمَا أَخَذَ مِنْقَارِي مِنَ الْمَاءِ) (رواه الحاكم، وصححه الألباني).

- فهذا صريح في أن الخضر قد علم منطق الطير، وهو مِن الغيب الذي لا يعلمه البشر؛ فهو في هذا على نحو النبي سليمان -عليه السلام- الذي حكى عنه القرآن: (يَا أَيُّهَا النَّاسُ عُلِّمْنَا مَنطِقَ الطَّيْرِ) (النمل:16).

3- قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: (بيْنَما مُوسَى في مَلَإٍ مِن بَنِي إسْرائِيلَ جاءَهُ رَجُلٌ فقالَ: هلْ تَعْلَمُ أحَدًا أعْلَمَ مِنْكَ؟ قالَ مُوسَى: لا، فأوْحَى اللَّهُ عزَّ وجلَّ إلى مُوسَى: بَلَى، عَبْدُنا خَضِرٌ ... ) (متفق عليه).

- إِن دلّ تَخْصِيص الله -عز وَجل- بِتِلْكَ الْأُمُور الغيبية بالخضر دون مُوسَى -عَلَيْهِ السَّلَام- مَعَ أَنه من أولي الْعَزْم من الرُّسُل فَإِنَّمَا يدل على نبوة الْخضر، وَيُؤَيِّدهُ سِيَاق هَذَا الحَدِيث حَيْثُ قَالَ الله -عز وَجل-: (بلَى عَبدنَا خضر).

(3) هل الخضر -عليه السلام- حي؟

- هناك آثار كثيرة جدًّا، وردت عن حياة الخضر، وأنه ما زال حيًّا إلى الآن، لكن كلها آثار ضعيفة، ومن أمثلتها: ما روي: أن رجلًا أو أن صوتًا عَزَّى الصحابة بوفاة رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بعد وفاته، قال الراوي: "فكنا نرى أنه الخضر" (تفسير ابن كثير)(1).

وجوة الاستدلال على موت الخضر -عليه السلام-:

- الأول: نفي الخلود للبشر؛ فكيف يكون للخضر حياة إلى قيام الساعة؟ قال -تعالى-: (وَمَا جَعَلْنَا لِبَشَرٍ مِّن قَبْلِكَ الْخُلْدَ) (الأنبياء:34).

- الثاني: كل مَن كان على وجه الأرض بعد وفاة النبي -صلى الله عليه وسلم- مات يقينًا بخبر الصادق المصدوق، قال النبي -صلى الله عليه وسلم- يومًا لأصحابه: (أَرَأَيْتَكُمْ لَيْلَتَكُمْ هَذِهِ؟ فَإِنَّ عَلَى رَأْسِ مِائَةِ سَنَةٍ مِنْهَا لَا يَبْقَى مِمَّنْ هُوَ عَلَى ظَهْرِ الْأَرْضِ أَحَدٌ) (متفق عليه).

- الثالث: لو كان الخضر حيًّا لكان الواجب عليه أن يأتي النبي -صلى الله عليه وسلم- فيبايعه وينصره، فقد أخذ الله العهد على الأنبياء بذلك: قال -تعالى-: (وَإِذْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثَاقَ النَّبِيِّينَ لَمَا آتَيْتُكُم مِّن كِتَابٍ وَحِكْمَةٍ ثُمَّ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مُّصَدِّقٌ لِّمَا مَعَكُمْ لَتُؤْمِنُنَّ بِهِ وَلَتَنصُرُنَّهُ) (آل عمران:81)، وقال النبي -صلى الله عليه وسلم-: (لَوْ كَانَ مُوسَى حَيًّا بَيْنَ أَظْهُرِكُمْ، مَا حَلَّ لَهُ إِلَّا أَنْ يَتَّبِعَنِي) (رواه أحمد، وحسنه الألباني).

فائدة: هنا يرد إشكالان:

الإشكال الأول: هو أن عيسى -عليه السلام- كان حيًّا لما قال الرسول -صلى الله عليه وسلم-: (أَرَأَيْتَكُمْ لَيْلَتَكُمْ هَذِهِ؟ فَإِنَّ عَلَى رَأْسِ مِائَةِ سَنَةٍ مِنْهَا لَا يَبْقَى مِمَّنْ هُوَ عَلَى ظَهْرِ الْأَرْضِ أَحَدٌ).

والجواب: أن الرسول -صلى الله عليه وسلم- قال في الحديث: (مِمَّنْ هُوَ عَلَى ظَهْرِ الْأَرْضِ)؛ أما عيسى -عليه السلام- فهو في السماء؛ إذًا هو لا يدخل في الحديث.

والإشكال الثاني: الدجال الآن حي وموثَّق بالحديد بالسلاسل في جزيرة مِن جزائر البحر، وهي على ظهر الأرض؟  

والجواب: أن النص الذي رواه الإمام مسلم: ((أَرَأَيْتَكُمْ لَيْلَتَكُمْ هَذِهِ؟) نص عام والحديث الذي ورد عن الدجال نص خاص؛ أي: أن الدجال مسثتثنى مِن الحديث؛ لأنه آية وعلامة مِن علامات الساعة، وقد أخبرنا بذلك مَن أخبرنا بالحديث -صلى الله عليه وسلم-.

خاتمة:

- إشارة إلى البداية في الفوائد والعِبَر القادمة -إن شاء الله- مِن خلال الآيات، وحديث ابن عباس الطويل.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(1) قال الدكتور عمر الأشقر -رحمه الله-: "ذهب جمع كثير مِن العلماء: إلى أن الخضر حي لم يمت، وقد وردت في ذلك أخبار كثيرة، وقد فتح القول بحياته بابًا للخرافة والدجل، فأخذ كثيرٌ من الناس يزعم أنّهم قابلوا الخضر، وأنّه وصَّاهم بوصايا، وأمرهم بأوامر، ويروون في ذلك حكايات غريبة، وأخبارًا يأباها العقل السليم. وقد ذهب إلى تضعيف هذه الأخبار جمع من كبار المحدثين منهم البخاري، وابن دحية، وابن كثير، وابن حجر العسقلاني، وأقوى ما يردُّ به على هؤلاء القائلين بحياته أنه لم يصح في ذلك حديث. (انظر: الرسل والرسالات).