تَغَافَل ... تَسَامَح... لا تَنْتَصِر!

  • 172

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد؛  

فمن الأخلاق الفاضلة التي رسَّخها النبي -صلى الله عليه وسلم- في نفوس أصحابه: العفو والتسامح، وترك الغضب والانتصار للنفس؛ فعن عقبة بن عامر -رضي الله عنه- أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال له: (يَا عُقْبَةُ بْنَ عَامِرٍ، صِلْ مَنْ قَطَعَكَ، وَأَعْطِ مَنْ حَرَمَكَ، وَاعْفُ عَمَّنْ ظَلَمَكَ) (رواه أحمد، وصححه الألباني)، والسيرة النبوية زاخرة بالمواقف والأحاديث الدالة على جميل عفو النبي -صلى الله عليه وسلم- وتسامحه.

- معارك خاسرة:

حينما نتأمل حالنا: نجد أنَّ كثيرًا من الحوارات التي نخوضها مع أقرب الناس لنا مِن: والدين، أو زوجة، أو أبناء، أو أصحاب وأرحام، أو حتى مع أنفسنا قد تشوبها بعض الظنون الكاذبة، أو الأحقاد المهلكة، أو الوساوس المقلقة، وفي الحقيقة كلها معارك خاسرة؛ فقد يتبين لنا أننا كنا مخطئين في الإصرار على بعض مواقفنا، وحينها نشعر بالندم، ولكن بعد فوات الأوان؛ فماذا تفيد قبلة اعتذار على جبين ميَّت فارق الحياة؟!

- لا تنتصر في المواقف الهامشية:

ليس بالضرورة أن تنتصر في المواقف كلها؛ فبعض المواقف قد تكون هامشيةً أحيانًا، ولكنها تعني للطرف الآخر الشيء الكثير؛ أليس من الحكمة أن ننسحب أحيانًا حتى ولو كان الحق معنا، فنحن الرابحون في النهاية ولا شك، فكسب القلوب أوْلى مِن كسب المواقف، وقديمًا قالوا: "لا تهدم الجسور التي بنيتها وعبرتها، فربما تحتاجها للعودة يومًا ما".

- تغافل:

كم مِن مشكلات وقعت بين الزوجين أو بين الأقارب والأصحاب كان سببها: عدم التغافل، أو تتبع الأخطاء، والتفتيش في النوايا! ولو أنهم تخلَّقوا بخلق التغافل، لزال عنهم شرٌ كثيرٌ، كما قال الأعمش -رحمه الله-: "التغافل يطفئ شرًّا كثيرًا"، وقال الإمام أحمد -رحمه الله-: "تسعة أعشار حُسن الخلق في التغافل"؛ فليس التغافل عن الزلات دليلًا على غباء صاحبه أو سذاجته، بل هو العقل والحكمة.

- تسامح:

التسامح مِن أسمى الصفات التي أمرنا الله -عزّ وجلّ- بها، وحثنا عليها رسولنا -صلى الله عليه وسلم-، فالتجاوز عن أخطاء الآخرين، والتماس الأعذار لهم، والنظر إلى مزاياهم وحسناتهم بدلًا من التركيز على عيوبهم وأخطائهم من شيم النبلاء؛ فالحياة قصيرة، وتمضي دون توقف؛ فلا تجعل ساعة الخصومة تنسيك سنوات الموّدة، قال -تعالى-: (وَلَا تَنْسَوُا الْفَضْلَ بَيْنَكُمْ) (البقرة:237).

- أحسِن الظن:

ليس أسلم للقلب في هذه الحياة، ولا أسعد للنفس، ولا أريح للبال، من حسن الظن بالآخرين؛ فبه نسلم من أذى الخواطر المقلقة التي تكدر بالنا، وتتعب أجسادنا؛ فإنَّ أخطر ما يُفسد سعادتنا أن نكون ضعفاء من داخلنا، نحزن سريعًا، ويتكدر خاطرنا، وتتغير نفوسنا من كلمة عابرة، ونبالغ كثيرًا في تضخيم بعض المواقف؛ لذلك ينبغي لنا ألا ندقق في كل كلمة، ولا نجهد أنفسنا في تحليل النوايا، بل علينا أن نعامل الناس بالظاهر وعلى الله البواطن، ولنطهر قلوبنا من هذه الآفة؛ لنهنأ بعيشنا، وتطمئن قلوبنا، ولا نخسر أحبابنا؛ فقد قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: (إِيَّاكُمْ وَالظَّنَّ، فَإِنَّ الظَّنَّ أَكْذَبُ الحَدِيثِ، وَلاَ تَحَسَّسُوا، وَلاَ تَجَسَّسُوا، وَلاَ تَحَاسَدُوا، وَلاَ تَدَابَرُوا، وَلاَ تَبَاغَضُوا، وَكُونُوا عِبَادَ اللَّهِ إِخْوَانًا) (متفق عليه).