الله رفيق يحب الرفق

  • 177

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد؛  

فعن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: قَبَّلَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- الحَسَنَ بْنَ عَلِيٍّ، وَعِنْدَهُ الأَقْرَعُ بْنُ حَابِسٍ التَّمِيمِيُّ جَالِسًا، فَقَالَ الأَقْرَعُ: إِنَّ لِي عَشَرَةً مِنَ الوَلَدِ مَا قَبَّلْتُ مِنْهُمْ أَحَدًا، فَنَظَرَ إِلَيْهِ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ثُمَّ قَالَ: (مَنْ لاَ يَرْحَمُ لاَ يُرْحَمُ) (متفق عليه).

فهذا الحديث الشريف نَقَل لنا شؤم القسوة، وأن مَن لا يَرحم لا يُرحم، وأبرز لنا رحمة وعطف النبي -صلى الله عليه وسلم- على الصغير، وهذا ولا وشك من أنفع ومن أحسن طرق التربية، فالأطفال أحوج ما يكونون إلى لمسة عطف وإلى قبلة، وإلى مودة، وعلى الأبوين أن يكثرا من ذلك؛ فهذا من أنفع الطرق لإخراج أبناء أسوياء في ظل كثرة انتشار الأمراض النفسية، وكذا ظاهرة الانحراف الخلقي والسلوكي للأجيال الحاضرة حتى في أوساط الملتزمين.

ولعل من أعظم أسباب ذلك الانحراف: الغلظة والشدة الدائمة من الأبوين في تربيتهما لابنائهما، ظنًّا من البعض أن هذا هو الطريق الأمثل لإخراج جيل قوي وصلب لتحمل صعاب الحياة، ولا شك أنه يحصل العكس، فتخرج أجيال محطمة ومشوهة نفسيًّا، وذلك بسبب عدم تكامل تربية الوالدين، وقد كان -صلى الله عليه وسلم وهو الرحمة المهداة- رحيمًا رؤوفًا -صلى الله عليه وسلم-، يراعي صغر واحتياج الطفل، كما قال عبد الله بن الزبير -رضي الله عنهما-: "قد رأيتُ الحسن بن علي يأتي النبي -صلى الله عليه وسلم- وهو ساجد، فيركب ظهره فما ينزله حتى يكون هو الذي ينزل، ويأتي وهو راكع فيفرج له بين رجليه حتى يخرج من الجانب الآخر"؛ قال -تعالى- عنه: (فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ) (آل عمران:١٥٩).

فهذا اللين والرحمة والتواضع أثمر حبَّ وإقبال واستجابة الصحابة -رضوان الله عليهم- للنبي -صلى الله عليه وسلم-؛ أما الغلظة والقوة فإنها تنفِّر وتبعد المدعو، وتجعله أكثر رفضًا لما ندعوه إليه؛ ولذلك فنحتاج فإننا إلى أن ننشر الرفق في بيوتنا أولًا لينتشر بعد ذلك -بإذن الله- في مجتماعتنا، قال النبي -صلى الله عليه وسلم- مرغِّبًا فيه: (إِنَّ اللهَ رَفِيقٌ يُحِبُّ الرِّفْقَ، وَيُعْطِي عَلَى الرِّفْقِ مَا لَا يُعْطِي عَلَى الْعُنْفِ، وَمَا لَا يُعْطِي عَلَى مَا سِوَاهُ) (رواه مسلم)، وعن عائشة -رضي الله عنها- أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: (إِنَّ الرِّفْقَ لَا يَكُونُ فِي شَيْءٍ إِلَّا زَانَهُ وَلَا يُنْزَعُ مِنْ شَيْء إِلَّا شانه) (رواه مسلم)، وفي الحديث: (إِذَا أَرَادَ اللَّهُ -عَزَّ وَجَلَّ- بِأَهْلِ بَيْتٍ خَيْرًا، أَدْخَلَ عَلَيْهِمُ الرِّفْقَ) (رواه أحمد، وصححه الألباني).

وإننا نحتاج إلى جلسات نفرِّغ فيها أنفسنا لأبنائنا؛ نستمع إليهم، ونضحك معهم، ونهديهم هدايا ولو قليلة الثمن، ونخرج معهم للتنزه سويًّا، وبإذن الله سنجد الوقت رغم مشاغل الحياة؛ لأن بناء هذه العلاقة -وإن شئت الأسوار المنيعة العاتية- مِن أعظم عوامل صمود وتخريج أبناء أسوياء، وكذا أكثر استجابة لأوامر الوالدين؛ لعلمه عظيم محبة ورأفة الوالدين به، وهذا ولا شك مِن أعظم أسباب الاستجابة للنصح، يعلم أنه يجتهد بنصحه لأجله لا على سبيل التسلُّط وفرض الرأي، ولكن مِن واقع المحبة والشفقة والرأفة به، ولا نعني بذلك أن يكون التعامل باللين والتدليل فقط تجاه الولد، فإن هذا أيضًا يضيعه، كما أن الشده تضيعه، فكثرة التدليل مهلكة لا سيما أنه سيصطدم بما يلاقيه مِن قسوة وشدة في المجتمع، ولكن ليكن الغالب الرفق والرحمة مع تنمية عامل محبة الله -سبحانه-، ومعرفته ومراقبته، والشدة والتغليظ إن احتاج الوالدان إلى ذلك، ولا شك أن ضبط ذلك الأمر؛ أعني استخدام اللين والشدة يفتقر إلى عون وفضل وتوفيق الله -سبحانه وبحمده-؛ لذلك على المرء أن يكثر من الدعاء لأولاده لا عليهم، ويكثر من إظهار فقره وضعفه لله -تعالى- الرب الرحيم أن يحفظهم وأن يهديهم، وأن يثبتهم على الإسلام وأن يرزقهم سعادة الدارين، وأن يُرزق برهم، وهذا هو حال الأنبياء والصالحين كما في الدعاء: (رَبِّ اجْعَلْنِي مُقِيمَ الصَّلَاةِ وَمِنْ ذُرِّيَّتِي رَبَّنَا وَتَقَبَّلْ دُعَاءِ) (إبراهيم:٤٠)، وكذا دعاء عباد الرحمن: (وَالَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا هَبْ لَنَا مِنْ أَزْوَاجِنَا وَذُرِّيَّاتِنَا قُرَّةَ أَعْيُنٍ وَاجْعَلْنَا لِلْمُتَّقِينَ إِمَامًا) (الفرقان:74).

ويحتاج أيضًا إلى كثرة صبر، وهذا أيضًا مِن أهم السبل للوصول للمراد -بإذن الله تعالى-، ومما يعينك على الصبر اليقين بالفرج وإحسان الظن بالله.

والله -تعالى- قريب مجيب.