إنك أنت الوهاب

  • 159

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد؛  

فقد قال الله -سبحانه وبحمده-: (وَلِلَّهِ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا وَذَرُوا الَّذِينَ يُلْحِدُونَ فِي أَسْمَائِهِ سَيُجْزَوْنَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ) (الأعراف:180).

فأسماؤه -سبحانه وبحمده- هي أحسن الأسماء، وكلها حسنى لما اشتملت عليه من سمات الكمال والجلال والعظمة، فلا يداخلها خلل أو عيب، ولا يشوبها نقص، بل هي حسنى من كل وجه، فإذا كانت أسماؤه -سبحانه وبحمده- كذلك: (فَادْعُوهُ بِهَا) كما قال السعدي -رحمه الله-.

ومِن تمام كونها "حسنى" أنه لا يدعى إلا بها، ولذلك قال: (فَادْعُوهُ بِهَا) وهذا شامل لدعاء العبادة، ودعاء المسألة، فيدعى في كل مطلوب بما يناسب ذلك المطلوب، فيقول الداعي مثلًا: "اللّهم اغفر لي وارحمني، إنك أنت الغفور الرحيم، وتب عَلَيَّ يا تواب، وارزقني يا رزاق، والطف بي يا لطيف ونحو ذلك. (انظر: تفسير السعدي).

ومن اسمائه سبحانه التي أمرنا أن ندعوه بها الوهاب، وهو كما قال الخطابي: "الوهاب هو الذي يجود بالعطاء عن ظهر يد مِن غير استثابة، أي: من غير طلب للثواب من أحد. فالهبة هي العطية  بغير عوض، بل هو سبحانه يعطي العطاء والمنن الكثيرة حتى من غير سؤال له".

وقال غيره: هو المتفضل بالعطايا المنعم بها لا عن استحقاق عليه ولا مكافأة

فاشتمل اسمه الوهاب -كما ترى- على كمال جوده وكرمه مع كمال غناه، وهذا لا يحصل إلا له -سبحانه وبحمده-، وذلك يثمر محبته والحياء منه -سبحانه وبحمده-، وكذا حسن الظن والطمع في عظيم فضله والافتقار اليه والاستغناء به عن كل مَن سواه، وكذا الخضوع والإخبات والتواضع والانكسار له من غير تعالٍ وتفاخر على عباد الله؛ لعلمهم أن ما هم فيه هو هبة من الوهاب -سبحانه وبحمده-، فيجتهدوا في شكره؛ ليزدادوا من هباته وعطاياه، وليبارك لهم فيها.

وقد وردت آيات كثيرة في القرآن تتحدث عن اسمه -سبحانه- "الوهاب"، وكيف سأله به الأنبياء والصالحون، ومِن جميل ما فيها تنوعها واشتمالها على سؤالهم خيري الدنيا والآخرة، كسؤال الملك الذي في دعاء نبي الله سليمان -عليه السلام-: (قَالَ رَبِّ اغْفِرْ لِي وَهَبْ لِي مُلْكًا لَّا يَنبَغِي لِأَحَدٍ مِّن بَعْدِي إِنَّكَ أَنتَ الْوَهَّابُ) (ص:٣٥).

ومنها سؤالهم أن يمن عليهم برحمة مِن عنده يرحمون ويحفظون بها في الدنيا والآخرة في قوله -تعالى-: (رَبَّنَا لَا تُزِغْ قُلُوبَنَا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنَا وَهَبْ لَنَا مِن لَّدُنكَ رَحْمَةً إِنَّكَ أَنتَ الْوَهَّابُ) (آل عمران:٨).

وسألوه -سبحانه وبحمده- أن يهب لهم الذرية الطيبة الصالحة، قال -تعالى-: (هُنَالِكَ دَعَا زَكَرِيَّا رَبَّهُ قَالَ رَبِّ هَبْ لِي مِن لَّدُنكَ ذُرِّيَّةً طَيِّبَةً إِنَّكَ سَمِيعُ الدُّعَاءِ) (آل عمران:٣٨)؛ لعلمهم أنه -سبحانه- وحده له الملك، وله الخلق والأمر، فهو الوهاب -سبحانه وبحمده- كما قال -تعالى- عن نفسه: (لِّلَّـهِ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ يَهَبُ لِمَن يَشَاءُ إِنَاثًا وَيَهَبُ لِمَن يَشَاءُ الذُّكُورَ . أَوْ يُزَوِّجُهُمْ ذُكْرَانًا وَإِنَاثًا وَيَجْعَلُ مَن يَشَاءُ عَقِيمًا إِنَّهُ عَلِيمٌ قَدِيرٌ) (الشورى:49-٥٠).

وكذا سؤالهم الوهاب أن يمن عليهم بهبة ورحمة من عنده تقر بها أعينهم بصلاح أزواجهم وذريتهم، كما قال -سبحانه-: (وَالَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا هَبْ لَنَا مِنْ أَزْوَاجِنَا وَذُرِّيَّاتِنَا قُرَّةَ أَعْيُنٍ وَاجْعَلْنَا لِلْمُتَّقِينَ إِمَامًا) (الفرقان:٧٤).

وكما سأله خليله إبراهيم عليه السلام أن يمن عليه بالعلم والفهم والحكمة -وقيل: النبوة-، وأن يلحقه بالصالحين  في الدنيا والآخرة، فقال: (رَبِّ هَبْ لِي حُكْمًا وَأَلْحِقْنِي بِالصَّالِحِينَ) (الشعراء:٨٣).

فكل ذلك مِن آثار امتلاء قلوبهم قلوبهم باليقين والرجاء في عظيم رحمته ومنته؛ فكيف ينقطع رجاؤك وأنت تسأل من خزائن كل شيء بيده وحده -سبحانه وبحمده-؟!

فالوهاب عزيز لا يغلب، ولا يقهر، ولا يمانع؛ فما شاء كان، وما لم يشأ لم يكن؛ لا مانع لما أعطى، ولا معطي لما منع، وهذا من جميل اقتران اسمه الوهاب بالعزيز، كما قال -سبحانه وبحمده-: (أَمْ عِندَهُمْ خَزَائِنُ رَحْمَةِ رَبِّكَ الْعَزِيزِ الْوَهَّابِ) (ص:٩).

وصلى الله وسلَّم على نبينا محمدٍ، وعلى آله وصحبه أجمعين.