حديث الأنبياء (1)

  • 134

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد؛

فلا شك أن الأنبياء أفضل البشر، ولهم مكانة خاصة عند الله -تعالى-؛ مما جعل حبهم واتباعهم عبادة يتقرب بها إلى الله -تعالى-؛ ولذلك اختارهم الله مِن أشرف الأنساب، وأفضل البقاع، وأسبغ عليهم نعمة النبوة حيث قال -تعالى-: (اللَّـهُ أَعلَمُ حَيثُ يَجعَلُ رِسالَتَهُ) (الأنعام:124).

قال البقاعي -رحمه الله-: "أي: أن الله بما له من صفات الكمال، أعلم مِن كلِّ مَن يمكن له منه علم، فهو لا يضع شيئًا من رسالته بالتشهي" (انتهى بتصرف يسير).

وقال الساعدي -رحمه الله-: "وفي هذه الآية دليل على كمال حكمه الله -تعالى-؛ لأنه وإن كان رحيمًا واسع الجود، كثير الإحسان، فإنه حكيم لا يضع جوده إلا عند أهله" (انتهى).

ولذلك لما اعترض بعض الكفار على النبي -صلى الله عليه وسلم- بقولهم: (وَقَالُوا لَوْلَا نُزِّلَ هَـذَا الْقُرْآنُ عَلَى رَجُلٍ مِّنَ الْقَرْيَتَيْنِ عَظِيمٍ) (الزخرف:31).

قال البغوي -رحمه الله-: "يعنون الوليد بن المغيرة من مكة، وعروة بن مسعود الثقفي من الطائف" (انتهى).

فردَّ الله عليهم بقوله: (أَهُمْ يَقْسِمُونَ رَحْمَتَ رَبِّكَ نَحْنُ قَسَمْنَا بَيْنَهُم مَّعِيشَتَهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَرَفَعْنَا بَعْضَهُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجَاتٍ) (الزخرف:32).

وعدد الأنبياء والرسل كما روى الإمام أحمد في مسنده عن أبي ذر -رضي الله عنه- أنه سأل النبي -صلى الله عليه وسلم-: كَمْ وَفَّى عِدَّةُ الْأَنْبِيَاءِ؟ قَالَ: (مِائَةُ أَلْفٍ وَأَرْبَعَةٌ وَعِشْرُونَ أَلْفًا، الرُّسُلُ مِنْ ذَلِكَ ثَلَاثُ مِائَةٍ وَخَمْسَةَ عَشَرَ جَمًّا غَفِيرًا) (روه أحمد، وصححه الألباني).

وجعل -تبارك وتعالى- الإيمان بهم أصل من أصول الدِّين حيث قال: (وَلَكِنَّ الْبِرَّ مَنْ آمَنَ بِاللَّـهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَالْمَلَائِكَةِ وَالْكِتَابِ وَالنَّبِيِّينَ) (البقرة:177).

قال الحرالي: "ففيه: أي: الإيمان بهم وبما قبلهم قهر للنفس للإذعان لمَن هو مِن جنسها، والإيمان بغيب مَن ليس مِن جنسها؛ ليكون في ذلك ما يزع النفس عن هواها" (انتهى).

وقال -تعالى-: (آمَنَ الرَّسُولُ بِمَا أُنزِلَ إِلَيْهِ مِن رَّبِّهِ وَالْمُؤْمِنُونَ كُلٌّ آمَنَ بِاللَّـهِ وَمَلَائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ لَا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِّن رُّسُلِهِ) (البقرة:285).

قال البقاعي -رحمه الله-: "ولما أجمل فقال مبتدئًا (كُلٌّ) أي: منهم، فجمعهم في كلية، كأن قلوبهم قلب واحد لم يختلفوا؛ لأن القبول واحد، والرد يقع مختلفًا" (انتهى).

وفضَّلهم -تعالى- على جميع الخلق، وفضَّل بعضهم على بعض حيث قال: (تِلْكَ الرُّسُلُ فَضَّلْنَا بَعْضَهُمْ عَلَىٰ بَعْضٍ مِّنْهُم مَّن كَلَّمَ اللَّـهُ وَرَفَعَ بَعْضَهُمْ دَرَجَاتٍ) (البقرة:253)، (وَلَقَد فَضَّلنا بَعضَ النَّبِيّينَ عَلى بَعضٍ) (الإسراء:55).

وأفضلهم محمد -صلى الله عليه وسلم- القائل: (أَنَا سَيِّدُ وَلَدِ آدَمَ، وَلَا فَخْرَ) (رواه الترمذي، وصححه الألباني)، وجعلهم -تبارك وتعالى- من البشر لحكمة حتى يتمكَّن البشر مِن الأخذ منهم؛ إذ لو كان مِن الملائكة كما قال بعض الكفار: (وَقَالُوا لَوْلَا أُنزِلَ عَلَيْهِ مَلَكٌ وَلَوْ أَنزَلْنَا مَلَكًا لَّقُضِيَ الْأَمْرُ ثُمَّ لَا يُنظَرُونَ) لكانوا لا يستطيعون التعامل معه ولا تحمل رؤيته؛ لصعوبة رؤية الملائكة على صورتهم الحقيقية كما ورد في سيرة النبي صلى الله عليه وسلم لما رأى جبريل -عليه السلام- على صورته الحقيقية، فذهب فزعًا لخديجة -رضي الله عنها-، فلذلك ردَّ الله -تعالى- عليهم بقوله: (وَلَوْ جَعَلْنَاهُ مَلَكًا لَّجَعَلْنَاهُ رَجُلًا وَلَلَبَسْنَا عَلَيْهِم مَّا يَلْبِسُونَ) (الأنعام:8)، فجعله رجلًا منهم ليدعوهم ويتعامل معهم ويفهموا عنه.  

والرسل الذين ذكروا في القرآن عددهم خمسة وعشرون كما جمعها الشاعر في قوله:

فـي تـلـك حـجـتـنا مـنهم ثـمانية         من بعد عشر ويبقى سبعة وهم

إدريس هود شعيب صالح وكـذا         ذو الكفل آدم بالمختار قد خُتموا

وورد ذلك في قوله -تعالى-: (وَتِلْكَ حُجَّتُنَا آتَيْنَاهَا إِبْرَاهِيمَ عَلَى قَوْمِهِ نَرْفَعُ دَرَجَاتٍ مَنْ نَشَاءُ إِنَّ رَبَّكَ حَكِيمٌ عَلِيمٌ . وَوَهَبْنَا لَهُ إِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ كُلًّا هَدَيْنَا وَنُوحًا هَدَيْنَا مِنْ قَبْلُ وَمِنْ ذُرِّيَّتِهِ دَاوُودَ وَسُلَيْمَانَ وَأَيُّوبَ وَيُوسُفَ وَمُوسَى وَهَارُونَ وَكَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ . وَزَكَرِيَّا وَيَحْيَى وَعِيسَى وَإِلْيَاسَ كُلٌّ مِنَ الصَّالِحِينَ . وَإِسْمَاعِيلَ وَالْيَسَعَ وَيُونُسَ وَلُوطًا وَكُلًّا فَضَّلْنَا عَلَى الْعَالَمِينَ) (الأنعام:83-86)، ومنهم أربعة مِن العرب، هم: شعيب، وهود، وصالح، ومحمد -صلوات ربي وسلامه عليهم-.

وإلى اللقاء في الحلقة القادمة -بإذن الله-.