حسن العهد من الإيمان

  • 235

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد؛  

ما أجملَ هذه العبارة وأروعها!

فقد ضرب لنا النبي -صلى الله عليه وسلم- المَثَل العظيم في حسن العهد والوفاء؛ فإنه -صلى الله عليه وسلم- لم ينسَ خديجة بنت خويلد -رضي الله عنها- زوجه، على الرغم مِن سنوات طويلة تفصل بين النبي -صلى الله عليه وسلم- ورحيلها، وعلى الرغم من مشاغله وانشغالاته الدعوية، وجهاده في سبيل الله، وتجهيز البعوث والسرايا، وهموم الدعوة، وزيادة التكاليف والأعباء مع زيادة العمر؛ فتراه إن ذبح أعطى صويحبات خديجة -رضي الله عنها-؛ هذا هو الوفاء، ما نساها وما نسي فضلها، فكان يواصل مع صويحباتها.

فما أجمل الوفاء! (وَلا تَنسَوْا الْفَضْلَ بَيْنَكُمْ) (البقرة:237).

قالت عائشة -رضي الله عنها- حاكية لنا موقفًا من مواقف وفاء النبي -صلى الله عليه وسلم- لخديجة -رضي الله عنها-: جاءت عجوزٌ إلى النبيِّ -صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ- وهو عندي، فقال لها رسولُ اللهِ -صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ-: من أنتِ؟ قالت: أنا جثَّامةُ المُزنيَّةُ، فقال: بل أنتِ حسَّانةُ المُزنيَّةُ كيف أنتُم؟ كيف حالكم؟ كيف كنتُم بعدنا؟ قالت بخيرٍ بأبي أنت وأمِّي يا رسولَ اللهِ، فلما خرجتُ قلتُ: يا رسولَ اللهِ تُقبِلْ على هذه العجوزِ هذا الإقبالَ؟ فقال: (إِنَّهَا كَانَتْ تَأتِينَا زَمَنَ خَدِيجَةَ، وَإِنَّ حُسْنَ الْعَهْدِ مِنَ الْإِيمَانِ) (رواه الحاكم، وصححه الألباني).

فحفظ الود ورعاية حرمة الصاحب والمعاشر حيًّا وميتًا مِن الإيمان؛ فلا تنسى في يومٍ ما مَن أسدى إليك معروفًا، (وَمَا كَانَ رَبُّكَ نَسِيًّا) (مريم:64)، ولا تظهر عند الاستغناء أسوأ وأخبث ما عندك، (وَاللَّهُ الْغَنِيُّ وَأَنْتُمْ الْفُقَرَاءُ) (محمد:38).

ولا تتنكر لمَن كان له فضل عليك؛ فهذا ليس مِن شِيَم الكرام، بل مِن شِيَم اللِّئَام، (وَكَانَ الْإِنْسَانُ كَفُورًا) (الإسراء:67).