ظاهرة ضعف الإيمان (آثار وأسباب وعلاج) (2)

  • 134

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد؛  

فإن استدراج الشيطان للإنسان له علامات وآثار، وهي:

أولًا: التفريط في الطاعات والقربات؛ فيترك أولًا السنن والنوافل، وبعدها يُجَرُّ لترك الفروض والواجبات، وهكذا يسقط المسلم في مستنقع التفريط شيئًا فشيئًا.

ثانيًا: الوقوع في الذنوب والمعاصي، والجرأة على حدود الله، لا يراقِب الله ولا يشعر باطلاعه عليه.

ثالثًا: قسوة في القلب إذا ذكر لا يتذكر، وإذا نصح فلا ينتصح ويضع معايير لنفسه، مثل: عيش أيامك، عيش حياتك، وكأن أهل الطاعة بالنسبة له لا يعيشون حياتهم! لا ورب الكعبة، فإن أهل الطاعة في سعادة ونعيم لا يشعر به إلا هم وقد عبر عنها الحسن البصري -رحمه الله- لو يعلم الملوك وأبناء الملوك ما نحن فيه من السعادة لجالدونا عليها بالسيوف، ولكن مَن ضعف عنده الإيمان قد انطمست بصيرته وانقلبت موازينه فأصبح الحق عنده باطلًا، وأصبح الباطل عنده حقًّا، والمعروف عنده منكرًا، والمنكر عنده معروفًا، فلا حول ولا قوة إلا بالله.

رابعًا: لا يغضب إذا انتهكت محارم الله، فتراه لا يتمعر وجهه لذلك، فإذا رأى الشتم والسب والقذف لا يتحرك قلبه قبل لسانه؛ لأنه أشبه بالميت أو المريض على أقل تقدير، وتجده هو الذي لو جاء أحد على حقه تقوم الدنيا ولا تقعد، لكن حق الله أو حق رسوله فالمعيار عنده (أنا حغير الكون!).

خامسًا: التفريط في رأسماله الذي يتاجر فيه مع ربه، وهو: وقته وعمره وحياته (وَالْعَصْرِ . إِنَّ الْإِنْسَانَ لَفِي خُسْرٍ . إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ) (العصر)، فيضيع أوقاته في أتفه الأشياء والمواقف التي لا تجر له نفعًا عاجلًا أو آجلًا، أمام الشاشات متابعًا الافلام والمباريات ناقلًا لقيل وقال، ساهيًا في المقاهي، وقد روى البخاري عن ابن عباس -رضي الله عنهما- مرفوعًا: (نِعْمَتَانِ مَغْبُونٌ فِيهِمَا كَثِيرٌ مِنَ النَّاسِ: الصِّحَّةُ وَالفَرَاغُ) (رواه البخاري).

سادسًا: من علامات ضعف الإيمان: أنه لا يتحرى الثلة الصادقة الوفية التي تذكره بالله، فمجلسه مع البطالين أصحاب البطالة الحقيقية، الفارغين من المحتوى العام؛ فلا هدف، ولا رسالة ولا غاية، ولا طريق! فإنا لله وإنا اليه راجعون.

عَنْ الْمَرْءِ لَا تَسْأَلْ وَسَلْ عَنْ قَرِينِهِ                 فـَكُــلُّ قَــرِيــنٍ بـِالْـمـُقَــارَنِ يـَقـْتـَدِي

إذَا كُنْت فِي قَوْمٍ فَـصَـاحِـبْ خِيَارَهُمْ                 وَلَا تـَصْحَـبْ الْأَرْدَى فَتَرْدَى مَعَ الرَّدِ

هذه جملة من آثار ضعف الإيمان في القلب؛ انتكاسة وفتور، وزلل وخطأ، ووحشة في القلب، وحياة كلها ضنك ومتاعب؛ لا أقول ضنك في المال، بل بينه وبين نفسه، وبين أهله وزوجته وأولاده، وأقربائه (وَمَنْ يَعْشُ عَنْ ذِكْرِ الرَّحْمَنِ نُقَيِّضْ لَهُ شَيْطَانًا فَهُوَ لَهُ قَرِينٌ) (الزخرف:36).

يبقي السؤال: ما العلاج لهذه الظاهرة؟

والجواب عن ذلك يكمن في عدة أمور:

أولها: أن تتعاهد الإيمان وتفتش عن قلبك بين الحين والآخر، وتنظر إلى حالك مع ربك -عز وجل-، ومع نبيك -صلى الله عليه وسلم-؛ فقد شبَّه النبي -صلى الله عليه وسلم- الإيمان بالثواب، ففي حال ارتفاع الإيمان يبقي الثوب نظيفًا جديدًا، وإن لم تتعاهد الإيمان يخلق هذا الثوب، ومِن ثَمَّ يصبح قديمًا ويحتاج لترقيعه وغسله ومعاهدته، فتعاهد إيمانك أخي في الله حتى لا تأتيك الفاجعة وانت لا تدري.

ثانيًا: حافِظ على الفروض وأتبعها بالنوافل تكن في ازدياد، وتدبر الحديث القدسي: (وَمَا يَزَالُ عَبْدِي يَتَقَرَّبُ إِلَيَّ بِالنَّوَافِلِ حَتَّى أُحِبَّهُ، فَإِذَا أَحْبَبْتُهُ: كُنْتُ سَمْعَهُ الَّذِي يَسْمَعُ بِهِ، وَبَصَرَهُ الَّذِي يُبْصِرُ بِهِ، وَيَدَهُ الَّتِي يَبْطِشُ بِهَا، وَرِجْلَهُ الَّتِي يَمْشِي بِهَا، وَإِنْ سَأَلَنِي لَأُعْطِيَنَّهُ، وَلَئِنِ اسْتَعَاذَنِي لَأُعِيذَنَّهُ) (رواه البخاري)، هكذا يكون الحال عباد الله؛ فاجتهدوا في الفروض والنوافل، وأذكار الصباح والمساء، والاستغفار، والصلاة على النبي المختار -صلى الله عليه وسلم.

ثالثًا: تدبر القرآن الكريم، فقد أنزله الله شفاءً لأمراض القلوب والأبدان: (وَنُنَزِّلُ مِنَ الْقُرْآنِ مَا هُوَ شِفَاءٌ وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ) (الإسراء:82)، والقرآن سبب هداية للحيارى والتائهين عن صراط الله المستقيم (إِنَّ هَذَا الْقُرْآنَ يَهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ) (الإسراء:9)، فمَن قرأ وتدبر وتعلم، وعمل بالقرآن ارتفع معه معدل الإيمان.

رابعًا: لزوم مجالس الذكر وحِلَق العلم؛ فلا شك أنها تهذب النفوس وتحيي القلوب، ففيها إقبال من الله على عبده، فعن أبي واقد الليثي -رضي الله عنه- في قصة الثلاثة الذين أقبلوا علي رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وهو يعظ الناس، فاقترب أحدهم ووجد فرجة في الحلقة فجلس فيها، قال عنه النبي -صلى الله عليه وسلم-: (أَمَّا أَحَدُهُمْ فَأَوَى إِلَى اللهِ، فَآوَاهُ اللهُ) (متفق عليه).  

خامسًا: الإكثار من مدارسة أسماء الله وصفاته وشهود آثارها في الناس والكون مِن حوله مِن معاني أسماء الله الرحمن الرحيم، الملك، اللطيف الودود، والشهيد، وغيرها من الأسماء والصفات، فكلما تعلم المسلم معاني هذه الأسماء استخرجت منه أنواعًا من العبادات التي لم يكن عليها قبل.

سادسًا: الإكثار من ذكر هادم اللذات مفرق الجماعات "الموت"؛ فإنه ما ذكر في قليل إلا كثره، ولا كثير إلا قـللـه.

فهذه جملة من الأسباب التي تعين على رفع معدل الإيمان في زمن كثرت فيه الفتن والأزمات، فالموفَّق مَن وفقه الله وسدده، وثبت خطاه على الحق، والمخذول مَن خذله الله وأبعده.

أسأل الله -عز وجل- أن يحبب إلينا الإيمان ويزينه في قلوبنا، ويكرِّه إلينا الكفر والفسوق والعصيان. آمين.