تذكر في شعبان... وداعًا رمضان

  • 229

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد؛

فيكثر في شهر شعبان الحديث عن تعميره بالطاعات، واستثمار ذلك في الاستعداد لشهر رمضان، ثم يدخل علينا شهر رمضان ونفاجأ بنهايته، ونحدِّث أنفسنا في نهايته بأمورٍ، ونتمنى عند نهايته لو أننا لم يقع منا التفريط أثناءه، لكننا سرعان ما ننسى هذا الحديث النفسي وهذه الأمنيات بعد مدة، فتعالوا نتذكر ما يحدث لنا في أواخر رمضان أو عند وداعه؛ لنجعل هذا دافعًا لنا إلى دخول شهر رمضان بنفسية قوية، وهمة عالية، ويكون استقبالنا لهذا الشهر مختلفًا عن أعوام ماضية.

1- هل نسينا أننا عند بداية العشر الأواخر من رمضان نُصَاب بحالةٍ مِن اللوم لأنفسنا؛ لشعورنا بالتقصير في العشرين الأُوَل، وأننا نريد أن نجتهد في العشر الأواخر حتى لا تذهب منا هي الأخرى مشحونة بالتقصير؟ فلمَ لا نتذكر هذا الآن، ولم يبدأ شهر رمضان بعد؟!

2- هل غاب عنا ما يخطر ببالنا في الأيام الأخيرة مِن رمضان أن الأوقات مَرَّت منا سريعة مع ضعف همتنا، ونتذكر قوله -تعالى-: (‌أَيَّامًا ‌مَعْدُودَاتٍ) (البقرة:184)، وأنها بالفعل مَرَّت سريعة، فنحن نستقبل الشهر لكي نودعه؟

فهيا نتذكر هذا لنتفادى ضياع الأوقات، ونبادِر إلى تعميرها بالطاعات، ونجعل هذا الشعور سبيلًا لتنشيط العزم على العمل؛ لا سيما في رمضان.

3- كيف ينسى كلُّ واحدٍ منا حالة تأنيبه لنفسه أنه لم يختم ما كان يريده من ختمات لكتاب الله؟ كيف ننسى حديثنا لأنفسنا أن نستدرك الأمر في بقية عمرنا؛ خاصة رمضان إن قُدِّر لنا البقاء؟

فلنقُل لأنفسنا: هيا نحقق ما كنا نريده من الانشغال بتلاوة القرآن فيما بقي مِن حياتنا "لا سيما رمضان المقبل"، وندرِّب أنفسنا على ذلك، ونحن نوقن أنه: (شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ) (البقرة:185)، ونعلم حديث: (مَنْ قَرَأَ حَرْفًا مِنْ كِتَابِ اللَّهِ فَلَهُ بِهِ حَسَنَةٌ، وَالحَسَنَةُ بِعَشْرِ أَمْثَالِهَا، لَا أَقُولُ الم حَرْفٌ، وَلَكِنْ أَلِفٌ حَرْفٌ وَلَامٌ حَرْفٌ وَمِيمٌ حَرْفٌ) (رواه الترمذي، وصححه الألباني).

وهل نسينا أننا يضعف تدبرنا للقرآن وأننا نجهل تفسير مواضع كثيرة من القرآن، وأنا هذا يظهر كثيرًا في شهر رمضان!

فهيا نجتهد في تدارك الأمر مِن الآن، وقد قال الشاعر:

إذا أعـجـبـَـتْـك خـصـالُ امرئٍ            فـكُـنْــهُ تكُنْ مثلَ ما يُـعْــجِـبـك

فليس على الجود والمكرُمات            إذا جـئـتـهـا حـاجـبٌ يحـجـبـك

4- هل نستحضر تأثر النفوس عند غروب شمس آخر يوم من رمضان وتألمنا على فواته، بل ربما سكب بعضنا دموعًا من عينيه على فراق الشهر؟! إنها حالة قال فيها الشاعر:  

دَعِ الـبـكـاءَ عـلـى الأطـْلَالِ والـدَّارِ                  واذْكُرْ لمـَنْ بَانَ مِنْ خِلٍّ وَمِنْ جَـارِ

وَأَذرِ الدُّمُوعَ نَحِيبًا وابْكِ مِن أَسَفٍ                 عــلــى فِــرَاقِ لَــيْـالٍ ذَاتِ أَنْـــــوَارِ

عَـلَـى لَيَالٍ لِشَهْرِ الصَّوْمِ مَا جُعِلَتْ                  إِلَّا لِـتَــمـْــحِــيْـــصِ آثــَـــامٍ وَأَوْزَارِ

فهلا استحضرنا حسرة الفوات، وانتهاء فرصة الشهر، وجعلنا ذلك دافعًا لنا في رمضان المقبل، وألا نكون ممَّن قد عظمت فيه مصيبته وجلَّ عزاؤه، فكم نُصِح المسكين فما قُبِل النصح!

وكم دعي إلى المصالحة فما أجاب إلى الصلح!

وكم شاهد الواصلين فيه وهو متباعد!

وكم مَرَّت به زمر السائرين وهو قاعد، حتى إذا ضاق به الوقت وخاف المقت ندم على التفريط حين لا ينفع الندم وطلب الاستدراك في وقت العدم (لطائف المعارف).

5- كيف لنا أن نغفل عن خوفنا من عدم القبول؟ كيف ننسى قلقنا أن نكون ممَّن قال فيهم النبي -صلى الله عليه وسلم-: (رُبَّ صَائِمٍ لَيْسَ لَهُ مِنْ صِيَامِهِ إِلَّا الْجُوعُ، وَرُبَّ قَائِمٍ لَيْسَ لَهُ مِنْ قِيَامِهِ إِلَّا السَّهَرُ) (رواه ابن ماجه، وصححه الألباني)؟!

فلنحافظ على الإقبال على الطاعات في رمضان وغيره، مع الحرص على أسباب قبول الأعمال مع اجتناب موانع القبول.

هلموا نستحضر هذه الأمور وغيرها من حديث النفس وأمنياتها، ولينزِّل أحدنا نفسه أنه قد حضره نهاية شهر رمضان، فتمنى لو رجع الزمان فاجتهد، فعمل بطاعة ربه -تعالى-، وليقل كل واحد منا لنفسه: يا نفس ما كنت تريدين فعله في رمضان الماضي وتتألمين على عدم فعله فاجتهدي أن تفعليه، فها أنتِ في زمان الأمنية فافعلي.

فاللهم بلغنا رمضان واجعلنا فيه من المجتهدين المقبولين، اللهم أعنا على ذكرك وشكرك وحسن عبادتك.

سبحانك اللهم وبحمدك، أشهد أن لا إله إلا أنت، أستغفرك وأتوب إليك.