حديث الأنبياء (3) خصائص الأنبياء

  • 118

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد؛  

فنواصل الحديث عن الأنبياء -صلوات ربي وسلامه عليهم-، وحديثنا اليوم عن خصائصهم التي خَصَّهم بها المولى -تعالى-، وهي كثيرة.

نذكر منها على سبيل المثال:  

أولًا: الذكورة: وهي مسألة مهمة؛ أن الأنبياء جميعًا من الذكور؛ وذلك لقوله -تعالى-: (وَمَا أَرْسَلْنَا قَبْلَكَ إِلَّا رِجَالًا نُوحِي إِلَيْهِمْ) (الأنبياء:7)، قال السعدي -رحمه الله-: "وفي هذه الآية دليل على أن النساء ليس منهن نبية؛ لا مريم ولا غيرها؛ لقوله: (إِلَّا رِجَالًا)" (انتهى).

ولهذا حِكَم مِن الله -تعالى-، منها:

- أن النبي -صلى الله عليه وسلم- يحتاج لملاقاة الناس والحديث معهم في كل وقت، وكذلك السفر ليدعو الناس ويتعرض لمتاعب ومصاعب يصعب على المرأة تحملها.

- ومنها: أن الأصل في القوامة أنها للرجل على المرأة؛ فلو كانت المرأة نبية ستكون هي القَوَّامة للرجل، والنبي لا يمكن لأحدٍ أن تكون له قوامة عليه.

- ومنها: أن النساء ناقصات عقل ودين، كما أخبر -صلى الله عليه وسلم- كما في الحديث عند البخاري.

ثانيًا: أنهم يُوحَى إليهم بنص قوله -تعالى-: (وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ إِلَّا رِجَالًا نُوحِي إِلَيْهِمْ مِنْ أَهْلِ الْقُرَى) (يوسف:109)، وقوله -تعالى-: (وَما أَرسَلنا قَبلَكَ إِلّا رِجالًا نوحي إِلَيهِم) (الأنبياء:7).

قال الطبري -رحمه الله-: "ما نريد أن نوحيه إليهم من أمرنا ونهينا" (انتهى).

ثالثًا: الحرية: فلم يبعث الله -تعالى- من الأنبياء عبدًا ولا مملوكًا.

رابعًا: الكمال: فهم أكمل الناس خَلْقًا وخُلُقًا.

خامسًا: الاصطفاء: كما قال -تعالى-: (وَإِنَّهُمْ عِندَنَا لَمِنَ الْمُصْطَفَيْنَ الْأَخْيَارِ) (ص:47).

قال القرطبي -رحمه الله-: "أي: الذين اصطفاهم مِن الأدناس، واختارهم لرسالته" (انتهى).

وقال الطبري -رحمه الله-: "الذين اخترناهم لطاعتنا ورسالتنا إلى خَلْقِنا" (انتهى).

سادسًا: تنام أعينهم ولا تنام قلوبهم: كما ذكر النبي -صلى الله عليه وسلم-، فعن أنس -رضي الله عنه- في حديث الإسراء: "وَالنَّبِيُّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- نَائِمَةٌ عَيْنَاهُ وَلاَ يَنَامُ قَلْبُهُ، وَكَذَلِكَ الأَنْبِيَاءُ تَنَامُ أَعْيُنُهُمْ وَلاَ تَنَامُ قُلُوبُهُمْ" (رواه البخاري)، وقد ورد هذا مِن قول الرسول -صلى الله عليه وسلم-، فقد صحّ عنه أنه قال: (إِنَّا مَعْشَرَ الْأَنْبِيَاءِ تَنَامُ أَعْيُنُنَا، وَلَا تَنَامُ قُلُوبُنَا) (أخرجه ابن سعد في الطبقات الكبرى، وصححه الألباني)، وقال -صلى الله عليه وسلم- عن نفسه: (إِنَّ عَيْنَيَّ تَنَامَانِ، وَلَا يَنَامُ قَلْبِي) (متفق عليه).

سابعًا: العصمة: فالأنبياء معصومون في ثلاثة أمور باتفاق، وهي:

1- معصومون من الشرك والكفر والكبائر.

2- معصومون في التبليغ فلا يخطئون فيه.

3- معصومون من خوارم المروءة.

واختلف أهل العلم في الصغائر: هل تقع منهم أم لا؟ مع اتفاقهم على أن الصغائر إذا وقعت من الأنبياء؛ فإنهم لا يقرون عليها، بل يأتي التحذير من الله مباشرة، وهذا كثير في القرآن (وسيأتي الحيث عنه مُفَصَّلًا بحول الله).

ثامنًا: يُخيَّرون عند الموت: فقد روى البخاري بسنده عن عائشة -رضي الله عنها- قالت: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَقُولُ: (مَا مِنْ نَبِيٍّ يَمْرَضُ إِلَّا خُيِّرَ بَيْنَ الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ)، وَكَانَ فِي شَكْوَاهُ الَّذِي قُبِضَ فِيهِ، أَخَذَتْهُ بُحَّةٌ شَدِيدَةٌ، فَسَمِعْتُهُ يَقُولُ: (مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاءِ وَالصَّالِحِينَ) (النساء:69)، فَعَلِمْتُ أَنَّهُ خُيِّرَ.

تاسعًا: يُقبَرون حيث يموتون: ولذلك لما مات النبي -صلى الله عليه وسلم- دُفِن حيث مات، وهكذا الأنبياء؛ للحديث الشريف: (لَمْ يُقْبَرْ نَبِيٌّ إِلاَّ حَيْثُ يَمُوتُ) (رواه أحمد، وصححه الألباني).

عاشرًا: لا يورِّثُون مالًا: كما قال أبو بكر الصديق -رضي الله عنه- عن النبي -صلى الله عليه وسلم-: (لَا نُورَثُ مَا تَرَكْنَا صَدَقَةٌ) (متفق عليه)، وإنما يورثون العلم، كما قال -صلى الله عليه وسلم-: (وَإِنَّ الْأَنْبِيَاءَ لَمْ يُوَرِّثُوا دِينَارًا، وَلَا دِرْهَمًا وَرَّثُوا الْعِلْمَ، فَمَنْ أَخَذَهُ أَخَذَ بِحَظٍّ وَافِرٍ) (رواه أبو داود والترمذي، وصححه الألباني).

الحادي عشر: لا تأكل الأرض أجسادهم: جاء عن النبي -صلى الله عليه وسلم- فيما رواه أهل السنن أنه قال -عليه الصلاة والسلام-: (إِنَّ مِنْ أَفْضَلِ أَيَّامِكُمْ يَوْمَ الْجُمُعَةِ، فَأَكْثِرُوا عَلَيَّ مِنَ الصَّلَاةِ فِيهِ، فَإِنَّ صَلَاتَكُمْ مَعْرُوضَةٌ عَلَيَّ)، قَالَ: فَقَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ: وَكَيْفَ تُعْرَضُ صَلَاتُنَا عَلَيْكَ، وَقَدْ أَرَمْتَ؟ -أي: بَلِيتَ- قَالَ: (إِنَّ اللَّهَ -تَبَارَكَ وَتَعَالَى- حَرَّمَ عَلَى الْأَرْضِ أَجْسَادَ الْأَنْبِيَاءِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِمْ) (رواه أبو داود والترمذي، وصححه الألباني).

الثاني عشر: أن دعوتهم مُستجابة: ولكن ليس هذا على إطلاقه، قال الحافظ ابن حجر -رحمه الله-: "وأما الدعوات الخاصة -يعني بالأنبياء-؛ فمنها ما يُستجاب، ومنها ما لا يستجاب" (فتح الباري).

وغير ذلك من الخصائص العظيمة وهذا غيض مِن فيض.

وللحديث بقية -إن شاء الله-.