رمضان يرص صفوفنا

  • 131

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد؛

فإن أحدَّ أهم الدروس التي يمكن أن نتعلمها من شهر رمضان، هو: "درس الوحدة بين أبناء هذه الأمة"، فرمضان شهر في العام، فَرَض اللهُ صيامه على المسلم البالغ العاقل المقيم.

فالأمة الاسلامية -والتي هي كل مسلم في أي مكان في العالم- تصوم في زمانٍ واحدٍ يصلون التراويح في وقتٍ واحدٍ في بلدانهم، ثم يفطرون يوم الفطر معًا، وكأن الرسالة الأبرز في هذا هي أنكم أيها المسلمون كما تعبدون الله الواحد الأحد، وتؤدون الفرائض على هذا النحو؛ فأنتم كذلك أمة واحدة، وقد قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: (الْمُسْلِمُونَ تَتَكَافَأُ دِمَاؤُهُمْ يَسْعَى بِذِمَّتِهِمْ أَدْنَاهُمْ، وَيُجِيرُ عَلَيْهِمْ أَقْصَاهُمْ، وَهُمْ يَدٌ عَلَى مَنْ سِوَاهُمْ) (رواه أبو داود، وصححه الألباني).

والمسلم للمسلم كالبنيان، وأمة الاسلام في هذه الأعصر أحوج ما تكون إلى تعلُّم الدَّرْس ورصِّ الصفوف في مواجهة المخاطر المحدقة المهلكة التي تحوطها مِن كلِّ مكان؛ فقد رماها العَالَم عن قوسٍ واحدةٍ لا يستهدف الأرض والمال، وإنما الأخطر والأصعب أنه يستهدف الدِّين والقِيَم والأخلاق، يستهدف الفكر والعقل والثقافة ليصبح أبناء المسلمين مسخًا كمسخ حضارة الغرب المشبوهة والممجوجة، بل ليصبح المسلم لا يحمل من الإسلام إلا اسمه فقط دون أن يكون للدين والشرع رصيد في واقع الناس والحياة.

إنها معركة أخطر وأشرس من معارك النار والسلاح؛ ولذلك فالمسلمون حول العالم مطالبون اليوم بالتفكير في مستقبلهم في ظلِّ هذا الصراع الحضاري الأكبر في تاريخها.

مطالبون بأن يوحِّدوا صفوفهم، ويدركوا ضرورة العودة إلى منابع الإسلام الصافية في عقيدته وعبادته وفي شريعته وأحكامه وأقضيته، وكذلك في قيمه وأخلاقه وسلوكياته.

مطالَبون بذلك لكي يكون لهم وجود أولًا ثم لكي يكون له تأثير في هذا الكون وإلا كيف نؤثِّر في العالم مِن حولنا، ونجعلهم يتبنون قيمنا وأخلاقنا ونحن قد تخلينا عنها، ولم يبقَ لنا منها إلا ما نقرأه في كتب التاريخ والتراث؟!

شهر رمضان فرصة سانحة ورسالة واضحة للمسلمين بأنهم أمة قوية بما تملك مِن قوة إيمان، ووحدة مصير وأن عليهم أن يراجعوا مواقفهم ويرصوا صفوفهم، فلن يعود لهم مجدهم إلا بعودتهم لمعين الإسلام الصافي لينهلوا منه ما تستقيم به حياتهم حتى تعود إليهم أمجادهم.