لذة العبادة

  • 217

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد؛  

فللإيمان طعم، وللعبادة لذة، وللطاعة حلاوة، كما قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: (ذَاقَ طَعْمَ الْإِيمَانِ مَنْ رَضِيَ بِاللهِ رَبًّا، وَبِالْإِسْلامِ دِينًا، وَبِمُحَمَّدٍ رَسُولًا) (رواه مسلم)، وقال -صلى الله عليه وسلم-: (ثَلَاثٌ مَنْ كُنَّ فِيهِ وَجَدَ طَعْمَ الْإِيمَانِ: مَنْ كَانَ يُحِبُّ الْمَرْءَ لَا يُحِبُّهُ إِلَّا لِلَّهِ، وَمَنْ كَانَ اللهُ وَرَسُولُهُ أَحَبَّ إِلَيْهِ مِمَّا سِوَاهُمَا، وَمَنْ كَانَ أَنْ يُلْقَى فِي النَّارِ أَحَبَّ إِلَيْهِ مِنْ أَنْ يَرْجِعَ فِي الْكُفْرِ بَعْدَ أَنْ أَنْقَذَهُ اللهُ مِنْهُ) (رواه مسلم)، وهي ما يجده المسلم من راحة النفس وسعادة القلب، وانشراح الصدر، واستشعار سعادة معنوية ولذة لا يستطيع الإنسان وصفها، وكأنه يعيش هذا الدقائق في جنة؛ يحلِّق قلبه في رياضها بعيدًا عن هذه الدنيا، عند القيام بعبادة من العبادات، وهذه اللذة تتفاوت من شخصٍ لآخر حسب قوة الإيمان وضعفه، قال الله -تعالى-: (مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ) (النحل:97).

ولما نهى النبي -صلى الله عليه وسلم- عن الوصال، قالوا: قَالُوا: إِنَّكَ تُوَاصِلُ، قَالَ: (إِنِّي لَسْتُ مِثْلَكُمْ إِنِّي أُطْعَمُ وَأُسْقَى) (متفق عليه)، وليس هذا طعامًا وشرابًا حسيًّا كما قال ابن القيم -رحمه الله-، وإنما وجد النبي -صلى الله عليه وسلم- مِن حلاوة العبادة ولذة المناجاة، والقرب والأنس بالله -تعالى- ما أغناه عن الطعام والشراب.

وقال بعض الدعاة: إن من أسباب الانتكاس وترك الطاعة -والعياذ بالله-: عدم ذوق هذه الحلاوة، وهذه اللذة، التي لا يمكن للعبد تركها والاستغناء عنها بعد ما ذاقها؛ فمَن ذاق عرف، ومَن عرف اغترف.

والنبي -صلى الله عليه وسلم- كان يقول لبلال -رضي الله عنه-: (يَا بِلَالُ أَقِمِ الصَّلَاةَ أَرِحْنَا بِهَا) (رواه أبو دواد، وصححه الألباني)؛ لما يجده فيها مِن اللذة والسعادة القلبية، وإطالته -صلى الله عليه وسلم- لصلاة الليل دليل على ما يجده في الصلاة من الإنس والسرور بمناجاة ربه، وتصديق ذلك في كتاب الله، قال -تعالى-: (وَاسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلَاةِ وَإِنَّهَا لَكَبِيرَةٌ إِلَّا عَلَى الْخَاشِعِينَ) (البقرة:45).

وبكى معاذ بن جبل -رضي الله عنه- عند موته فقيل له في ذلك فقال: "إنما أبكي على ظمأ الهواجر، وقيام ليل الشتاء، ومزاحمة العلماء بالركب عند حلق الذكر!".

وقال ابن تيمية -رحمه الله-: "إن في الدنيا جنة مَن لم يدخلها لم يدخل جنة الآخرة"، وهي جنة الطاعة والعبادة والأنس بالله -تعالى-".

وقال أحد السلف: "مساكين أهل الدنيا، خرجوا منها وما ذاقوا أطيب ما فيها، قيل: وما أطيب ما فيها؟ قال: محبة الله تعالى ومعرفته وذكره"، أو نحو هذا.

وقال غيره: "إنه لتمر بي أوقات، أقول: لو أن أهل الجنة فيما أنا فيه، إنهم لفي عيش طيب!".

وقال آخر: "لو يعلم الملوك وأبناء الملوك -وهم في ظن الناس السعداء المنعمون- ما نحن فيه مِن السعادة -أي: بطاعة الله- لجالدونا عليها بالسيوف!".

فأي سرور ولذة كان فيها هؤلاء، وما حال قلوبهم ونفوسهم، حتى يقولوا: ما أطيب عيش أهل الجنة لو كانوا على ما نحن فيه من السعادة واللذة والراحة بطاعة الله؟!

وحلاوة الطاعة ملاكها: جمع القلب والهم، والسر على الله، فلا ينشغل بغيره -سبحانه-، ويفسِّره ابن القيم -رحمه الله- بقوله: "عكوف القلب بكليته على الله -عز وجل-، لا يلتفت عنه يمنة ولا يسرة، فإذا ذاقت الهمة طعم هذا الجمع: اتصل اشتياق صاحبها، وتأججت نيران المحبة والطلب في قلبه" (مدارج السالكين).

وصلِّ اللهم وسلِّم وبارك على عبدك ونبيك محمدٍ، وعلى آله وصحبه وسلم.