(وَإِنَّهُ لَكِتَابٌ عَزِيزٌ)

  • 146

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد؛  

فتطيب وتحلو الحياة بالعيش مع كتاب الله -تعالى-، ونحن في شهر رمضان الذي أنزل فيه القرآن، وفي هذا تشريف لهذا الشهر الكريم الذي اختصه الله -تعالى- بإنزال كتابه المجيد فيه، فاجعل هذا الشهر أيها الكريم لن نقول بداية، ولكن تعديل وتقويم لحالك مع القرآن، فاستحضر عزته كما قال -تعالى-: (إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِالذِّكْرِ لَمَّا جَاءَهُمْ وَإِنَّهُ لَكِتَابٌ عَزِيزٌ(فصلت:41).

وكما قيل: فحال كونه عزيزًا فلا تعطيه إلا أعز أوقاتك، لا فضول وقتك كما يفعل بعضنا، نسأل الله أن يتوب علينا؛ فهذا قد يقرأ ورده وربما لا، إن تيسر له وقت فعل وإلا فلا! فهذا خلل واجب تقويمه.

فالكتاب العزيز هو كما قال ابن عاشور -رحمه الله- في التحرير والتنوير: "والعَزِيزُ: النَّفِيسُ، وأصْلُهُ مِنَ العِزَّةِ، وهي: المَنَعَةُ؛ لِأنَّ الشَّيْءَ النَّفِيسَ يُدافَعُ عَنْهُ ويُحْمى عَنِ النَّبْذِ، فَإنَّهُ بَيْنَ الإتْقانِ وعُلُوِّ المَعانِي، ووُضُوحِ الحُجَّةِ، ومِثْلُ ذَلِكَ يَكُونُ عَزِيزًا، والعَزِيزُ أيْضًا: الَّذِي يَغْلِبُ ولا يُغْلَبُ، وكَذَلِكَ حُجَجُ القُرْآنِ".

فتحتاج أن تعطيه مِن نفيس وقتك ليعطيك مِن نفيس معانيه لتحيي بها قلبك، وتلم شتات نفسك، وكذا لتعز وتسدد، وتقوي حجتك أمام سيل الشبهات والشهوات؛ فترتفع وتسمو بعزته على ما سواه من الشبهات الواهية المتآكلة والشهوات الدنية الفانية؛ فذلك أثر من آثار كونه عزيزًا، وكذا حال كونه عزيزًا طمأنك أيها الكريم فقال: (لَا يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَلَا مِنْ خَلْفِهِ تَنْزِيلٌ مِنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ(فصلت:42)، فيستحيل عليه لعزته وعلوه وقهره أن يكون للباطل إليه سبيل بحال من الأحوال، بتحريف أو تبديل أو زيادة أو نقصان بل هو محفوظ بحفظ الله له الذي قال: (إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ(الحجر:9)، وقال هنا: (تَنْزِيلٌ مِنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ).  

فمِن كمال حكمته -سبحانه وبحمده-: أن تكفل بحفظ هذا الكتاب الكريم ليكون سبيلًا واضحًا لكلِّ مَن أراد أن ينهل منه، وأن يسير عليه ليصل به إلى عز وشرف، وسعادة الدنيا والآخرة؛ لذلك قال (حَمِيدٍ)؛ فهو -سبحانه- المحمود على كل حال وعلى عظيم آلائه ومننه وأعظمها تنزيل هذا الكتاب الشريف، وليس هذا وحسب، بل وحفظه لنا، فكلما بعدت الأمة عنه أصابها الذل والضعف ثم إذا أرادت أن تعاود مجدها وعزها رجعت إليه فوجدته محفوظًا كما هو بفضل الله، ولذلك والله أعلم خُتمت سورة البروج بقوله -تعالى-: (بَلْ هُوَ قُرْآنٌ مَجِيدٌ . فِي لَوْحٍ مَحْفُوظٍ(البروج:21-22)، في إشارة إلى وصف القرآن بالمجيد، أي: الكريم الذي بلغ  غاية الشرف والعزة والكمال، والسمو، وأشار إلى حفظه، وذلك من كمال عزته وعلو منزلته، وكذا -كما ذكرنا- والله أعلم إشارة إلى أن مصدر عزكم ومجدكم أيها الأمة قد حفظه لكم العزيز الحكيم، فعودوا إليه ليعود لكم مجدكم وعزكم. والله أعلم.

وصلى الله وسلم على نبينا محمدٍ، وعلى آله وصحبه أجمعين.