• الرئيسية
  • المقالات
  • معجزات النبي -صلى الله عليه وسلم- (8) (موعظة الأسبوع) معجزاته -صلى الله عليه وسلم- المتعلقة بتكثير الطعام وزيادة بركته

معجزات النبي -صلى الله عليه وسلم- (8) (موعظة الأسبوع) معجزاته -صلى الله عليه وسلم- المتعلقة بتكثير الطعام وزيادة بركته

  • 262

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد؛

مقدمة:

- تذكير بما سبق مِن أن الله أجرى على يد أنبيائه ورسله من المعجزات والآيات الدالة على صدقهم، بما لا يدع عذرًا لأحدٍ في عدم تصديقهم وطاعتهم: قال -تعالى-: (لَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا بِالْبَيِّنَاتِ) (الحديد: 25)، وقال -صلى الله عليه وسلم-: (مَا مِنَ الْأَنْبِيَاءِ مِنْ نَبِيٍّ إِلَّا قَدِ اُعْطِيَ مِنَ الْآيَاتِ مَا مِثْلُهُ آمَنَ عَلَيْهِ الْبَشَرُ) (متفق عليه).

- الإشارة إلى بداية تناول المعجزات باعتبار موضوعي(1)، ولعله مما يناسب بداية الفترة المدنية والهجرة وتعرض المهاجرين للفقر والجوع والشدة، أن نبدأ بمعجزاته -صلى الله عليه وسلم- المتعلقة بتكثير الطعام وزيادة بركته(2).

- مدخل: لقد أخبرنا النبي -صلى الله عليه وسلم- أن طعام الواحد يكفي الاثنين، وقد يكفي الأربعة في بعض الأحيان، لكن أن يسدَّ حاجة الجمع الغفير من الناس، فذلك لا يكون إلا وجهًا من وجوه المعجزات الربانية، التي أكرم الله بها نبيّه -صلى الله عليه وسلم-، وقد تكرّرت هذه المعجزة له -صلى الله عليه وسلم- في أماكن مختلفة، ومناسبات متعددة.

(1) معجزة أرغفة أم سليم:

- لما هاجر النبي -صلى الله عليه وسلم- وأصحابه إلى المدينة، حصلت شدة وحاجة نتيجة تحمل الأنصار أعباء استضافة إخوانهم المهاجرين، فكانت الآيات والبركات النبوية تخفف عنهم وتثبتهم جميعًا، فعن أنس بن مالك -رضي الله عنه- قال: قالَ أبو طَلْحَةَ لِأُمِّ سُلَيْمٍ، لقَدْ: سَمِعْتُ صَوْتَ رَسولِ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- ضَعِيفًا، أعْرِفُ فيه الجُوعَ، فَهلْ عِنْدَكِ مِن شيءٍ؟ فَقالَتْ: نَعَمْ، فأخْرَجَتْ أقْرَاصًا مِن شَعِيرٍ، ثُمَّ أخَذَتْ خِمَارًا لَهَا، فَلَفَّتِ الخُبْزَ ببَعْضِهِ، ثُمَّ أرْسَلَتْنِي إلى رَسولِ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم-، فَذَهَبْتُ فَوَجَدْتُ رَسولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- في المَسْجِدِ ومعهُ النَّاسُ، فَقُمْتُ عليهم، فَقالَ رَسولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم-: (أرْسَلَكَ أبو طَلْحَةَ؟)، فَقُلتُ: نَعَمْ، فَقالَ رَسولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- لِمَن معهُ: (قُومُوا)، فَانْطَلَقُوا وانْطَلَقْتُ بيْنَ أيْدِيهِمْ، حتَّى جِئْتُ أبَا طَلْحَةَ فأخْبَرْتُهُ، فَقالَ أبو طَلْحَةَ: يا أُمَّ سُلَيْمٍ، قدْ جَاءَ رَسولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- والنَّاسُ، وليسَ عِنْدَنَا مِنَ الطَّعَامِ ما نُطْعِمُهُمْ، فَقالَتْ: اللَّهُ ورَسولُهُ أعْلَمُ، فَانْطَلَقَ أبو طَلْحَةَ حتَّى لَقِيَ رَسولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم-، فأقْبَلَ رَسولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- وأَبُو طَلْحَةَ حتَّى دَخَلَا، فَقالَ رَسولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم-: (هَلُمِّي يا أُمَّ سُلَيْمٍ ما عِنْدَكِ؟) فأتَتْ بذلكَ الخُبْزِ، قالَ: فأمَرَ رَسولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- بذلكَ الخُبْزِ فَفُتَّ، وعَصَرَتْ أُمُّ سُلَيْمٍ عُكَّةً لَهَا فأدَمَتْهُ، ثُمَّ قالَ فيه رَسولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- ما شَاءَ اللَّهُ أنْ يَقُولَ، ثُمَّ قالَ: (ائْذَنْ لِعَشَرَةٍ) فأذِنَ لهمْ، فأكَلُوا حتَّى شَبِعُوا، ثُمَّ خَرَجُوا، ثُمَّ قالَ: (ائْذَنْ لِعَشَرَةٍ) فأذِنَ لهمْ، فأكَلُوا حتَّى شَبِعُوا، ثُمَّ خَرَجُوا، ثُمَّ قالَ: (ائْذَنْ لِعَشَرَةٍ)، فأكَلَ القَوْمُ كُلُّهُمْ وشَبِعُوا، والقَوْمُ سَبْعُونَ أوْ ثَمَانُونَ رَجُلًا! (متفق عليه).

(2) معجزة قدح لبن أبي هريرة -رضي الله عنه-:

- كان أبو هريرة -رضي الله عنه- وغيره مِن مهاجري اليمن قد نزلوا بمؤخرة المسجد؛ لعدم توفر البيوت، بل ولا الطعام، فكانت آيات النبوة تخفف عنهم وتثبتهم بين الحين والحين، فكانَ أبو هريرة -رضي الله عنه- يقولُ: أللَّهِ الذي لا إلَهَ إلَّا هُوَ، إنْ كُنْتُ لَأَعْتَمِدُ بكَبِدِي علَى الأرْضِ مِنَ الجُوعِ، وإنْ كُنْتُ لَأَشُدُّ الحَجَرَ علَى بَطْنِي مِنَ الجُوعِ، ولقَدْ قَعَدْتُ يَوْمًا علَى طَرِيقِهِمُ الذي يَخْرُجُونَ منه، فَمَرَّ أبو بَكْرٍ، فَسَأَلْتُهُ عن آيَةٍ مِن كِتَابِ اللَّهِ، ما سَأَلْتُهُ إلَّا لِيُشْبِعَنِي -وفي رواية: ليستتبعني-، فَمَرَّ ولَمْ يَفْعَلْ، ثُمَّ مَرَّ بي عُمَرُ فَسَأَلْتُهُ عن آيَةٍ مِن كِتَابِ اللَّهِ ما سَأَلْتُهُ إلَّا لِيُشْبِعَنِي، فَمَرَّ فَلَمْ يَفْعَلْ، ثُمَّ مَرَّ بي أبو القَاسِمِ -صلى الله عليه وسلم- فَتَبَسَّمَ حِينَ رَآنِي، وعَرَفَ ما في نَفْسِي وما في وجْهِي، ثُمَّ قالَ: (يَا أبَا هِرٍّ)، قُلتُ: لَبَّيْكَ يا رَسولَ اللَّهِ، قالَ: (الحَقْ).

ومَضَى فَتَبِعْتُهُ، فَدَخَلَ، فَاسْتَأْذَنَ، فأذِنَ لِي، فَدَخَلَ، فَوَجَدَ لَبَنًا في قَدَحٍ، فَقالَ: (مِن أيْنَ هذا اللَّبَنُ؟) قالوا: أهْدَاهُ لكَ فُلَانٌ أوْ فُلَانَةُ، قالَ: (أبَا هِرٍّ) قُلتُ: لَبَّيْكَ يا رَسولَ اللَّهِ، قالَ: (الحَقْ إلى أهْلِ الصُّفَّةِ فَادْعُهُمْ لي)، قالَ: وأَهْلُ الصُّفَّةِ أضْيَافُ الإسْلَامِ، لا يَأْوُونَ إلى أهْلٍ ولَا مَالٍ ولَا علَى أحَدٍ، إذَا أتَتْهُ صَدَقَةٌ بَعَثَ بهَا إليهِم ولَمْ يَتَنَاوَلْ منها شيئًا، وإذَا أتَتْهُ هَدِيَّةٌ أرْسَلَ إليهِم وأَصَابَ منها وأَشْرَكَهُمْ فِيهَا، فَسَاءَنِي ذلكَ، فَقُلتُ: وما هذا اللَّبَنُ في أهْلِ الصُّفَّةِ؟ كُنْتُ أحَقُّ أنَا أنْ أُصِيبَ مِن هذا اللَّبَنِ شَرْبَةً أتَقَوَّى بهَا، فَإِذَا جَاءَوا أمَرَنِي، فَكُنْتُ أنَا أُعْطِيهِمْ، وما عَسَى أنْ يَبْلُغَنِي مِن هذا اللَّبَنِ؟، ولَمْ يَكُنْ مِن طَاعَةِ اللَّهِ وطَاعَةِ رَسولِهِ -صلى الله عليه وسلم- بُدٌّ، فأتَيْتُهُمْ فَدَعَوْتُهُمْ فأقْبَلُوا، فَاسْتَأْذَنُوا فأذِنَ لهمْ، وأَخَذُوا مَجَالِسَهُمْ مِنَ البَيْتِ، قالَ: (يا أبَا هِرّ)، قُلتُ: لَبَّيْكَ يا رَسولَ اللَّهِ، قالَ: (خُذْ فأعْطِهِمْ)، قالَ: فأخَذْتُ القَدَحَ، فَجَعَلْتُ أُعْطِيهِ الرَّجُلَ فَيَشْرَبُ حتَّى يَرْوَى، ثُمَّ يَرُدُّ عَلَيَّ القَدَحَ، فَأُعْطِيهِ الرَّجُلَ فَيَشْرَبُ حتَّى يَرْوَى، ثُمَّ يَرُدُّ عَلَيَّ القَدَحَ فَيَشْرَبُ حتَّى يَرْوَى، ثُمَّ يَرُدُّ عَلَيَّ القَدَحَ، حتَّى انْتَهَيْتُ إلى النبيِّ -صلى الله عليه وسلم- وقدْ رَوِيَ القَوْمُ كُلُّهُمْ، فأخَذَ القَدَحَ فَوَضَعَهُ علَى يَدِهِ، فَنَظَرَ إلَيَّ فَتَبَسَّمَ، فَقالَ: (أبَا هِرٍّ)، قُلتُ: لَبَّيْكَ يا رَسولَ اللَّهِ، قالَ: (بَقِيتُ أنَا وأَنْتَ) ، قُلتُ: صَدَقْتَ يا رَسولَ اللَّهِ، قالَ: (اقْعُدْ فَاشْرَبْ)، فَقَعَدْتُ فَشَرِبْتُ، فَقالَ: (اشْرَبْ) فَشَرِبْتُ، فَما زَالَ يقولُ: (اشْرَبْ) حتَّى قُلتُ: لا والذي بَعَثَكَ بالحَقِّ، ما أجِدُ له مَسْلَكًا، قالَ: (فأرِنِي) فأعْطَيْتُهُ القَدَحَ، فَحَمِدَ اللَّهَ وسَمَّى وشَرِبَ الفَضْلَةَ! (رواه البخاري).

(3) معجزة حصاد مزرعة جابر:

- كان عبد الله بن حرام قد استشهد يوم أُحُد، وعليه ديون كثيرة لبعض اليهود، وحصاد نخله لا يكفي لهم جميعًا، وقد اشتدوا في الطلب، بل وردوا شفاعة النبي -صلى الله عليه وسلم-، فكانت الآية حجة عليهم وإكرامًا لجابر ولأبيه -رضي الله عنهم-.

قال جابر -رضي الله عنه-: تُوُفِّيَ عبدُ اللَّهِ بنُ عَمْرِو بنِ حَرَامٍ وعليه دَيْنٌ، فَاسْتَعَنْتُ النبيَّ -صلى الله عليه وسلم- علَى غُرَمَائِهِ أنْ يَضَعُوا مِن دَيْنِهِ، فَطَلَبَ النبيُّ -صلى الله عليه وسلم- إليهِم فَلَمْ يَفْعَلُوا، فَقالَ لي النبيُّ -صلى الله عليه وسلم-: (اذْهَبْ فَصَنِّفْ تَمْرَكَ أصْنَافًا، العَجْوَةَ علَى حِدَةٍ، وعَذْقَ زَيْدٍ علَى حِدَةٍ، ثُمَّ أرْسِلْ إلَيَّ)، فَفَعَلْتُ، ثُمَّ أرْسَلْتُ إلى النبيِّ -صلى الله عليه وسلم-، فَجَاءَ فَجَلَسَ علَى أعْلَاهُ، أوْ في وسَطِهِ، ثُمَّ قالَ: (كِلْ لِلْقَوْمِ)، فَكِلْتُهُمْ حتَّى أوْفَيْتُهُمُ الذي لهمْ وبَقِيَ تَمْرِي كَأنَّهُ لَمْ يَنْقُصْ منه شيءٌ! وقالَ فِرَاسٌ عَنِ الشَّعْبِيِّ: حدَّثَني جَابِرٌ، عَنِ النبيِّ -صلى الله عليه وسلم-: (فَما زَالَ يَكِيلُ لهمْ حتَّى أدَّاهُ) وقالَ هِشَامٌ: عن وهْبٍ، عن جَابِرٍ، قالَ النبيُّ -صلى الله عليه وسلم-: (جُذَّ له(3) فأوْفِ لَهُ) (رواه البخاري).

(4) معجزة حفنة تمر الجارية يوم الخندق:

- كان يوم الخندق عصيبًا، وقد نزل بالناس من الشدة والجوع والخوف، وإرجاف المنافقين، ما ذكر الله في كتابه، وهنا كانت آيات النبوة لتثبيت المؤمنين، ذكر ابن إسحاق في السيرة: "أنَّ ابْنَةً لِبَشِيرِ بْنِ سَعْدٍ، أُخْتِ النُّعْمَانِ بْنِ بَشِيرٍ، قَالَتْ: دَعَتْنِي أُمِّي عَمْرَةُ بِنْتُ رَوَاحَةَ، فَأَعْطَتْنِي حَفْنَةً مِنْ تَمْرٍ فِي ثَوْبِي، ثُمَّ قَالَتْ: أَيْ بُنَيَّةُ، اذْهَبِي إلى أَبِيكَ وَخَالِكَ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ رَوَاحَةَ بِغَدَائِهِمَا، قَالَتْ: فَأَخَذْتهَا، فَانْطَلَقْتُ بِهَا، فَمَرَرْتُ بِرَسُولِ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- وَأَنَا أَلْتَمِسُ أَبِي وَخَالِي، فَقَالَ: تَعَالَيْ يَا بُنَيَّةُ، مَا هَذَا مَعَكَ؟ قَالَتْ: فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، هَذَا تَمْرٌ، بَعَثَتْنِي بِهِ أُمِّي إلى أَبِي، بَشِيرِ بْنِ سَعْدٍ، وَخَالِي عَبْدِ اللَّهِ بْنِ رَوَاحَةَ يَتَغَدَّيَانِهِ، قَالَ: هَاتِيهِ، قَالَتْ: فَصَبَبْتُهُ فِي كَفَّيْ رَسُولِ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم-، فَمَا مَلَأَتْهُمَا، ثُمَّ أَمَرَ بِثَوْبِ فَبُسِطَ لَهُ، ثُمَّ دَحَا بِالتَّمْرِ عَلَيْهِ، فَتَبَدَّدَ فَوْقَ الثَّوْبِ -تفرق-، ثُمَّ قَالَ لِإِنْسَانِ عِنْدَهُ: اُصْرُخْ فِي أَهْلِ الْخَنْدَقِ، أَنْ هَلُمَّ إلى الْغَدَاء، فَاجْتَمَعَ أَهْلُ الْخَنْدَقِ عَلَيْهِ، فَجَعَلُوا يَأْكُلُونَ مِنْهُ، وَجَعَلَ يَزِيدُ، حَتَّى صَدَرَ أَهْلُ الْخَنْدَقِ عَنْهُ، وَإِنَّهُ لَيَسْقُطُ مِنْ أَطْرَافِ الثَّوْبِ" (البداية والنهاية لابن كثير، والسيرة النبوية لابن هشام).

(5) معجزة برمة جابر:

- ومن مشاهد يوم الخندق: ما حكاه جابر بن عبد الله -رضي الله عنه- قال: فَقُلتُ: يا رَسولَ اللَّهِ، ائْذَنْ لي إلى البَيْتِ، فَقُلتُ لِامْرَأَتِي: رَأَيْتُ بالنبيِّ -صلى الله عليه وسلم- شيئًا ما كانَ في ذلكَ صَبْرٌ، فَعِنْدَكِ شيءٌ؟ قَالَتْ: عِندِي شَعِيرٌ وعَنَاقٌ، فَذَبَحَتِ العَنَاقَ، وطَحَنَتِ الشَّعِيرَ حتَّى جَعَلْنَا اللَّحْمَ في البُرْمَةِ، ثُمَّ جِئْتُ النبيَّ -صلى الله عليه وسلم- والعَجِينُ قَدِ انْكَسَرَ، والبُرْمَةُ بيْنَ الأثَافِيِّ قدْ كَادَتْ أنْ تَنْضَجَ، فَقُلتُ: طُعَيِّمٌ لِي، فَقُمْ أنْتَ يا رَسولَ اللَّهِ ورَجُلٌ أوْ رَجُلَانِ، قَالَ: (كَمْ هو؟) فَذَكَرْتُ له، قَالَ: (كَثِيرٌ طَيِّبٌ)، قَالَ: (قُلْ لَهَا: لا تَنْزِعِ البُرْمَةَ، ولَا الخُبْزَ مِنَ التَّنُّورِ حتَّى آتِيَ)، فَقَالَ: (قُومُوا)، فَقَامَ المُهَاجِرُونَ، والأنْصَارُ، فَلَمَّا دَخَلَ علَى امْرَأَتِهِ قَالَ: ويْحَكِ جَاءَ النبيُّ -صلى الله عليه وسلم- بالمُهَاجِرِينَ والأنْصَارِ ومَن معهُمْ، قَالَتْ: هلْ سَأَلَكَ؟ قُلتُ: نَعَمْ، فَقَالَ: (ادْخُلُوا ولَا تَضَاغَطُوا) فَجَعَلَ يَكْسِرُ الخُبْزَ، ويَجْعَلُ عليه اللَّحْمَ، ويُخَمِّرُ البُرْمَةَ والتَّنُّورَ إذَا أخَذَ منه، ويُقَرِّبُ إلى أصْحَابِهِ ثُمَّ يَنْزِعُ، فَلَمْ يَزَلْ يَكْسِرُ الخُبْزَ، ويَغْرِفُ حتَّى شَبِعُوا وبَقِيَ بَقِيَّةٌ، قَالَ: (كُلِي هذا وأَهْدِي، فإنَّ النَّاسَ أصَابَتْهُمْ مَجَاعَةٌ) (متفق عليه).

خاتمة:

- هكذا كانت هذه المعجزات من باب تثبيت الأتباع، وزيادة الإيمان في قلوبهم إذا رأوها، ولقد وصلت إلينا بالخبر الصحيح، فيا لسعادة مَن صَدَّق بها وإن لم يرها، فصدق فيه قوله -صلى الله عليه وسلم-: (وَدِدْتُ أَنِّي قَدْ رَأَيْتُ إِخْوَانَنَا). قَالُوا يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَلَسْنَا إِخْوَانَكَ؟ قَالَ: (بَلْ أَنْتُمْ أَصْحَابِي، وَإِخْوَانِي الَّذِينَ لَمْ يَأْتُوا بَعْدُ، وَأَنَا فَرَطُهُمْ عَلَى الْحَوْضِ) (رواه النسائي، وصححه الألباني).

نسأل الله -تعالى- أن يجمعنا بنبيه -صلى الله عليه وسلم- وصحبه على حوضه، وفي زمرته.

وللحديث بقية -إن شاء الله-.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(1) لمشقة وصعوبة الوقوف على الترتيب الزمني فيها، ثم إن تناولها من خلال موضوع يوفِّر عند السامعين مادة كثيرة مِن المعجزات في كل موضوع.

(2) يحسن الإشارة إلى حالة الفقر والشدة التي أصابت المسلمين نتيجة تحمُّل أهل المدينة أعباء إخوانهم المهاجرين، والذى تعبِّر عنه آيات سورة الحشر: (لِلْفُقَرَاءِ الْمُهَاجِرِينَ الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ وَأَمْوَالِهِمْ يَبْتَغُونَ فَضْلًا مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَانًا وَيَنْصُرُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ أُولَئِكَ هُمُ الصَّادِقُونَ . وَالَّذِينَ تَبَوَّءُوا الدَّارَ وَالْإِيمَانَ مِنْ قَبْلِهِمْ يُحِبُّونَ مَنْ هَاجَرَ إِلَيْهِمْ وَلَا يَجِدُونَ فِي صُدُورِهِمْ حَاجَةً مِمَّا أُوتُوا وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ) (الحشر: 8-9)، وعليه كثرت المعجزات للنبي -صلى الله عليه وسلم- تثبيتًا لهؤلاء وهؤلاء -رضوان الله على الجميع-، ونقف اليوم مع بعضها من خلال مشاهد مختلفة في حوادث مختلفة، كلها تثبت عظيم بركته، ودلائل على نبوته -صلى الله عليه وسلم-.

(3) قوله -صلى الله عليه وسلم-: (جُذَّ لَهُ فأوْفِ لَهُ) معناه: اقْطَعْ للغَريمِ العَراجِينَ، وأوْفِه حَقَّه.