نصرة فلسطين واجب ديني

  • 149

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد؛

فمِن خصائص المجتمع المسلم أنه مجتمع يقوم على عقيدة الولاء والبراء؛ الولاء لله ولرسوله وللمؤمنين، والبراء مِن كلِّ مَن حادَّ الله ورسوله، واتبع غير سبيل المؤمنين.

وهاتان الخاصيَّتان للمجتمع المسلم مِن أهم الروابط التي تجعل من ذلك المجتمع مجتمعًا مترابطًا متماسكًا، تسوده روابط المحبة والنصرة، وتحفظه مِن التحلل والذوبان في الهويات والمجتمعات الأخرى.

فعقيدة الولاء والبراء تنبع أهميتها مِن كونها فريضة ربانية، ومِن كونها كذلك سياج الحماية لهوية الأمة الثقافية والاجتماعية.

ولا أدلَّ على أهمية هذه العقيدة مِن اعتناء القرآن بتقريرها، فمرة يذكرها على اعتبار أنها الرابطة الإيمانية التي تجمع المؤمنين فتحثهم على فعل الصالحات، قال -تعالى-: (وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَيُطِيعُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ أُولَئِكَ سَيَرْحَمُهُمُ اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ) (التوبة:71).

ومرة يذكرها محذرًا من الانسياق وراء تحالفات تضع المسلم جنبًا لجنب مع الكافر في معاداة إخوانه المسلمين، قال -تعالى-: (لَا يَتَّخِذِ الْمُؤْمِنُونَ الْكَافِرِينَ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ فَلَيْسَ مِنَ اللَّهِ فِي شَيْءٍ إِلَّا أَنْ تَتَّقُوا مِنْهُمْ تُقَاةً وَيُحَذِّرُكُمُ اللَّهُ نَفْسَهُ وَإِلَى اللَّهِ الْمَصِيرُ) (آل عمران:28).

ومرة يذكر عقيدة الولاء والبراء على أنها الصبغة التي تصبغ المؤمنين، ولا يمكن أن يتصفوا بما يناقضها، قال -تعالى-: (لَا تَجِدُ قَوْمًا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَوْ كَانُوا آبَاءَهُمْ أَوْ أَبْنَاءَهُمْ أَوْ إِخْوَانَهُمْ أَوْ عَشِيرَتَهُمْ أُولَئِكَ كَتَبَ فِي قُلُوبِهِمُ الْإِيمَانَ وَأَيَّدَهُمْ بِرُوحٍ مِنْهُ وَيُدْخِلُهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ أُولَئِكَ حِزْبُ اللَّهِ أَلَا إِنَّ حِزْبَ اللَّهِ هُمُ الْمُفْلِحُونَ) (المجادلة:22)، إلى غير ذلك من الآيات.

نصرة فلسطين قضية عقيدة وليست أمرًا إنسانيًّا فقط، بل عقيدة راسخة، وعبادة عظيمة، ورباط وثيق بين المؤمنين، انتبهوا إلى المصطلحات التي يرددها البعض، فالقضية قضية دين وإيمان، وليست مجرد حقوق إنسان فقط.

والله ما نقموا من أهل فلسطين؛ إلا أنهم يؤمنون بالله وحده، قال -تعالى-: (وَمَا نَقَمُوا مِنْهُمْ إِلَّا أَنْ يُؤْمِنُوا بِاللَّهِ الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ) (البروج:8).

وعدائنا مع اليهود ليس من أجل احتلال فلسطين فقط، ولكن عدائنا معهم من أجل عدم إيمانهم بالله وحده، قال -تعالى-: (قَدْ كَانَتْ لَكُمْ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ فِي إِبْرَاهِيمَ وَالَّذِينَ مَعَهُ إِذْ قَالُوا لِقَوْمِهِمْ إِنَّا بُرَآءُ مِنكُمْ وَمِمَّا تَعْبُدُونَ مِن دُونِ اللَّهِ كَفَرْنَا بِكُمْ وَبَدَا بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةُ وَالْبَغْضَاءُ أَبَدًا حَتَّىٰ تُؤْمِنُوا بِاللَّهِ وَحْدَهُ) (الممتحنة:4).  

ولما زاد ظلم اليهود وبغيهم باحتلال المسجد الأقصى زاد العداء فوق العداء، لكن بغضنا لهم أصله أنهم لم يؤمنوا بالله وكفروا بآيات الله، وصدوا عن سبيل الله، وقتلوا الأنبياء والمرسلين.

تضامننا مع الشعب الفلسطيني إيمان وعقيدة وأخوة إيمانية قبل كل شيء، فنحن قوم نعبد إلهًا واحدًا، وديننا واحد، ونبينا واحد، وكتابنا واحد، وقبلتنا واحدة.

فقضية الولاء والبراء شأنها شأن باقي قضايا الاعتقاد؛ فاحذروا من المصطلحات التي تدس، فوالله عن عمد دسوها ورددوها.

حقوق الإنسان كلمة نقولها في معرض الكلام استشهادًا بالمعايير المزدوجة عند الغرب، ونحن نوقن أن العنف والتطهير العرقي عند الغرب مرفوض ما لم يكن ضد المسلمين، وهكذا طريقتهم في جميع المواقف والأحداث ولفظ الإرهاب لا نسمعه إلا ضد المسلمين فقط، فهو لفظ حصري علينا، لكن مع اليهود لا تسمع لهم صوتًا ولا همسًا، فنحن كلأ مباح لهم، ودماء مستباحة، لا وزن لها، ولا قيمة عندهم.

وهذه الأحداث لعلها  تحدِث إفاقة ويقظة عند مَن ينادي بالتطبيع والمتشدقين من بني جلدتنا، ووالله الذي لا إله غيره، الأمر أوضح من شمس النهار، ولكن فإنها لا تعمي الأبصار، ولكن تعمى القلوب التي في الصدور

اسأل التاريخ: ماذا فعل أعداء الأمة مع مَن سهَّل لهم اجتياح بلادههم وشعوبهم: هل أعطوهم الأمن والأمان أم كانوا أول مَن غدروا بهم قَبْل مَن قاومهم؟!

اسألوا التاريخ عن هولاكو: ماذا فعل في بغداد ليس مع مَن عاداه، لكن مع مَن والاه ونصره على بني جلدته؟!

يا قومنا... التطبيع خيانة، وتضييع للهوية والأمانة، وجريمة في حق الأجيال، وإن كان النبي -صلى الله عليه وسلم- لعن مَن غيَّر منار الأرض؛ فكيف بمَن يريد تغيير هوية أمة بأسرها؟!

والله ارتضاء هوية غير هويتنا خيانة عظيمة للإسلام والمسلمين؛ نحن قوم خُلقنا لرسالة، قال -تعالى-: (كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ) (آل عمران:110).

فهويتنا هي الأكمل والأعز والأشرف: (صِبْغَةَ اللَّهِ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللَّهِ صِبْغَةً وَنَحْنُ لَهُ عَابِدُونَ) (البقرة:138).

اللهم انصر المستضعفين مِن المسلمين في كلِّ مكان.

اللهم فرِّج كرب أمتنا.

ولنا أمل.