تعلمت من رمضان

  • 127

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد؛  

فلقد علمني رمضان أمورًا عظيمه، وكيف لا وهو زمان فاضل، وبيئة خصبة، ينهل منها المؤمن ما يستعين به في سيره إلى الله -تعالى-.

فكان مما تعلمته من رمضان:

- أن القرآن الكريم هو روح الروح، وحياة الحياة، وأن الحياة بعيدًا عن القرآن حياة بلا روح، قال ربي -تبارك وتعالى-: (وَكَذَلِكَ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ رُوحًا مِنْ أَمْرِنَا مَا كُنْتَ تَدْرِي مَا الْكِتَابُ وَلَا الْإِيمَانُ وَلَكِنْ جَعَلْنَاهُ نُورًا نَهْدِي بِهِ مَنْ نَشَاءُ مِنْ عِبَادِنَا وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ) (الشورى:52)، فهو مصدر العزة والرفعة، والشرف في الدنيا والآخرة، قال الهل -تعالى-: (لَقَدْ أَنْزَلْنَا إِلَيْكُمْ كِتَابًا فِيهِ ذِكْرُكُمْ أَفَلَا تَعْقِلُونَ) (الأنبياء:10)؛ أي: فيه عزكم وشرفكم.

- وأن الإعراض عنه وهجره مِن أعظم أسباب الضيق والهم في الدنيا، وفي القبر، وما بعده، قال -تعالى-: (وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكًا وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى) (طه:124).

- وتعلمت من رمضان: أن الحياة الطيبة لا تكون إلا في طاعة الله -تعالى-، ومهما تخلفت الأسباب المادية، أو الوسائل الترفيهية؛ لأن رب البرية قال: (مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ) (النحل:97)، ومَن جرَّب عرف، ومَن عرف اغترف.

- وتعلمت من رمضان: أن المؤمن ينبغي أن يكون على وجل (وهو خوف مقرون بعلم)، فيخشى مِن عدم القبول؛ لأنه يعلم أن الله قال: (إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ اللَّهُ مِنَ الْمُتَّقِينَ) (المائدة:27)، ويعلم أن بضاعته مزجاه لا تليق أن يلقى الله بها، ومع ذلك يرجو أن يوفي الله له الكيل، ويتصدق عليه؛ فإنه -تعالى- أكرم مَن سُئِل.

- وتعلمت من رمضان: أن الحياة قصيرة سرعان ما تنقضي، كما يذهب الظمأ وتبتل العروق، ونسأل الله أن يثبت لنا الأجر، فالدنيا قصيرة، قال ربي: (قَالَ كَمْ لَبِثْتُمْ فِي الْأَرْضِ عَدَدَ سِنِينَ . قَالُوا لَبِثْنَا يَوْمًا أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ فَاسْأَلِ الْعَادِّينَ . قَالَ إِنْ لَبِثْتُمْ إِلَّا قَلِيلًا لَوْ أَنَّكُمْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ) (المؤمنون:112-114)، والدنيا أنفاس معدودة ما إن تنقضي حتى تقف بين يدي الله، فيسألك عن الكبير والحقير: (يَوْمَ يَبْعَثُهُمُ اللَّهُ جَمِيعًا فَيُنَبِّئُهُمْ بِمَا عَمِلُوا أَحْصَاهُ اللَّهُ وَنَسُوهُ وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ) (المجادلة:6).

- وتعلمت من رمضان: أن مَن ثبت نبت، وأن أحب الأعمال إلى الله ما داوم عليه صاحبه، وأن الاستقامة أعظم كرامة، (فَإِذَا فَرَغْتَ فَانْصَبْ . وَإِلَى رَبِّكَ فَارْغَبْ) (الشرح:7-8).

- وتعلمت من رمضان: أن هذه الأمة مهما حاول أعداؤها تفتيتها وتمزيقها، فلا تزال تحمل أعظم أسباب القوة والاتحاد، فنبيها واحد، ودينها واحد، وقبلتها واحدة، وأعيادها واحدة، وتكبيرها واحد، وتاريخها واحد، ومصيرها واحد، (وَإِنَّ هَذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَأَنَا رَبُّكُمْ فَاتَّقُونِ) (المؤمنون:52)، وقال النبي -صلى الله عليه وسلم-: (مَثَلُ الْمُؤْمِنِينَ فِي تَوَادِّهِمْ، وَتَرَاحُمِهِمْ، وَتَعَاطُفِهِمْ مَثَلُ الْجَسَدِ إِذَا اشْتَكَى مِنْهُ عُضْوٌ تَدَاعَى لَهُ سَائِرُ الْجَسَدِ بِالسَّهَرِ وَالْحُمَّى) (متفق عليه)، فمَن لم يشعر بآلام المسلمين المستضعفين في كلِّ مكان، ويحزن لحزنهم، ويفرح لفرحهم؛ فقد حكم على نفسه بالبتر عن هذا الجسد الواحد.

نسأل الله أن ينصر المسلمين المستضعفين في فلسطين على اليهود المجرمين، وأن يرينا في اليهود وأعوانهم عجائب قدرته، وأن ينصر دينه وكتابه، وسنة نبيه، وعباده الصالحين في كلِّ مكان.