الأقصى ينتصر

  • 229

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد؛

فما إن وضعت الحرب الرابعة على غزة "حارس الأسوار" أوزارها، حتى بدا في الآفاق انتصار القدس، التي فتحها "عمر بن الخطاب" -رضي الله عنه-، وحررها "صلاح الدين الأيوبي" -رحمه الله تعالى-.

وانتصار القدس يعني: انتصار المسجد الأقصى، قضية كل مسلم، مسرى رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، أولى القبلتين، وثالث المسجدين بعد المسجد الحرام والمسجد النبوي من حيث المكانة، وفضل الصلاة فيه، وشد الرحال إليه.

وانتصار المسجد الأقصى يعني: انتصار فلسطين كلها مِن البحر إلى النهر، وانتصار العالم الإسلامي.

ففي هذا العدوان الذي بدأ يوم الاثنين العاشر مِن مايو 2021، حتى فجر الجمعة الحادي والعشرين مِن مايو 2021، والذي ارتكب فيه الصهاينة أبشع جرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية، ظهرت صورة النصر كما لم تظهر مِن قبل في أي عدوانٍ سابق، مِن عدوان "الرصاص المصبوب: 27 ديسمبر 2008 - 18 يناير 2009" إلى "عامود السحاب: 14 نوفمبر - 21 نوفمبر 2012"، وصولًا لـ"الجرف الصامد: 8 يوليو - 26 أغسطس 2014".

وعلى وقع ترحيل سكان حي الشيخ جرَّاح بالقدس، والاستيلاء على بيوتهم، والاعتداء على المصلين بالمسجد الأقصى مِن المستوطنين المتطرفين، وجنود جيش وشرطة الاحتلال، والاقتحامات المتكررة، وإغلاق باب العامود؛ توحَّدت الفصائل كلها في عملية "سيف القدس".

وأثبت قطاع غزة الممتد على مساحة 360 كم مربع، ويزيد عدد سكانه على 2 مليون نسمة، أنه قادر على توحيد فلسطين كلها "غزة - الضفة الغربية - القدس - الخط الأخضر - الشتات".

هذا القطاع الذي كان تحت السيادة المصرية منذ عام 1948، واحتله الصهاينة ستة أشهر بعد العدوان الثلاثي عام 1956، ثم احتلوه مرة أخرى بعد عدوان عام 1967، إلى أن انسحبوا منه في 15 أغسطس عام 2005 بقرار مِن أريل شارون في إطار اتفاقية أوسلو، وبداية تطبيق الحكم الذاتي في غزة وأريحا، تحت ضغط المقاومة على المستوطنات اليهودية، وارتفاع كلفة استمرار الاحتلال.

وقد أظهرت عملية "سيف القدس" حقيقة عداء اليهود للمسلمين: (لَتَجِدَنَّ أَشَدَّ النَّاسِ عَدَاوَةً لِّلَّذِينَ آمَنُوا الْيَهُودَ وَالَّذِينَ أَشْرَكُوا) (المائدة:82)، وأنهم: (لَا يَرْقُبُونَ فِي مُؤْمِنٍ إِلًّا وَلَا ذِمَّةً وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُعْتَدُونَ) (التوبة:10).

وأثبتت بما لا يدع مجالًا للشك ما يلي:

- انتهاء أسطورة القبة الحديدية، كما أنهت حرب أكتوبر أسطورة خط بارليف.

- تخبط اليهود في موقع رد الفعل الذي لم يعهدوه منذ حرب أكتوبر عام 1973.

- ارتباك الداخل اليهودي برد فعل عرب الخط الأخضر في المدن العربية والمختلطة.

- فضيحة النفاق الغربي، وتخاذل المنظمات الدولية عن نُصرة الضعفاء والمظلومين في عالم قانون القوة، لا قوة القانون.

- وحدة الفلسطينيين جميعًا.

- تطور قوة الفصائل في غزة.

- فشل اتفاقيات التطبيع الأخيرة في تحقيق أي مصلحة، أو دفع أي مفسدة.

- الدور المصري الكبير، والدعم اللوجستي.

إنَّ أقل ما يمكن أن يقدِّمه العالم الإسلامي لفلسطين، بعد معركة "سيف القدس" هو إعادة إعمار غزة، وفك حصارها، ومد أهلها بالكوادر والمواد الطبية والتموينية، وفرق الهلال الأحمر، ومصادر الطاقة، مع استمرار الدعم السياسي والنفسي والإعلامي.

ولابد مِن تفعيل دور جامعة الدول العربية، ومنظمة التعاون الإسلامي، في سبيل حصول الفلسطينيين جميعًا على كافة حقوقهم المشروعة، ولنعلم: أن النصر مع الصبر، وأن بعد العسرِ يُسرا، (إِن تَكُونُوا تَأْلَمُونَ فَإِنَّهُمْ يَأْلَمُونَ كَمَا تَأْلَمُونَ وَتَرْجُونَ مِنَ اللَّهِ مَا لَا يَرْجُونَ) (النساء:104).

وفي صحيح مسلم من حديث أبي هريرة -رضي الله عنه- أَنَّ رَسُولَ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: (لَا تَقُومُ السَّاعَةُ حَتَّى يُقَاتِلَ الْمُسْلِمُونَ الْيَهُودَ، فَيَقْتُلُهُمُ الْمُسْلِمُونَ حَتَّى يَخْتَبِئَ الْيَهُودِيُّ مِنْ وَرَاءِ الْحَجَرِ وَالشَّجَرِ، فَيَقُولُ الْحَجَرُ أَوِ الشَّجَرُ: يَا مُسْلِمُ يَا عَبْدَ اللهِ هَذَا يَهُودِيٌّ خَلْفِي، فَتَعَالَ فَاقْتُلْهُ، إِلَّا الْغَرْقَدَ، فَإِنَّهُ مِنْ شَجَرِ الْيَهُودِ).