حُمَاة النيل

  • 332

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد؛  

فقد تحلَّت مصرُ على مدار عقدٍ كاملٍ مِن المفاوضات بالمسؤولية، وأبدت قدرًا كبيرًا من المرونة وحُسن النية، من أجل التوصل إلى اتفاقٍ لسدِّ النهضة يراعي مصالح وحقوق الدول الثلاث المعنية مباشرة به، وقد كان على إثيوبيا أن تتخلى عن تعنتها ومراوغتها قبل فوات الأوان، وتبدي الإرادة السياسية اللازمة للتوصل إلى الاتفاق المنشود، أو مواجهة لجوء دولتي المصب: "مصر والسودان" لكلِّ الخيارات التي تضمن حقوقهما ومصالحهما المائية، باعتبارها مسألة حياة وجودية، بما في ذلك حق الدفاع عن النفس المقرر بالمادة 51 مِن ميثاق الأمم المتحدة، ومخالفة إثيوبيا لاتفاق المبادئ الموقَّع في 23 مارس 2015.

فنهر النيل أطول أنهار العالم، يعتبر المصدر الرئيسي لمياه الري والشرب في مصر بنسبة 97 %، ويبلغ طوله 6650 كم، ويمر بأحد عشر دولة: "تنزانيا - أوغندا - رواندا - بوروندي - الكونغو الديمقراطية - كينيا - إثيوبيا - إريتريا - جنوب السودان - السودان - مصر".

وقد استغلت إثيوبيا مرور مصر بأحداث ثورة 25 يناير 2011 وما تلاها، فقامت ببناء السد على النيل الأزرق، على بُعد 15 كم شرقًا مِن الحدود السودانية، كأحد الأهداف الاستعمارية بمنع مياه النيل عن مصر، والتي يرجع تاريخها للحروب الصليبية على العالم الإسلامي.

فبناء السد يتجاوز توليد الكهرباء والتنمية الزراعية، وقد يصل مستقبلًا للتحكم في ضخ المياه لمصر وبالكميات التي تحددها إثيوبيا، سواء بالاتفاق، أو بالبيع، وحيث إن إثيوبيا مقبلة على انتخابات داخلية مزمعة في يوليو القادم، بالتزامن مع إقدامها على الملء الثاني، وبالتالي تحاول الترويج للسدِّ كقضية داخلية لتأييد رئيس الوزراء آبي أحمد الذي يعاني من تأزم وضعه، مع مشاكل إثيوبيا الداخلية، وآخرها الحرب في إقليم تيجراي، والنزاع الحدودي مع السودان.

وفي ظل نفاق المجتمع الدولي تم مخالفة أبسط مبادئ القانون الدولي؛ فالسدود المختلف عليها لا يجوز تمويلها من الدول والمؤسسات المالية الدولية، والعُرف الدولي مستقر على ذلك.

كما تقاعس مجلس الأمن عن التدخل عندما لجأت إليه مصر في 16 يونيو 2020، رغم تحول الأزمة إلى نزاع يهدد الأمن والسلم الإقليمي والدولي!

ومع محاولة إثيوبيا فرض الأمر الواقع، وتضييع الوقت في حلقة مفرغة مِن مفاوضات بوساطة الاتحاد الإفريقي دون سواه، وهو لا يملك أي وسائل ضغط، ورفض توسيع دول الوساطة بدخول الاتحاد الأوروبي وغيره، رفضت إثيوبيا نتائج الوساطة التي قامت بها الولايات المتحدة الأمريكية والبنك الدولي، والتي أسفرت في 3 مارس 2020 عن عدم استكمال السد دون اتفاق.

ووسط الإصرار على الملء الثاني دون اتفاق، تزامنًا مع موسم الفيضان، وما سيترتب على ذلك مِن تأثيرات مضرة جدًّا على السودان، تهدد أمنه القومي وحياة نحو 20 مليون نسمة، وسيعني أن إثيوبيا فرضت الأمر الواقع، وأن النهر تحت سيطرتها بشكلٍ كاملٍ؛ لأن السد سيكون محظورًا الاقتراب منه بسبب كمية المياه الكبيرة المحتجزة، وأي اقتراب منه سيؤدي لإغراق السودان، رغم كل ما سبق، مع مخالفة القانون الدولي فيما يخص الأنهار الدولية، واعتبار إثيوبيا نهر النيل نهرًا داخليًّا خاصًّا بها! لم يكن أمام حماة النيل إلا التحرك العاجل لوضع الأمور في نصابها.