الدين الإبراهيمي بين الحقيقة والضلال (22)

  • 170

قصة بناء الكعبة (20)

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد؛  

الفائدة الخامسة عشرة:  

قوله في الحديث: "حتَّى إذَا كانَ بهَا أَهْلُ أَبْيَاتٍ منهمْ، وشَبَّ الغُلَامُ وتَعَلَّمَ العَرَبِيَّةَ منهمْ، وأَنْفَسَهُمْ وأَعْجَبَهُمْ حِينَ شَبَّ": فيه ما جعل الله عليه الأنبياء قبل بعثتهم مِن القبول في الناس والمحبة لهم، فإن قوله: "أَنْفَسَهُمْ" معناه: رغبهم فيه؛ فكان نفيسًا عندهم، فقدَّر الله -عز وجل- لإسماعيل قبولًا في هؤلاء العرب؛ وذلك تمهيدًا لقبول دعوته -عليه الصلاة والسلام-، وظهور منزلته فيهم؛ حتى نشأت الأجيال المتتابعة من العرب -أبناء إسماعيل- على الإسلام كما وصف الله -عز وجل-: (وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ إِسْمَاعِيلَ إِنَّهُ كَانَ صَادِقَ الْوَعْدِ وَكَانَ رَسُولًا نَبِيًّا . وَكَانَ يَأْمُرُ أَهْلَهُ بِالصَّلَاةِ وَالزَّكَاةِ وَكَانَ عِنْدَ رَبِّهِ مَرْضِيًّا) (مريم:54-55).

الفائدة السادسة عشرة:

قوله: "فَلَمَّا أَدْرَكَ زَوَّجُوهُ امْرَأَةً منهمْ، ومَاتَتْ أُمُّ إسْمَاعِيلَ، فَجَاءَ إبْرَاهِيمُ بَعْدَ ما تَزَوَّجَ إسْمَاعِيلُ يُطَالِعُ تَرِكَتَهُ، فَلَمْ يَجِدْ إسْمَاعِيلَ، فَسَأَلَ امْرَأَتَهُ عنْه، فَقالَتْ: خَرَجَ يَبْتَغِي لَنَا، ثُمَّ سَأَلَهَا عن عَيْشِهِمْ وهَيْئَتِهِمْ، فَقالَتْ: نَحْنُ بِشَرٍّ، نَحْنُ في ضِيقٍ وشِدَّةٍ، فَشَكَتْ إلَيْهِ، قالَ: فَإِذَا جَاءَ زَوْجُكِ فَاقْرَئِي عليه السَّلَامَ، وقُولِي له: يُغَيِّرْ عَتَبَةَ بَابِهِ".

قال ابن حجر -رحمه الله-: "في رِوَايَةِ عَطَاءِ بْنِ السَّائِبِ: "فَقَدِمَ إِبْرَاهِيمُ وَقَدْ مَاتَتْ هَاجَرُ" قَوْلُهُ: "يُطَالِعُ تَرِكَتَهُ" أَيْ: يَتَفَقَّدُ حَالَ مَا تَرَكَهُ هُنَاكَ. قَالَ ابن التِّينِ: هَذَا يُشْعِرُ بِأَنَّ الذَّبِيحَ إِسْحَاقُ؛ لِأَنَّ الْمَأْمُورَ بِذَبْحِهِ كَانَ عِنْدَمَا بَلَغَ السَّعْيَ، وَقَدْ قَالَ فِي هَذَا الْحَدِيثِ إِنَّ إِبْرَاهِيمَ تَرَكَ إِسْمَاعِيلَ رَضِيعًا، وَعَادَ إِلَيْهِ وَهُوَ مُتَزَوِّجٌ، فَلَوْ كَانَ هُوَ الْمَأْمُورُ بِذَبْحِهِ لَذُكِرَ فِي الْحَدِيثِ أَنَّهُ عَادَ إِلَيْهِ فِي خِلَالِ ذَلِكَ بَيْنَ زَمَانِ الرَّضَاعِ وَالتَّزْوِيجِ، وَتُعُقِّبَ بِأَنَّهُ لَيْسَ فِي الْحَدِيثِ نَفْيُ هَذَا الْمَجِيءِ؛ فَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ جَاءَ وَأُمِرَ بِالذَّبْحِ وَلَمْ يُذْكَرْ فِي الْحَدِيثِ.

قُلْتُ -أي: ابن حجر-: وَقَدْ جَاءَ ذِكْرُ مَجِيئِهِ بَيْنَ الزَّمَانَيْنِ فِي خَبَرٍ آخَرَ؛ فَفِي حَدِيثِ أَبِي جَهْمٍ: كَانَ إِبْرَاهِيمُ يَزُورُ هَاجَرَ كُلَّ شَهْرٍ عَلَى الْبُرَاقِ؛ يَغْدُو غَدْوَةً فَيَأْتِي مَكَّةَ، ثُمَّ يَرْجِعُ فَيَقِيلُ فِي مَنْزِلِهِ بِالشَّامِ.

وَرَوَى الْفَاكِهِيُّ مِنْ حَدِيثِ عَلِيٍّ -بِإِسْنَادٍ حَسَنٍ- نَحْوَهُ، وَأَنَّ إِبْرَاهِيمَ كَانَ يَزُورُ إِسْمَاعِيلَ وَأُمَّهُ عَلَى الْبُرَاقِ؛ فَعَلَى هَذَا فَقَوله: "فجَاء إِبْرَاهِيمُ بعد مَا تَزَوَّجَ إِسْمَاعِيلُ"؛ أَيْ: بَعْدَ مَجِيئِهِ قَبْلَ ذَلِكَ مِرَارًا، وَاللَّهُ أَعْلَمُ" (انتهى كلام ابن حجر -رحمه الله-).

قلتُ: والصحيح أن الذبيح إسماعيل، وعلى هذا جمهور العلماء، وإن كانت المسألة اجتهادية؛ إلا أن الأدلة ظاهرة في أن إبراهيم أُمِر بذبح ولده الوحيد، كما ورد ذلك في التوراة: "اذبح ابنك بكرك"، وإسماعيل هو البكر باتفاق المسلمين وأهل الكتاب، وفي القرآن قال الله -تعالى- في سورة "ص": (وَفَدَيْنَاهُ بِذِبْحٍ عَظِيمٍ . وَتَرَكْنَا عَلَيْهِ فِي الْآخِرِينَ . سَلَامٌ عَلَى إِبْرَاهِيمَ . كَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ . إِنَّهُ مِنْ عِبَادِنَا الْمُؤْمِنِينَ . وَبَشَّرْنَاهُ بِإِسْحَاقَ نَبِيًّا مِنَ الصَّالِحِينَ) (ص:107-112)، فكان التبشير بإسحاق مجازة له على امتثال الأمر بذبح إسماعيل -عليه السلام-، والصحيح: أنه قد وقع الأمر بالذبح قبل هذه الزيارة، وقصة الذبح كانت قبل أن يأتي، وقد تزوَّج إسماعيل وقد ماتت هاجر -عليها السلام-.

قال ابن حجر -رحمه الله-: "قَوْلُهُ: "فَقَالَتْ: خَرَجَ يَبْتَغِي لَنَا" أَيْ: يَطْلُبَ لَنَا الرِّزْقَ، وَفِي رِوَايَةِ ابن جُرَيْجٍ: "وَكَانَ عَيْشُ إِسْمَاعِيلَ الصَّيْدَ يَخْرُجُ فَيَتَصَيَّدُ"، وَفِي حَدِيثِ أَبِي جَهْمٍ: "وَكَانَ إِسْمَاعِيلُ يَرْعَى مَاشِيَتَهُ وَيَخْرُجُ مُتَنَكِّبًا قَوْسَهُ فَيَرْمِي الصَّيْدَ"، وَفِي حَدِيث ابن إِسْحَاقَ "وَكَانَتْ مَسَارِحُهُ الَّتِي يَرْعَى فِيهَا السِّدْرَةَ إِلَى السِّرِّ مِنْ نَوَاحِي مَكَّةَ".

وقَوْلُهُ: "ثُمَّ سَأَلَهَا عَنْ عَيْشِهِمْ" زَادَ فِي رِوَايَةِ عَطَاءِ بْنِ السَّائِبِ: "وَقَالَ: هَلْ عِنْدَكِ ضِيَافَةٌ؟". قَوْلُهُ: "فَقَالَتْ: نَحْنُ بِشَرٍّ، نَحْنُ فِي ضِيقٍ وَشِدَّةٍ، فَشَكَتْ إِلَيْهِ"، فِي حَدِيثِ أَبِي جَهْمٍ: "فَقَالَ لَهَا: هَل مِن مَنْزِلٍ؟ قَالَت: لَا هَا اللَّهِ إِذَنْ، قَالَ: فَكَيْفَ عَيْشُكُمْ؟ قَالَ: فَذَكَرَتْ جَهْدًا، فَقَالَتْ: أَمَّا الطَّعَامُ فَلَا طَعَامَ، وَأَمَّا الشَّاءُ فَلَا تُحْلَبُ إِلَّا الْمَصْرَ -أَيِ: الشَّخْبَ- وَأَمَّا الْمَاءُ فَعَلَى مَا تَرَى مِنَ الْغِلَظِ". وَالشَّخْبُ السَّيَلَانُ" (انتهى كلام ابن حجر -رحمه الله-).

في هذا الجزء من القصة بيان صفات المرأة التي لا يصلح الاستمرار في معاشرتها، وهي غير الشاكرة، الساخطة على العيش، فعيش إسماعيل -عليه السلام- لم يتغير بين المرأة الأولى والثانية؛ فكلتاهما كانتا سواء، لكن واحدة تذكر سوء الحال وتأبى أن تضيف مَن نزل بها، وتتسخط على ما عندها من الطعام، حتى تقول: لا طعام، وما عندها من الشراب تصفه بالغِلَظ! فالمرأة التي لا تشكر، والتي لا تحترم الكبير، ولا تحسن إلى ضيوف أزواجها، وترى دائمًا أنها في شرِّ حالٍ، وفي ضيقٍ وشدةٍ لا تشكر نعمة الله، ولا ترى ما عندها من النعم؛ لا تستحق المعاشرة؛ ولهذا أمر إبراهيمُ -عليه السلام- ابنه إسماعيلَ بطلاقها؛ ولكن بالكناية التي لم تفهمها المرأة ولم تعيها، ولكن وعاها إسماعيل -عليه الصلاة والسلام-.

والجمع بين العتبة والمرأة في أنها كناية عن المرأة؛ لما فيها مِن الصفات الموافقة لها، وهو حفظ الباب وصون ما بداخله، وكونها محلًا للوطء (أفاده ابن حجر -رحمه الله- في فتح الباري).

الفائدة السابعة عشرة:

قوله في الحديث: "فَلَمَّا جَاءَ إسْمَاعِيلُ كَأنَّهُ آنَسَ شيئًا، فَقالَ: هلْ جَاءَكُمْ مِن أَحَدٍ؟ قالَتْ: نَعَمْ، جَاءَنَا شَيخٌ كَذَا وكَذَا، فَسَأَلَنَا عَنْكَ فأخْبَرْتُهُ، وسَأَلَنِي: كيفَ عَيْشُنَا؟ فأخْبَرْتُهُ أنَّا في جَهْدٍ وشِدَّةٍ، قالَ: فَهلْ أَوْصَاكِ بشَيءٍ؟ قالَتْ: نَعَمْ، أَمَرَنِي أَنْ أَقْرَأَ عَلَيْكَ السَّلَامَ، ويقولُ: غَيِّرْ عَتَبَةَ بَابِكَ، قالَ: ذَاكِ أَبِي، وقدْ أَمَرَنِي أَنْ أُفَارِقَكِ، الْحَقِي بأَهْلِكِ، فَطَلَّقَهَا".

في هذا الجزء من الحديث: حسن استعمال المعاريض والكنايات في الموضع الذي يحسن فيه ذلك؛ حتى لا يواجه المسيء بإساءته في وجهه فيحصل من ذلك ضرر.

وفيه: أن الرجل إذا غاب عن بيته ثم عاد إليه، فينبغي أن يسألهم عمَّن جاء، وأن ينظر في فعلهم وكلامهم، مع هذا الذي كان عندهم.

الفائدة الثامنة عشرة:

قوله في الحديث: "وتَزَوَّجَ منهمْ أُخْرَى، فَلَبِثَ عنْهمْ إبْرَاهِيمُ ما شَاءَ اللَّهُ، ثُمَّ أَتَاهُمْ بَعْدُ فَلَمْ يَجِدْهُ، فَدَخَلَ علَى امْرَأَتِهِ فَسَأَلَهَا عنْه، فَقالَتْ: خَرَجَ يَبْتَغِي لَنَا، قالَ: كيفَ أَنْتُمْ؟ وسَأَلَهَا عن عَيْشِهِمْ وهَيْئَتِهِمْ، فَقالَتْ: نَحْنُ بخَيْرٍ وسَعَةٍ، وأَثْنَتْ علَى اللَّهِ، فَقالَ: ما طَعَامُكُمْ؟ قالتِ: اللَّحْمُ، قالَ: فَما شَرَابُكُمْ؟ قالتِ: المَاءُ. قالَ: اللَّهُمَّ بَارِكْ لهمْ في اللَّحْمِ والمَاءِ، قالَ النَّبيُّ -صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ-: ولَمْ يَكُنْ لهمْ يَومَئذٍ حَبٌّ، ولو كانَ لهمْ دَعَا لهمْ فِيهِ. قالَ: فَهُما لا يَخْلُو عليهما أَحَدٌ بغيرِ مَكَّةَ إلَّا لَمْ يُوَافِقَاهُ، قالَ: فَإِذَا جَاءَ زَوْجُكِ فَاقْرَئِي عليه السَّلَامَ، ومُرِيهِ يُثْبِتُ عَتَبَةَ بَابِهِ، فَلَمَّا جَاءَ إسْمَاعِيلُ قالَ: هلْ أَتَاكُمْ مِن أَحَدٍ؟ قالَتْ: نَعَمْ، أَتَانَا شَيخٌ حَسَنُ الهَيْئَةِ، وأَثْنَتْ عليه، فَسَأَلَنِي عَنْكَ فأخْبَرْتُهُ، فَسَأَلَنِي: كيفَ عَيْشُنَا؟ فأخْبَرْتُهُ أنَّا بخَيْرٍ، قالَ: فأوْصَاكِ بشَيءٍ؟ قالَتْ: نَعَمْ، هو يَقْرَأُ عَلَيْكَ السَّلَامَ، ويَأْمُرُكَ أَنْ تُثْبِتَ عَتَبَةَ بَابِكَ، قالَ: ذَاكِ أَبِي، وأَنْتِ العَتَبَةُ، أَمَرَنِي أَنْ أُمْسِكَكِ".

قال ابن حجر -رحمه الله-: "في قوله: "نَحْنُ بخَيْرٍ وسَعَةٍ" فِي حَدِيثِ أَبِي جَهْمٍ: "نَحْنُ فِي خَيْرِ عَيْشٍ بِحَمْدِ اللَّهِ، وَنَحْنُ فِي لَبَنٍ كَثِيرٍ وَلَحْمٍ كَثِيرٍ وَمَاءٍ طَيِّبٍ"، قَوْلُهُ: "اللَّهُمَّ بَارِكْ لَهُمْ فِي اللَّحْمِ وَالْمَاءِ"، فِي رِوَايَةِ إِبْرَاهِيمَ بْنِ نَافِعٍ: "قال: اللَّهُمَّ بَارِكْ لَهُمْ فِي طَعَامِهِمْ وَشَرَابِهِمْ، قَالَ: قَالَ أَبُو الْقَاسِمِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: بَرَكَةٌ بِدَعْوَةِ إِبْرَاهِيمَ"، وَفِيهِ حَذْفٌ تَقْدِيرُهُ: فِي طَعَامِ أَهْلِ مَكَّةَ وَشَرَابِهِمْ بَرَكَةٌ.

قَوْلُهُ: "فَهُمَا لَا يَخْلُو عَلَيْهِمَا أَحَدٌ بِغَيْرِ مَكَّةَ إِلَّا لَمْ يُوَافِقَاهُ"، فِي حَدِيثِ أَبِي جَهْمٍ :"لَيْسَ أَحَدٌ يَخْلُو عَلَى اللَّحْمِ وَالْمَاءِ بِغَيْرِ مَكَّةَ إِلَّا اشْتَكَى بَطْنَهُ"، وفِي حَدِيثِ عَطَاءِ بْنِ السَّائِبِ نَحْوَهُ: "فَقَالَتِ: انْزِلْ رَحِمَكَ اللَّهُ فَاطْعَمْ وَاشْرَبْ، قَالَ: إِنِّي لَا أَسْتَطِيعُ النُّزُولَ. قَالَتْ: فَإِنِّي أَرَاكَ أَشْعَثَ أَفَلَا أَغْسِلُ رَأْسَكَ وَأَدْهُنُهُ. قَالَ: بَلَى إِنْ شِئْتِ، فَجَاءَتْهُ بِالْمَقَامِ وَهُوَ يَوْمَئِذٍ أَبْيَضُ مِثْلُ الْمَهَاةِ وَكَانَ فِي بَيْتِ إِسْمَاعِيلَ مُلْقًى، فَوَضَعَ قَدَمَهُ الْيُمْنَى وَقَدَّمَ إِلَيْهَا شِقَّ رَأْسِهِ وَهُوَ عَلَى دَابَّتِهِ فَغَسَلَتْ شِقَّ رَأْسِهِ الْأَيْمَنَ، فَلَمَّا فَرَغَ حَوَّلَتْ لَهُ الْمَقَامَ حَتَّى وَضَعَ قَدَمَهُ الْيُسْرَى وَقَدَّمَ إِلَيْهَا بِرَأْسِهِ فَغَسَلَتْ شِقَّ رَأْسِهِ الْأَيْسَرَ، فَالْأَثَرُ الَّذِي فِي الْمَقَامِ مِنْ ذَلِكَ ظَاهِرٌ فِيهِ مَوْضِعُ الْعَقِبِ وَالْأُصْبُعِ" (انتهى كلام ابن حجر -رحمه الله-).

 وهذا الحديث يدل على صفات المرأة الصالحة الراضية بعيشها وبما رزق الله، التي تثني على الله -سبحانه وتعالى-، والتي تكرم ضيوف زوجها ولا تستخف بهم، وإنما تسعى في خدمتهم وإن لم تكن تعرفهم؛ حتى غسلت رأس إبراهيم -عليه الصلاة والسلام-، وعرضت عليه النزول الذي لم تعرضه المرأة الأولى، فالمرأة الصالحة هي القنوعة، كما قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: (قَدْ أَفْلَحَ مَن أَسْلَمَ، وَرُزِقَ كَفافًا، وَقَنَّعَهُ اللَّهُ بما آتاهُ) (رواه مسلم)، فمَن كانت راضية قنوعة صابرة رغم أن حالها يشكوه غيرها، ويراه ضيقًا وشدة، ولكن من نعمة الله على العبد والأَمَة أن يرضيا بما رزق الله -سبحانه وتعالى-، فأمره إبراهيم -عليه السلام- أن يثبِّت عتبة بابه، ودعا لهم في طعامهم وشرابهم، وهكذا البركة تحصل بدعوات الصالحين.

وللحديث بقية -إن شاء الله-.