• الرئيسية
  • المقالات
  • نقد الكهنوت الصوفي (2) كيف يتعامل "الكهنوت الصوفي" مع مخالفيه؟ (ضرب الشيخ الفرغل الصوفي للإمام ابن حجر وإجباره على بيع الحشيش أنموذجًا!)

نقد الكهنوت الصوفي (2) كيف يتعامل "الكهنوت الصوفي" مع مخالفيه؟ (ضرب الشيخ الفرغل الصوفي للإمام ابن حجر وإجباره على بيع الحشيش أنموذجًا!)

  • 629

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد؛  

فقد قدَّمتُ في المقالة السابقة: كيف وصل الحال بالطرق الصوفية من الصورة الكهنوتية ‏التي تعطي الشيخ صاحب السند حق التجربة والاختراع في الذِّكْر والعبادة، ثم تلزم ‏المريد ألا يفعل هذا إلا بإذن، وأن مَن لم يستأذن فهو كاللقيط!

ومن المغالطات المنهجية: أنك إذا بيَّنت فساد عقيدة أو فكر أو سلوك عند أحد، حاد عن ‏الجواب إلى أمورٍ، منها:

‏1- ذكر محاسن له في أبواب أخرى، وإذا قبلت تلك المحاسن في الأبواب الأخرى؛ فماذا ‏عساها أن تفيد في مسألتك؟!

ومن أكثر ما يتترس به الصوفية من النقد: حسن أخلاقهم، وحبهم لجميع الخلق، و‏تسامحهم! وهذا لا يفيد في بحث مدى شرعية أو بدعية مسألة؛ فضلًا أنه غير حقيقي، ومحنة ابن حجر مع الصوفية تشهد بهذا -كما سنبين في هذه المقالة-.

‏ 2- ذكر محاسن أسلافه كما يهرع الصوفية إلى النقل عن الزُّهَّاد الأوائل أو حتى عن ‏شيوخ الصوفية المشهود لهم بفعل السنة وترك البدعة كالجنيد، ونحن أول مَن يطالبهم ‏أن يكونوا على طريقتهم كما طالبهم من قَبْل: شيخ الإسلام ابن تيمية، والحافظ ابن حجر -‏كما سيأتي كلامه في النقاط التالية-.

‏3- ومما يحتج به بعض المنتسبين للتصوف: أن هذا هو منهج الأزهر من ألف عام، وهو احتجاج ليس منضبطًا تاريخيًّا، ولا ‏يمكن الجزم بأنه على طول تاريخه بعد ذلك كان مناصرًا لانحرافات الصوفية، يمكن أن ‏يقال: إن الأزهر اعتمد التصوف كعلمٍ من العلوم، يسد جانب السلوك، ولكن لا يمكن أن ‏يقال: إن الأزهر عبر تاريخه رضي بهذه الانحرافات!

وأعظم شاهد على هذا: الحافظ ابن حجر، أعظم مَن انتسب إلى الأزهر عبر تاريخه، ولا ‏يُقبل تصوفٌ إلا باعتباره علم سلوك، مقيَّد من ألفه إلى يائه بالكتاب والسنة.

‏4- لقد استوقفني الروايات التي يذكرون فيها إذلال الشيخ الصوفي الذي يسمَّى: "الفرغل"، و‏هي بقدر ما تدل على مقدار الانحراف عند الصوفية تدل أيضًا على أنهم لديهم غل تجاه ‏الحافظ ابن حجر، فرَّغوه في قصص لا نظن أنها حدثت بالفعل.‏

وما زلت أقول: إن الغرض من هذه الردود إيقاف شهية بعض المتصوفة في التوسع ‏في هذه الانحرافات مرة ثانية؛ مما قد يعرض الشباب لفتنة العالمانية والإلحاد، فإن كانوا ‏ولا بد منتسبين إلى التصوف فليكن تصوف الجنيد أو الحافظ ابن حجر (وهم ينسبونه ‏إلى التصوف)، لا تصوف الفرغل (إن كنت لا تعرف تصوف الفرغل فسيأتيك خبره بعد ‏قليل).

ولنبدأ باستعراض مواطن من إنكار ابن حجر انحرافات الصوفية، ونبدأ بالمسألة التي ‏نحن بصدد مناقشتها، وهي التجربة في الذكر.

‏موقف الإمام ابن حجر من التجربة في الذكر:

وقد ناقش هذه المسألة في كتابه: "بذل الماعون في فضل الطاعون"، فناقش خروج ‏الناس للدعاء في  صعيد واحد على هيئة صلاة الاستقساء، فقال: ‏"ووقع الاستفتاء عن ذلك؛ فأفتى بعض الناس بمشروعية ذلك، واستند فيه إلى ‏العمومات الواردة في الدعاء، واستند آخر إلى أنه وقع في زمن الملك المؤيد وأجدى ‏ذلك، وحضره جمع من العلماء فما أنكروه؟ وأفتى جماعة من العلماء بأن ترك ذلك أولى؛ لما يخشى من الفتنة به، إثباتًا ونفيًا؛ ‏لأنه إن أجدى لم يأمن خطر الدعوى، وإن لم يجدِ لم يأمن سوء الظن بالعلماء ‏والصلحاء والدعاء. ونحوتُ هذا النحو في جوابي.

وأضفت إلى ذلك: أنه لو كان ‏مشروعًا، ما خَفِيَ على السلف ثم على فقهاء الأمصار وأتباعهم، في الأعصار ‏الماضية، فلم يبلغنا في ذلك خبر ولا أثر عن المحدثين، ولا فرع مسطور عن أحدٍ من ‏الفقهاء، وألفاظ الدعاء وصفات الداعي لها خواص وأسرار، يختص بها كل حَادِث بما ‏يليق به. والمعتمد في ذلك: الاتباع، ولا مدخل للقياس في ذلك".

ثم ناقش بعض الآثار الواردة عن السلف في مواقف مشابهة، وهل تصلح أن يستدل بها ‏هنا أم لا؟ وهذا من تمام اتباعه، فإنه بعد أن قرر أن الأصل الاتباع، وأن جُلَّ العلماء ‏كانوا يحملون ما ورد عن الصحابة والتابعين في مثل هذه الأبواب، أنه لا بد وأن يكون ثبت ‏لهم عن النبي -صلى الله عليه وسلم-، فانظر إلى جواب الحافظ مع أنه يتحدث عن أقوام خرجوا يدعون بأدعية أصلها ثابت ‏ومعناها معلوم، وما فيها من تضرع إلى الله وطلب لكشف البلاء، فما بالنا بمَن يجوز الذكر بما لا يفهم معناه البتة، كما ذكرنا أمثلة لهذا في المقالة السابقة.

‏استنكار الإمام الحافظ ابن حجر على بعض الصوفية تسمية الأمور الشرعية الثابتة ‏أنها للعامة "لا سيما التوحيد" فقال: ‏(قَوْلُهُ: بَابُ مَا جَاءَ فِي دُعَاءِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أُمَّتَهُ إِلَى تَوْحِيدِ اللَّهِ -تَعَالَى-: الْمُرَادُ بِتَوْحِيدِ اللَّهِ -تَعَالَى- الشَّهَادَةُ بِأَنَّهُ إِلَهٌ وَاحِدٌ، وَهَذَا الَّذِي يُسَمِّيهِ بَعْضُ غُلَاةِ الصُّوفِيَّةِ: ‏تَوْحِيدَ الْعَامَّةِ، وَقَدِ ادَّعَى طَائِفَتَانِ فِي تَفْسِيرِ التَّوْحِيدِ أَمْرَيْنِ اخْتَرَعُوهُمَا، أَحَدُهُمَا: تَفْسِيرُ ‏الْمُعْتَزِلَةِ كَمَا تَقَدَّمَ. ثَانِيهُمَا: غُلَاةُ الصُّوفِيَّةِ، فَإِنَّ أَكَابِرَهُمْ لَمَّا تَكَلَّمُوا فِي مَسْأَلَةِ الْمَحْوِ وَالْفَنَاءِ، ‏وَكَانَ مُرَادُهُمْ بِذَلِكَ الْمُبَالَغَةَ فِي الرِّضَا وَالتَّسْلِيمِ وَتَفْوِيضِ الْأَمْرِ، بَالَغَ بَعْضُهُمْ حَتَّى ‏ضَاهَى الْمُرْجِئَةَ فِي نَفْيِ نِسْبَةِ الْفِعْلِ إِلَى الْعَبْدِ، وَجَرَّ ذَلِكَ بَعْضُهُمْ إِلَى مَعْذِرَةِ الْعُصَاةِ ثُمَّ ‏غَلَا بَعْضُهُمْ، فَعَذَرَ الْكُفَّارَ ثُمَّ غَلَا بَعْضُهُمْ، فَزَعَمَ أَنَّ الْمُرَادَ بِالتَّوْحِيدِ اعْتِقَادُ وِحْدَةِ الْوُجُودِ ‏وَعَظُمَ الْخَطْبُ حَتَّى سَاءَ ظَنُّ كَثِيرٍ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ بِمُتَقَدِّمِيهِمْ، وَحَاشَاهُمْ مِنْ ذَلِكَ، وَقَدْ قَدَّمْتُ ‏كَلَامَ شَيْخِ الطَّائِفَةِ الْجُنَيْدِ وَهُوَ فِي غَايَةِ الْحُسْنِ وَالْإِيجَازِ، وَقَدْ رَدَّ عَلَيْهِ بَعْضُ مَنْ قَالَ ‏بِالْوَحْدَةِ الْمُطْلَقَةِ، فَقَالَ: وَهَلْ مِنْ غَيْرٍ؟ وَلَهُمْ فِي ذَلِكَ كَلَامٌ طَوِيلٌ يَنْبُو عَنْهُ سَمْعُ كُلِّ مَنْ كَانَ ‏عَلَى فِطْرَةِ الْإِسْلَامِ وَاللَّهُ الْمُسْتَعَانُ)‏ (فتح الباري، 13/ 348‏).

شدة نقد الإمام الحافظ ابن حجر للقول بوحدة الوجود:

ومن النقل السابق يتبيَّن مقدار إنكار الإمام الحافظ ابن حجر للقول بوحدة الوجود، وفي ذلك أيضًا قال في شرح قوله -صلى الله عليه وسلم-: (الإِحْسَانُ أَنْ تَعْبُدَ اللَّهَ كَأَنَّكَ تَرَاهُ، فَإِنْ لَمْ تَكُنْ تَرَاهُ فَإِنَّهُ يَرَاكَ) (متفق عليه):‏ "‏وَأَقْدَمَ بَعْضُ غُلَاةِ الصُّوفِيَّةِ عَلَى تَأْوِيلِ الْحَدِيثِ بِغَيْرِ عِلْمٍ، فَقَالَ: فِيهِ إِشَارَةٌ إِلَى مَقَامِ ‏الْمَحْوِ وَالْفَنَاءِ، وَتَقْدِيرُهُ: فَإِنْ لَمْ تَكُنْ، أَيْ: فَإِنْ لَمْ تَصِرْ شَيْئًا وَفَنِيتَ عَنْ نَفْسِكَ حَتَّى كَأَنَّكَ ‏لَيْسَ بِمَوْجُودٍ، فَإِنَّكَ حِينَئِذٍ تَرَاهُ، وَغَفَلَ قَائِلُ هَذَا لِلْجَهْلِ بِالْعَرَبِيَّةِ... " (فتح الباري، 1/ 120‏).‏

 

ولكن لماذا لم يصرِّح ابن حجر في فتح الباري باسم ابن عربي؟‏

يذكر لنا تلميذه السخاوي (جهره) بالإنكار على ابن عربي، فقال: "وكذا كان ‌يجهر ‌بالإنكار ‌على ‌ابن ‌عربي ‌ومَنْ ‌نحا ‌نحوه (الجواهر والدرر في ترجمة شيخ الإسلام ابن حجر، 3/ 1047).

وهذا ما يبيِّن لك مقدار ما كان الصوفية أتباع بن عربي يرهبون به مَن يصرِّح بنقده، حتى ‏صار (الجهر) بالإنكار عليه يستحق الذكر، ولعل تلك القصة المطولة التي يرويها السخاوي ‏أيضًا تبيِّن مقدار الفتنة في ذلك.

قال السخاوي: "ومع وُفور حلمه، وعدم سرعة غضبه، فكان سريعَ الغضبِ في اللَّه ورسوله، ويصرح -كما سلف في أول أجوبته في الفصل الخامس مِنَ الباب السادس، باقتداء النَّاس في هذه الأزمان بأولي الجهل، وعدم معرفة الحقِّ، وسيادةِ الوَضيع، وتغيُّر الأحوال، حتَّى عاد الدِّينُ غريبًا، إلى غير ذلك ممَّا يشهدُ لصدعه بالحقِّ، وعدم المبالاة في اللَّه تعالى، ‌واتَّفق -‌كما ‌سمعتُه ‌منه ‌مرارًا- ‌أنَّه ‌جَرَى ‌بينه ‌وبين ‌بعض ‌المحبِّين لابن عربي منازعة كثيرة في أمرِ ابن عربي، أدَّت إلى أن نال شيخُنا مِنَ ابنِ عربي لسُوء مقالته، فلم يسهل بالرَّجُلِ المنازع له في أمره، وهدَّده بأن يُغْرِيَ به الشيخ صفاء الذي كان الظَّاهرُ برقوق يعتقدُه، ليذكرَ للسُّلطان أنَّ جماعة بمصر منهم فلان يذكرون الصَّالحين بالسوء، ونحو ذلك، فقال له شيخنا: ما للسُّلطان في هذا مدخَلٌ، لكن تعالَ نتباهل... " (الجواهر والدرر في ترجمة شيخ الإسلام ابن حجر، 3/ 1001-1002)، ثم ذكر أمر المباهلة وكيف عمي هذا ‏المباهل.

استنكار الإمام ابن حجر لغناء ورقص الصوفية:

قال الحافظ -رحمه الله- في "فتح الباري" نقلًا عن القرطبي: ‏"أَمَّا مَا ابْتَدَعَهُ الصُّوفِيَّةُ فِي ذَلِكَ، فَمِنْ قَبِيلِ مَا لَا يُخْتَلَفُ فِي تَحْرِيمِهِ، لَكِنَّ النُّفُوسَ ‏الشَّهْوَانِيَّةَ غَلَبَتْ عَلَى كَثِيرٍ مِمَّنْ يُنْسَبُ إِلَى الْخَيْرِ حَتَّى لَقَدْ ظَهَرَتْ مِنْ كَثِيرٍ مِنْهُمْ فِعْلَاتُ ‏الْمَجَانِينِ وَالصِّبْيَانِ حَتَّى رَقَصُوا بِحَرَكَاتٍ مُتَطَابِقَةٍ وَتَقْطِيعَاتٍ مُتَلَاحِقَةٍ، وَانْتَهَى التَّوَاقُحُ ‏بِقَوْمٍ مِنْهُمْ إِلَى أَنْ جَعَلُوهَا مِنْ بَابِ الْقُرَبِ وَصَالِحِ الْأَعْمَالِ، وَأَنَّ ذَلِكَ يُثْمِرُ سِنِيِّ الْأَحْوَالِ، ‏وَهَذَا عَلَى التَّحْقِيقِ مِنْ آثَارِ الزَّنْدَقَةِ وَقَوْلُ أَهْلِ الْمُخَرِّفَةِ. وَاللَّهُ الْمُسْتَعَانُ"، ثم قال: "وَيَنْبَغِي أَنْ يُعْكَسَ مُرَادهم وَيقْرَأ: سيئ" (فتح الباري، 2/ 443). يعنى أن أفعلهم تثمر "سيئ الأحوال"، لا "سني الأحوال!".

وقال: ‏"اسْتَدَلَّ قَوْمٌ مِنَ الصُّوفِيَّةِ بِحَدِيثِ الْبَابِ عَلَى جَوَازِ الرَّقْصِ، وَسَمَاعِ آلَاتِ الْمَلَاهِي، ‏وَطَعَنَ فِيهِ الْجُمْهُورُ بِاخْتِلَافِ الْمَقْصِدَيْنِ، فَإِنَّ لَعِبَ الْحَبَشَةِ بِحِرَابِهِمْ كَانَ لِلتَّمْرِينِ عَلَى ‏الْحَرْبِ فَلَا يُحْتَجُّ بِهِ لِلرَّقْصِ فِي اللَّهْو. وَالله أعلم"‏ (فتح الباري، 6/ 553‏).

قصة الشيخ الفرغل مع الإمام ابن حجر:

قال الشعراني في طبقات الصوفية: "ومنهم: سيدي الشيخ محمد بن أحمد الفرغل -رضي الله تعالى عنه- مِن الرجال ‏المتمكنين أصحاب التصريف" ثم قال: ‏"ومِن كراماته :‏مرَّ عليه شيخ الإسلام ابن حجر -رضي الله عنه- بمصر يومًا حين جاء في شفاعة ‏لأولاد عمر، (فقال في سرِّه): ما اتَّخذ الله مِن وليٍّ جاهل، ولو اتَّخذه لعلَّمه -على ‏وجه الإنكار عليه-، فقال له: قف يا قاضي، فوقف فمسكه وصار يضربه! ويصفعه ‏على وجهه! ويقول: بل اتَّخذني وعلَّمني" (انتهى).

الشعراني يروي عن كثيرٍ مِن الصوفية فعل منكرات والمجاهرة بها، وعدَّها مِن ‏الكرامات، ولهم في الدفاع عنها تأويلات سخيفة، أو محاولة إيهام: أنه لعل هناك شيئًا أنت لا تعرفه، ‏فأحسِن الظن بالأولياء مع أن كثيرًا منهم ممتنع عن التأويل، لكن إن اتسعت صدورهم وعقولهم لتأويل مثل هذه المخازي، فكيف اتسعت صدروهم ‏لقبول ضرب وصفع الحافظ ابن حجر عقابًا له على خاطرة خطرت بباله؟!

وأين تسامح الصوفية؟!

وأين اعتبار المنهج الصوفة ضمانة من انتشار الإرهاب؟!

وأين احترام الصوفية للعلماء؟!

وأين السِّلْم الاجتماعي؟!

وأين عقول مَن يروون هذه الأخبار على أنها كرامات؟!

وليست هذه هي الواقعة الوحيدة بين الحافظ ابن حجر والفرغل، فهم يذكرون في ‏دروسهم المتناقلة على الإنترنت قصة أخرى تقول: "إن الفرغل كان يبيع الحشيش أمام باب الجامع الأزهر وقت الصلاة، واستنكر الحافظ ابن حجر (في نفسه) أن يقال عن الفرغل: "ولي"، وهو يبيع الحشيش ‏على باب المسجد (هنا الحافظ ابن حجر وهو حافظ الدنيا اكتفى بالإنكار القلبي على مَن ‏يبيع الحشيش أمام المسجد وقت الصلاة!)، وتمضي القصة لتقول: إن الفرغل عاقبه بأن أنساه الفاتحة، ولم يعفو عنه ويردها إليه ‏حتى باع الحشيش معه، وبعد أن أذعن الحافظ ابن حجر وباع الحشيش!

لاحظ أنه باع معه الحشيش دون أن يعرف الحِيلَة -أي وهو يراه من الكبائر-، ولكن ماذا يصنع أيعيش حياته دون عِلْمٍ بالفاتحة؟! فقد محاها الفرغل من رأسه، ولن يردها إليه إلا بهذا ‏الشرط!‏ ثم بعد ما أذعن بيَّن له "الفرغل" حينها أنه يبيع حشيشًا رديئًا يجعل مَن يتعاطاه يكرهه و‏يقلع عنه، ولكن الفرغل لم يبيِّن لنا: لماذا اختار وقت الصلاة "وأمام باب المسجد"؟!

طالما القصة: أنه ‏أسباب ظاهرة، وصِنْف فَاسِد؛ فلماذا يضيع الصلاة؟!

ولكن دعنا نقف عند كارثتين مشتركتين في كلٍّ مِن القصتين:

1- في كل مرة لم يجرؤ الحافظ (وَفْق ما تقول القصة إلا على الإنكار القلبي)، ومع هذا عَلِمَ به الفرغل! فهل ينسبون له علمه ما في ضمائر الناس؟!

‏2- غضب البعض حينما قلنا: إن اختراع الشيخ لدعاء، واشتراطه على المريدين أخذ ‏الإذن منه هو نوع من "الكهنوت"؛ فماذا يقولون على الإذلال العمدي لرجلٍ في قيمة الحافظ ابن حجر بإجباره على فعل ما ‏يراه كبيرة، وعلى الملأ؟!

أظن هذا قد تجاوز "الكهنوت" بمراحل!

‏3- "الضرب - السب - العدوان على عقل الحافظ ابن حجر - إبطال صلاته وصلاة ‏المأمومين  خلفه - إجباره على فعل مشين علنًا"؛ هذه قائمة عقوبات صغيرة أوقعها "الفرغل" على مَن حدَّثَتْه نفسه (بالمعنى الحرفي لكلمة: ‏"حدثته نفسه") أن ينتقده! ثم نتكلم عن الحب الصوفي؟!

وأختم مقالتي الثانية هذه بما ختمتُ به الأولى:

فهل نأمل أن يكون طريق المراجعات بديلًا عن التَّقِيَّة والطمأنة وبقاء تربية الأتباع ‏‏على ‏المعاني الفاسدة والتي تضر الأمة؟! لا سيما في ظل ما نلمسه من الارتباط الطردي ‏بين انتشار ‏الخرافة، ‏وانتشار العالمانية والإلحاد من الجانب الآخر. ‏

وللحديث بقية -بإذن الله تعالى-.