رسالة إلى أخي الجزار

  • 187

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد؛

أخي الجزار... كل عام وأنت بخير، وإلى الله أقرب.

اعلم أخي الحبيب... أن عبادة ‌النُّسُك والذبح لله -عز وجل-، عبادة جليلة عظيمة، لا تُصْرَف إلا لله -تبارك وتعالى-، قال الله -تعالى-: (فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ) (الكوثر:2)، فمَن ذبح لغير الله فقد أشرك بالله -سبحانه وتعالى-.

ونحن مقبِلون على موسم عظيم من مواسم الطاعات والعبادات (وهو عشر ذي الحجة، وركن الحج)، فيكثر في هذه الأوقات الفاضلة: الذبح والنحر لله -تبارك وتعالى-، والتقرُّب إلى الله ببذل لحوم الهدي والأضاحي والعقائق، والتصدق باللحم على الفقراء والمساكين والمحتاجين.

وهذا الذبح يجب على مَن يمارسه أن يتعلم فقهه ويتقنه، حتى يكون ناصحًا لنفسه ولإخوانه.

وقد يقع بعض إخواننا الجزارين (خصوصًا في هذا الزَّمن الشريف) في مخالفاتٍ شرعيةٍ متعلقةٍ بأمر الذبح والأضاحي، مِن حقهم علينا أن ننصح لهم، ونبيِّن لهم حكم الشرع فيها.

فمِن هذه المخالفات التي يجب التنبيه عليها: 

1- أن بعض الجزارين يأتيهم مَن يريد شراء أضحية يختارها ويسأل عن ثمن الكيلو منها ثم يدفع عربونًا لحجزها دون أن يعرف ثمنها النهائي، ويتركها عند الجزار -لعدم وجود مكان عنده مثلًا-، ثم يتم وزنها ليلة العيد أو ما قارب ذلك ويدفع المتبقي من الثمن بعد خصم العربون، ومثل هذه الصورة المنتشرة لا تحل ولا تجوز شرعًا؛ لأن هذا البيع فيه غرر وجهالة بثمن الأضحية، ومعرفة ذلك شرط في صحة البيع والعقد.

وإنما المشروع والجائز في ذلك:

أ- أن يقوم المشتري بشراء الأضحية من الجزار في الوقت الحاضر بوزنها الحالي، ثم يتركها عنده ويعطيه ثمن علفها ورعايتها إلى يوم الذبح.

ب- أو أن يكون هناك وعد بالشراء من المشتري للجزار دون أن يتم دفع عربون، ثم عند استلامها يتم وزنها ودفع ثمنها، وتصبح ملكًا للمشتري، لا أن تعتبر في ملكه وضمانه بمجرد دفع العربون دون تحديد الثمن النهائي لها.

ج- كما يجوز أن يقسَّط ثمنها ما دام تم البيع على ثمن معلوم ومقطوع به بين المشتري والجزار، وله أن يتركها عنده يسمِّنها له نظير أجرة للرعاية وثمن العلف.

2- شراء بعض الجزارين لجلود الأضاحي ليبيعها بعد ذلك ويتربح منها، ولا يجوز ذلك، فإن ما كان نُسُكًا: كالهدي والأضحية والعقيقة، لا يجوز بيع شيء منه.

3- الاتفاق على أن يكون جلد الأضحية أو شيء من الأضحية من أجرة الذبح؛ وهذا لا يصح؛ لحديث علي بن أبي طالب -رضي الله عنه- قال: "أَمَرَنِي رسولُ اللَّه -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أَنْ أقومَ على بَدَنَةٍ، وأنْ أقْسِمَ جُلودَها وجِلَالَها، وأنْ لا أُعْطِىَ الجازِرَ منها شيئًا، وقال: نَحْنُ نُعْطِيهِ مِنْ عِنْدِنَا" (متفق عليه)، أما إذا أعطى المضحي للجزار شيئًا من اللحم أو الجلد على أنه هدية أو لأجل فقر الجزار وحاجته دون اشتراط، فيجوز.

4- يقوم بعض الجزارين بتجميع عددٍ مِن المشتركين لشراء عجل أو جمل والتضحية به دون اعتبار لعدد المشتركين، أو أن يشترك أحدهم بأقل من سبع بقرة كأضحية، فهذا خطأ؛ إذ لا يجزئ أقل مِن سبع بَدَنَة أو بقرة عن المضحي، فيجوز أن يشترك فيها سبعة أشخاص أو أقل، لكن لا يجوز أن يكون العدد أكثر من سبعة.

5- قد يأتي مَن يريد شراء أضحية ولا يعلم شروط الأضحية من اشتراط السن الواجب أن يتوافر فيها، والسلامة من العيوب المانعة من الإجزاء؛ فيبيع له الجزار دون أن يخبره بأن هذه البهيمة لا تصلح للأضحية؛ إما لعيبٍ فيها، أو لعدم وصولها للسن المجزئ في الأضحية؛ إذ لا تصح الأضحية إلا بمسنَّة -كما قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، وهي ما سقطت أسنانها اللبنية، وهذا في الإبل لما له خمس سنين ودخل في السنة السادسة، وفي البقر -وكذا الجاموس- ما كانت لها سنتان ودخلت في الثالثة، ومن الماعز ما لها سنة ودخلت في الثانية، وأما الضأن خاصة فيُجزئ فيه الجذع، وهو ما أتم ستة أشهر، وهذه الشروط لازمة وواجبة في الهدي والأضحية والعقيقة.

ومما يلزم أن يُراعَى عند الذبح من الشروط والواجبات والآداب  

- إخلاص النية لله تعالى: قال الله -عز وجل-: (قُلْ إِنَّ صَلَاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ . لَا شَرِيكَ لَهُ وَبِذَلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَاْ أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ) (الأنعام: 162-163).

- استقبال القبلة، والتسمية، والتكبير عند الذبح: قال الله -تعالى-: (وَلا تَأْكُلُوا مِمَّا لَمْ يُذْكَرِ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ وَإِنَّهُ لَفِسْقٌ وَإِنَّ الشَّيَاطِينَ لَيُوحُونَ إِلَى أَوْلِيَائِهِمْ لِيُجَادِلُوكُمْ وَإِنْ أَطَعْتُمُوهُمْ إِنَّكُمْ لَمُشْرِكُونَ) (الأنعام:121)، فإن سُمِّي غير اسم الله أو تُرِكَتِ التسمية عمدًا؛ فلا تحل هذه الذبيحة، أما إن تركت نسيانًا فتحل.

وعن أنس بن مالك -رضي الله عنه- قال: "ضَحَّى النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بِكَبْشَيْنِ أَمْلَحَيْنِ، فَرَأَيْتُهُ وَاضِعًا قَدَمَهُ عَلَى صِفَاحِهِمَا، يُسَمِّي وَيُكَبِّرُ، فَذَبَحَهُمَا بِيَدِهِ" (متفق عليه).

 - أن يحد الجزار شفرته وسكينه، على أن لا يحد ويسن السكين بحضرة الذبيحة، بل يخفيها عن نظرها؛ لحديث شداد بن أوس رضي الله عنه أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: (وَلْيُحِدَّ أَحَدُكُمْ شَفْرَتَهُ(رواه مسلم)، وقال -صلى الله عليه وسلم- لأم المؤمنين عائشة -رضي الله عنها-: (يَا عَائِشَةُ، هَلُمِّي الْمُدْيَةَ -يعني السكين-)، ثم قال: (اشْحَذِيهَا بِحَجَرٍ)، ثُمَّ أَخَذَهَا. (رواه مسلم). وعن عبد الله بن عمر -رضي الله عنهما- قال: "أَمَرَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بِحَدِّ الشِّفَارِ -جمع شفرة، وهي السكين- وَأَنْ تُوَارَى عَنِ الْبَهَائِمِ" (رواه ابن ماجه، وصححه الألباني).

وعن ابن عباس -رضي الله عنهما- قال: "مَرَّ رَسُولُ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عَلَى رَجُلٍ وَاضِعٍ رِجْلَهُ عَلَى صَفْحَةِ شَاةٍ، وَهُوَ يَحُدُّ شَفْرَتَهُ، وَهِيَ تَلْحَظُ إِلَيْهِ بِبَصرِها، قَالَ: (أَفَلاَ قَبْلَ هَذَا؟! أَوَتُرِيدُ أَنْ تُمِيتَهَا مَوْتَتَيْنِ؟!)، وفي رواية: (أَتُرِيدُ أَنْ تُمِيتَهَا مَوْتاتٍ؟! هلاَّ حَدَدْتَ شَفْرَتَكَ قَبْلَ أَنْ تُضْجِعَهَا؟!) (رواه الطبراني والحاكم، وصححه الألباني).

- أن يريح الجزار الذبيحة ويحسن إليها، ويسوقها إلى مذبحها سوقًا جميلًا؛ لقول النبي -صلى الله عليه وسلم-: (إِنَّ اللَّهَ -تَبَارَكَ وَتَعَالَى- كَتَبَ الْإِحْسَانَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ فَإِذَا قَتَلْتُمْ فَأَحْسِنُوا الْقِتْلَةَ وَإِذَا ذَبَحْتُمْ فَأَحْسِنُوا الذَّبْحَ، وَلْيُحِدَّ أَحَدُكُمْ شَفْرَتَهُ وَلْيُرِحْ ذَبِيحَتَهُ(رواه مسلم)، فليضجعها على جنبها الأيسر، ويضع رجله على الجانب الأيمن مننها؛ ليكون أسهل في أخذ السكين باليمين، وإمساك رأسها باليسار.

وعن عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- أنه: "رأى رجلًا يَجُرُّ شاة ليذبحها؛ فضربه بالدِّرة -أي: العصا-، وقال: سُقها -لا أمَّ لك- إلى الموت سَوْقًا جميلًا!" (أخرجه البيهقي بسندٍ صحيحٍ).

- أن يستقبل القبلة ويوجِّه الذبيحة إليها، وهذا مستحب في كل ذبيحة.

- التزام السُّنَّة في الذبح: فينحر الإبل قائمة مقيَّدة الرِّجل اليسرى.

والنحر معناه: أن يطعن بالسكين في لبة الجمل التي تكون بين أصل العنق والصدر؛ لقوله -تعالى-: (وَالْبُدْنَ جَعَلْنَاهَا لَكُمْ مِنْ شَعَائِرِ اللَّهِ لَكُمْ فِيهَا خَيْرٌ فَاذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ عَلَيْهَا صَوَافَّ فَإِذَا وَجَبَتْ جُنُوبُهَا فَكُلُوا مِنْهَا وَأَطْعِمُوا الْقَانِعَ وَالْمُعْتَرَّ) (الحج:36)، أي: قيامًا من ثلاث، ومرَّ عبد الله بن عمر -رضي الله عنهما- على رجلٍ أناخ بدنته لينحرها، فقال: "ابْعَثْهَا قِيَامًا مُقَيَّدَةً، سُنَّةَ مُحَمَّدٍ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-" (متفق عليه).

- أن يسرع إمراره السكين على عنق الشاة عند الذبح تيسيرًا عليها، وأن يقطع من الحيوان: الحلقوم -وهو: مجرى النفس-، والمريء -وهو: مجرى الطعام-، والودجين -وهما: عرقان متقابلان محيطان بالحلقوم-؛ لحديث رافع بن خديج -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: (مَا أَنْهَرَ الدَّمَ، وَذُكِرَ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ فَكُلُوهُ، لَيْسَ السِّنَّ وَالظُّفُرَ(متفق عليه).

جزاك الله خيرًا، وتَقَبَّل الله منا ومنك.