زاد الداعية

  • 33

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد؛  

فإن القرآن هو المصدر الأول للتشريع، كتاب نور وحياة ومنهاج، أنزله العزيز الحكيم من فوق سبع سماوات، نزل على القلوب لحياة القلوب، وأحق الناس للانتفاع به: الدعاة وأهل الصلاح، بالتفكر في معانيه والتدبر لآياته.

ومع زاد الداعية من خلال آية في سورة طه، حوت الكثير والكثير من المعاني، قال الله -تعالى-: (اذْهَبْ أَنتَ وَأَخُوكَ بِآيَاتِي وَلَا تَنِيَا فِي ذِكْرِي) (طه:42).

- (اذْهَبْ):

دعوة للحركة والنشاط في نشر الدعوة، وتبليغ رسالة رب العالمين إلى الناس جميعًا بحسب الطاقة والمقدرة، ولنا في رسول الله -صلى الله عليه وآله وسلم- الأسوة والقدوة في الدعوة في الأسواق والمنتديات، وأندية قريش حتى في موسم اجتماع الناس كموسم الحج الذي كان خير شاهدٍ على ذلك، ومَن كثرة تنقله تعجب المشركون، (وَقَالُوا مَالِ هَذَا الرَّسُولِ يَأْكُلُ الطَّعَامَ وَيَمْشِي فِي الْأَسْوَاقِ لَوْلَا أُنْزِلَ إِلَيْهِ مَلَكٌ فَيَكُونَ مَعَهُ نَذِيرًا) (الفرقان7).

وحين ضُيِّق عليه في الدعوة بمكة خرج إلى الطائف، وحين اشتد الضيق والأذى كانت الهجرة للمدينة، فدعوته لم تتوقف وسعيه لم ينقطع.

- (أَنتَ وَأَخُوكَ):

ما أحوج الداعية إلى العمل الجماعي!

إلى مَن يؤنسه في طريق الخير والدعوة إلى الله.

حين كُلِّف موسى -عليه السلام- بالرسالة شعر باحتياجه لمَن يسانده في تلك المهمة العظيمة فسأل ربه: (وَاجْعَلْ لِي وَزِيرًا مِنْ أَهْلِي . هَارُونَ أَخِي . اشْدُدْ بِهِ أَزْرِي . وَأَشْرِكْهُ فِي أَمْرِي) (طه:29-32)، فكانت أعظم شفاعة في الدنيا؛ طلب النبوة لأخيه للمعاونة على الطاعة والتبليغ عن الله، وجاء الأمر في القرآن بالتعاون على البر والتقوى، فالعمل الجماعي أرجى وأنفع، فالتكاتف في سدِّ الرقع في سفينة الأمة يحتاج إلى التخصص والتنوع، فما أكثر الثغور، وما أقل الحراس!

- (بِآيَاتِي):

الربانية في الدعوة إلى الله، والبصيرة التي ذكرها الله في كتابه: (قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللَّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي وَسُبْحَانَ اللَّهِ وَمَا أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ) (يوسف:108)، الوحي نور ما أسرع تسللـه للقلوب، وأعظم تأثيرًا من كلام البشر حين تكلَّم عتبة بين يدي رسول الله مرغِّبًا ومرهِّبًا النبي لترك الدعوة والانشغال عنها بالمال والنساء والمُلك، قرع أذنيه بفواتح سورة فصلت فوقف الطاغية وقد تزلزلت أركانه قد غرَّ فاه يناشده الله والرحم أن يسكت عائدًا إلى قومه بوجهٍ غير الذي ذهب به، واصفًا ما سمع بأن له لحلاوة، وإن عليه لطلاوة، وإنه يعلو ولا يعلو عليه.

- (وَلَا تَنِيَا فِي ذِكْرِي):

قال علي بن أبي طلحة عن ابن عباس -رضي الله عنهما-: "لا تبطئا".

وقال مجاهد عن ابن عباس: "لا تضعفا".

والمراد أنهما لا يفتران في ذكر الله، بل يذكران الله في حال مواجهة فرعون، ليكون ذكر الله عونًا لهما عليه، وقوة لهما، وسلطانًا كاسرًا له.

فمع القيام بحق الدعوة إلى الله، يحتاج المرء إلى زادٍ في طريقه الشاق، وما يعينه في طريقه من أذى الناس؛ لذلك كان الأمر للنبي -صلى الله عليه وسلم- في أوائل ما نزل من القرآن: (قُمِ اللَّيْلَ) (المزمل:2)، سبحان الله! لم ينزل مِن القرآن سوى بضع آيات ويأتي الأمر بالعبادة في خضم الدعوة إلى الله، وكأن هذا زاده وفي هذا العون على تحمل مشاق الدعوة وصعابها، بل الذكر زاد في تحمل مشاق الحياة، ففي الصحيحين من حديث علي -رضي الله عنه- أن فاطمة -رضي الله عنها-: شَكَت ما تلقى في يدها من الرحى، فأتت النبي -صلى الله عليه وسلم- تسأله خادمًا فلم تجده، فذكرت ذلك لعائشة، فلما جاء أخبرته، قال: فَجَاءَنَا وَقَدْ أَخَذْنَا مَضَاجِعَنَا، فَذَهَبْتُ أَقُومُ، فَقَالَ: (مَكَانَكِ) فَجَلَسَ بَيْنَنَا حَتَّى وَجَدْتُ بَرْدَ قَدَمَيْهِ عَلَى صَدْرِي، فَقَالَ: (أَلاَ أَدُلُّكُمَا عَلَى مَا هُوَ خَيْرٌ لَكُمَا مِنْ خَادِمٍ؟ إِذَا أَوَيْتُمَا إِلَى فِرَاشِكُمَا، أَوْ أَخَذْتُمَا مَضَاجِعَكُمَا، فَكَبِّرَا ثَلاَثًا وَثَلاَثِينَ، وَسَبِّحَا ثَلاَثًا وَثَلاَثِينَ، وَاحْمَدَا ثَلاَثًا وَثَلاَثِينَ، فَهَذَا خَيْرٌ لَكُمَا مِنْ خَادِمٍ) (رواه البخاري).

فاللهم لا تحرمنا مِن الدعوة إليك، والدلالة عليك، أنت ولي ذلك والقادر عليه.

وصلِّ اللهم وسلم وبارك على رسولنا المعلِّم -صلى الله عليه وسلم-.