الفساد (100) أين دور الزراعة في الاقتصاد المصري؟ (2)

  • 38

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد؛

فرغم أن الزراعة كانت -وما زالت- المصدر الرئيسي للغذاء والطعام، بل وللكثير من أنواع الصناعات القائمة عليها بما فيها صناعات غذائية، وأقمشة ومنسوجات، وملابس وكساء، ورغم أن الأراضي الزراعية عبر التاريخ تعد منبعًا دائمًا لا ينضب للمنتجات الزراعية، فإن العالم ككل اليوم بات مهددًا اليوم -بصورة لم تُعرَف من قبل- بالدخول في أزمة غذاء عالمية؛ خاصة مع الزيادات السكانية الهائلة في دول العالم الثالث الفقيرة، ومع التلوث بأنواعه، ومع تقلبات الطقس والمناخ، وتزايد الاحتباس الحراري، والتصحر، وانحسار مساحات من الأراضي التي كانت مزروعة، إلى جانب الحاجة المتزايدة إلى المياه للزراعة، وغير ذلك من العوامل الأخرى التي قد تتسبب في عدم القدرة على توفير الغذاء الكافي في المستقبل لكلِّ البشر؛ خاصة في ظلِّ عدم العدالة في توزيع ما يزرع ويتنج على كل السكان في كل مكان.

وتظهر دراسة لأحوال الزراعة في 112 دولة من الدول النامية: أن صندوق الأمم المتحدة للسكان يتوقع أن تواجه 65 من هذه الدول النامية عجزًا في المستقبل في تدبير حاجتها الأساسية من المواد الغذائية.

الزراعة في العالم العربي:

رغم أن الزراعة في عالمنا العربي يعمل بها أكثر من نصف السكان والقوى العاملة، ورغم الموارد الطبيعية الملائمة نسبيًّا؛ فإن هناك دولًا عربية تعاني من نقص في الغذاء والطعام، بعد تراجع إنتاجها الزراعي مقارنة بنسبة الزيادة السكانية، وبالتالي: تدهور نصيب الفرد فيها من الإنتاج الغذائي، وأصبح نصيب الفرد فيها من الغذاء أقل مما كان عليه من قبل بنسبٍ متفاوتةٍ.

وصارت هذه الدول تستكمل ما ينقصها بالاستيراد من دول العالم الخارجي، بل هناك مؤشرات تنذر بعجزٍ وشيكٍ لا يحمد عقباه قادم يتعلق بقدرة المجتمعات العربية عامة على تلبية حاجاتها من المنتجات الزراعية الأساسية، خاصة المواد الغذائية التي هي عماد الحياة.

ومعلوم: أن تصدير هذه السلع الغذائية الأساسية تحتكره دول رأسمالية بعينها تنتج ما يكفيها، وتصدِّر الفائض لديها لغيرها من الدول بصورة تجعلها متحكمة في إنتاج وتجارة المواد الغذائية الرئيسية في العالم؛ مما يعطيها فرصة التحكم في هذه التجارة المهمة بكل ما يحمله ذلك من مخاطر بالغة على اقتصاد وحياة الشعوب المحتاجة، وبصورة متزايدة للعديد من هذه المواد الغذائية الرئيسية.

وتأمل خطورة الأمر عندما يصل الأمر في المستقبل -القريب أو البعيد- ببعض هذه الدول العربية المحتاجة لهذه المواد الغذائية الرئيسية أن لا تجد الأموال الكافية لتأمين الحصول المنتظم على هذه المواد، أو يصل الأمر بغيرها أن تتوفر عندها الأموال الكافية لاستيراد هذه الاحتياجات ثم لا تجد مَن يبيع لها ويلبي احتياجاتها في ظل تفاقم الأزمة عالميًّا.

ويزيد الأمر أسفًا ويزيد الهم سوءًا: أن تعلم أن هذه الدول العربية العاجزة في مجموعها عن تنمية مواردها الزراعية لديها من الموارد والإمكانيات والقدرات ما يجعلها قادرة على تلافي هذا العجز في الإنتاج الزراعي، بل يجعلها فوق ذلك قادرة على المساهمة في حل مشكلة الغذاء العالمية المتزايدة، والتي تعاني منها الدول الفقيرة ويموت بسببها أعداد كبيرة من مواطنيها؛ بسبب نقص المواد الغذائية، أو بسبب سوء التغذية.

إن الدول العربية للأسف -كل الأسف- ما زالت عاجزة، وغير قادرة وهي في هذا الوضع الحرج على تحقيق حدٍّ أدنى من التعاون العربي المشترك بين دول تمتلك إمكانيات وموارد زراعية كبيرة كما في السودان ومصر والعراق، وبين دول تملك موارد مالية فائضة ضخمة كدول الخليج العربي لتحقيق تكامل يلبي مصالح وأهداف وآمال الشعوب العربية في تنمية زراعية شاملة تقوم على التوسع الأفقي والرأسي، وبخطوات متسارعة لسدِّ الفجوة الغذائية الموجودة، والمتوقع اتساعها مع الوقت.

المنظمة العربية للتنمية الزراعية:

هي منظمة متخصصة تابعة لجامعة الدول العربية، أنشأت عام 1972 م، مقرها الخرطوم بالسودان. وهي تهدف إلى تنمية الروابط بين الدول العربية والتنسيق والتعاون بينه، وللمنظمة مجلس يتألف من وزراء الزراعة في الدول العربية الأعضاء، ولها لجان متخصصة.

يقول د. عبد الفتاح مصطفى غنيمة -أستاذ تاريخ العلوم والتكنولوجيا بجامعة المنوفية- في كتابه: (العلم والتكنولوجيا والتوجهات المستقبلية) (ص 179): (إن المتتبع للدراسات والبحوث التي أنجزتها المنظمة العربية للتنمية الزراعية، أو عاونت في إعدادها، المشتركة منها أو القطرية، والتي تجاوز عددها المائتين دراسة وبحثًا، يجد أنها قد انصبت على المسوح الإحصائية الفنية والاقتصادية للموارد الطبيعية، والآفات والأمراض، ومشاكل استصلاح الأراضي واقتصاديات الإنتاج، والجدوى الفنية والاقتصادية لبعض المشاريع، من أجل تسهيل السبل لإيجاد التمويل لها)، (والحقيقة: أن العنصر البشري لم يجد المعالجة المطلوبة في هذا العدد الكبير نسبيًّا من البحوث والدراسات، بل يكاد الإنسان صانع التنمية، والذي يفترض أن يكون النهوض به هدفًا ومحورها الأساسي، شبه غائب في هذه الأبحاث والدراسات التي أنجزتها المنظمة خلال السنوات الماضية من عمرها).

(وقد يكون السبب هو: أن نشاط المنظمة مركز على الجانب المادي لقوى الإنتاج، ولم يهتم بنفس الدرجة بالجانب البشري الذي هو العنصر الحاسم والأهم في القوى المنتجة، كما أن علاقات الناس مع بعضها من خلال الأشياء، أي: العلاقات الإنتاجية وأشكال ومضمون، ووظيفة الملكية الزراعية لن تجد العناية الكافية في عمل المنظمة وبحوثها، رغم أن العامل المحدد لضمان الحياة البشرية يكمن في الاستثمار الذي يحدث في البشر وفي المعرفة، فالمصادر المادية والعينية لا تتوفر إلا بالإنسان؛ ولذا يجب تنمية معارفه وتفجير طاقاته الكامنة، ذلك البركان الهادر الذي إذا تفجر بالتعليم والتدريب والتفوق ظهرت قدراته، وتلك التي أوصلت الإنسان إلى ما وصل إليه، ووضعته في أول الطريق إلى ما لا يتخيله.

ومن هنا فقد تحولت النظرة في قضية حقوق الإنسان الحر والقادر إلى اتجاهين متكاملين، أولهما: التركيز على حقوق الفرد المدنية والاقتصادية والسياسية، تلك التي تدور حول الصراع بين الفرد والدولة.

وثانيها: الحصول على حقه الاجتماعي ممثلًا في الصحة والتعليم والتشغيل، وكل ما يطلق قدراته وملكاته الخلاقة) (راجع: "العلم والتكنولوجيا والتوجهات المستقبلية" للأستاذ الدكتور عبد الفتاح مصطفى السيد غنيمة - سلسلة تبسيط العلوم 3 - ط. مطابع جامعة المنوفية: 178 -180 بتصرفٍ).

ومِن الأهمية بمكان: أن تشمل دراسات التنمية الزراعية كل ما يتعلق بمكافحة الأمية التي ما زالت إلى اليوم منتشرة في بلادنا التي يمكن أن تكون عائقًا كبيرًا أمام تحقيق التنمية الزراعة والريفية المتكاملة.

أهمية العدالة الاجتماعية في علاج أزمة الغذاء:

وهو أمر معلوم، ولكن الأماني ما زالت معلقة باهتمام الدول في سياستها بمراعاة البعد الاجتماعي والعدالة الاجتماعية، كخطوة نحو علاج الفجوة الغذائية.

قال المفكر هنري جورج ( 1839 م - 1897 م): (إن البشر على خلاف الكائنات الحية الأخرى من حيث إن زيادة عددهم تتضمن زيادة غذائهم، ولكن هذا الوضع لا يتحقق؛ إلا إذا تساوت فرص الناس في الوصول إلى موارد الأرض، وبذا يحال دون قلة منهم وبين احتكار هذه الموارد) (انظر المصدر السابق، ص 180).

تناقص مساحات الأراضي المزروعة:

ومن السلبيات التي ابتلينا بها وتفاقمت بها أزمة الغذاء تناقص مساحات الأراضي الزراعية الصالحة للزراعة؛ بسبب تزايد البناء عليها، مع تزايد التوسع العمراني داخل مساحة ثابتة مأهولة بالسكان، وبسبب هجرة الفلاحين من القرى للمدن أو السفر للخارج، وكذلك بسبب التفتيت للأرض الزراعية حيث إن مساحة الأراضي الزراعية في مصر لا تتجاوز 5و7 مليون فدان ويبلغ عدد ملاك الأراضي الزراعية نحو 2 مليون فلاح بمتوسط مساحة ملك نحو 5و1 فدان للفلاح؛ مما ساهم ويساهم في خفض الإنتاجية.

التصحر:

يعتبر التصحر من أخطر المشاكل التي تهدد الأمن العربي الغذائي، ورغم ذلك لم تحظ بالقدر الكافي من الدراسة والتحليل! وتشكل المساحة الملائمة للإنتاج الزراعي في الوطن العربي 11% من مساحة الوطن العربي، بينما الباقي مناطق جافة وشبه جافة 69 % منها صحاري، والباقي ويمثل 20% منها عبارة عن بيئات مكوناتها الأساسية من التربة في توازن ديناميكي مع غطاءها النباتي والحيواني غير مستقر، حيث يتأثر بالعوامل المحيطة، ويتراوح معدل هطول الأمطار فيها ما بين 100 - 400 مللم في السنة (انظر المصدر السابق، ص 180 - 181).

ومن الأمور التي يجب أن توضع في الاعتبار مع الضغط السكاني على موارد الغذاء: السعي إلى التوسع في زراعة الصحاري؛ خاصة وأن منها ما كان فيما مضى معروفًا بالنماء والخصوبة، ينعم بالأشجار والبساتين؛ خاصة الزيتون، والتمور، والعنب. ففي مصر كان جزءًا كبيرًا من داخل الصحراء المصرية الغربية ينعم مِن قرون بعيدة بالخصوبة والنماء في الواحتين: الخارجية والداخلية (الخارجة والداخلة)، (وهناك من الدلائل ما يثبت أن الواحتين الخارجية والداخلية في الصحراء المصرية كانتا مكتظتين بالسكان أيام حكم الفرس واليونان والرومان لمصر، كانوا يعيشون من محاصيل الأراضي الزراعية بها، كما كانوا يملكون عددًا كبيرًا من الماعز والأغنام والماشية، وكانوا يتاجرون في البلح ويصدرونه إلى الوادي على ظهور الإبل. وقد كانت الزراعة منتشرة انتشارًا عظيمًا تبعًا لكثرة السكان في تلك الواحات إلى ما بعد ثلاثة قرون من الفتح الإسلامي) (المصدر السابق، ص 181 - 182).

وتشير الدراسات إلى أن: مساحة الأراضي المتأثرة بتعرية الرياح في الوطن العربي -بما فيها مصر- تزداد يومًا بعد يوم بسبب زوال الغطاء النباتي، وحركة الرمال والكثبان، ولكن يبقى (باب الأمل من استغلال الصحاري مفتوحًا على مصراعيه، وكل ما يلزم هو أن نبدأ بعزمٍ جديدٍ، وبهمة لا تعرف الملل مع التفكير العلمي السليم وعدم الارتجال، بل يجب أن نسير في هذا التوسُّع طبقًا لسياسة وخطط مرسومة موضوعة)، (ولا ننسى أن هناك نظمًا مختلفة تتيح الاستفادة الوفيرة من الأراضي... والعناصر الخمسة الأساسية لأي نظام لاستغلال الأرض هي الماء والتربة، والنبات والحيوان، والطاقة... ومن 45 سببًا معروفًا للتصحر هناك 13 % منها فقط تعزى إلى تغيرات طبيعية، و87 % منها يمكن أن ترجع إلى سوء تدبير الإنسان بالنسية للعوامل الخمسة السالفة الذكر... وتعد العلاقة بين التكنولوجيا والتصحر واحدًا من المجالات موضوع بحث الخبراء. وهناك في الوقت الراهن أمثلة عديدة على برامج ناجحة تستخدم التكنولوجيا المناسبة لمكافحة عمليات زحف الصحراء، وهي تشمل برامج بشأن إدارة واستخدام تجمعات الأمطار ومكافحة الملوحة وإقامة المصارف، وصيانة التربة في كل ظروف الزراعة الجافة، وإدارة أراضي المراعي، وتثبيت الكثبان الرملية والتشجير... وينبغي قبل محاولة تنفيذ أساليب مبتكرة لإقامة نظم جديدة لاستغلال الأرض ودراسة التكنولوجيا التقليدية التي طورها الزارع، ويتعين أن يكون التحول إلى التكنولوجيا الحديثة شيئًا قائمًا على التخطيط، وتدريجيًّا في طابعه، فالتكنولوجيا المناسبة في حدِّ ذاتها ليست بالجواب إذ يجب أن تساندها هياكل اقتصادية واجتماعية ومشاركة جادة من قبل خمس عناصر أساسية لنظم استغلال الأرض:

أولها الماء: فالمساحة الإجمالية للأراضي المروية في العالم تقدر بحوالي 200 مليون هكتار، وهو ما يمثِّل 4 % من جملة المناطق المجدبة وشبه المجدبة؛ ولذلك فإن تكنولوجيا إدارة واستخدام الماء المرتبطة بماء المطر أو الثلج المذاب، وتجميع المياه تعتبر ذات أهمية حاسمة.

والعنصر الثاني هو التربة: لقد أظهرت الإحصائيات أن الخسارة السنوية للأجسام الصلبة الممكن أن تحملها الأنهار والمجاري المائية إلى المحيطات بحوالي 300 مليون طن متري، وتختلف تكنولوجيا معالجة المشكلات المتعلقة بتفتيت التربة باختلاف المناخ وطبيعة تضاريس الأرض، وهي تتراوح بين استخدام أدوات الزراعة التقليدية وبين إقامة المصاطب على الترع والحفاظ على التوازن المناسب لحيوانات الرعي، كما تعتبر ملوحة التربة، وتشبع الأرض بالماء مشكلتين رئيسيتين، وتقدَّر نسبة الأراضي التي تعاني ذلك بحوالي 25 %، ويمكن أن تكون التكنولوجيا العلاجية والوقائية ذات طابع فيزيائي يعتمد عل الصرف البيولوجي.

والعنصر الثالث هو النبات: فالحياة النباتية توفر العيش للإنسان والحيوان الذين يقيمون فوق أرض ما، ومن هنا لابد أن تعالج شئونها بصورة علمية سليمة. والأساليب الأكثر نفعًا لمنع التصحر هي إعادة زراعة الأرض والرعي بالتناوب، وإرجاء استخدام بعض المراعي ونظام الدورة المحصولية، والاستخدام المفيد لخشب الوقود، وإنشاء حواجز الرياح والأحزمة الصحراوية.

والعنصر الرابع هو الحيوان: هناك نحو 50 % من ماشية العالم وثُلُث خرافه وثلث ماعزه تعيش في مناطق مجدبة وشبه مجدبة... وتعد المنتجات الحيوية موارد غذائية مهمة للبشر، وتشمل المشكلات المتعلقة بالتصحر، واستخدام الحيوان، واختيار نوعه ورعايته.

والعنصر الخامس والأخير هو الطاقة: فقد ثبت أنه يمكن لبعض التصرفات، مثل: الخشب والروث الحيواني أو استخراج الفحم من مناجم الطبقة السطحية للأرض أن تعجل بعملية التصحر، ولعلاج ذلك فإن الموارد البديلة للطاقة -وهي الطاقة الشمسية، وطاقة الهواء والرياح، وطاقة البحار والمحيطات- والاستخدام السليم للموارد الموجودة يعتبر شيئًا مهمًّا... ولعل حجم الموارد البديلة تتضح من ذلك التقرير الهائل الذي يقول: إن الطاقة الشمسية التي تسقط فوق أرض مصر والسودان في عام واحد تعادل إجمالي الاحتياطي المؤكد من الفحم والبترول والغاز الطبيعي في العالم) (المصدر السابق، ص 182-184 بتصرفٍ).

التطلع إلى محاصيل جديدة:

(مهما وصل بنا التقدم العلمي فهناك حقيقة لا بد من ذكرها دومًا، وهي أن تعداد سكان العالم يفوق الستة مليارات وثلاثمائة مليون نسمة على سطح الأرض، وكل التوقعات والتنبؤات العلمية الإحصائية تشير إلى وصول تعداد سكان العالم عام 2050 م إلى أكثر من 15 مليار نسمة، فماذا سيكون الغذاء؟).

الغالب أن الزراعة ستبقى (هي المصدر الأساسي للغذاء مع بعض التغيرات المستحدثة، والواجب سرعة التطوير لتواكب التطور العلمي في باقي مجالات الحياة، وأقل التقديرات هي أن البشرية تحتاج لزيادة الإنتاج الزراعي إلى ثلاثة أضعاف المستوى الحالي لتوفر الغذاء الكافي للزيادة السكانية المتوقعة خلال هذه الفترة. يتوقع خبراء التغذية نقصًا في استهلاك اللحوم مع بعض الزيادة في استهلاك الأسماك والحبوب والخضار، أما استهلاك الجبن والحليب والزبدة والدجاج والبيض فسيبقى عند المستوى الحالي، ولكن من المتوقع حدوث بعض التغيير في طبيعة الطعام نفسه، مثلًا: مع الارتفاع الدائم لكلفة إنتاج اللحوم، فسوف يتحول اللحم إلى خليط من اللحم والبروتين النباتي)، (أما الجبن التقليدي فسوف يكون متوفرًا، ولكن أكثر من نصف الجبن سيكون مصنعا من بروتين ودهن نباتي، وهذا أيضًا متوفر الآن في الأسواق الأمريكية والكندية والفرنسية والألمانية، وحتى الأسماك سوف تكون مصنعة على شكل قطع بأشكال وقوالب معينة، وتكون خليطًا من السمك والبروتين النباتي، أما الدواجن فسوف تشهد تغيرًا طفيفًا، ولكن إنتاج دجاجة بحجم أكبر وربما إلى حجم يوازي حجم الديك الرومي.

أما إنتاج الخضار فسوف يزداد من خلال الصوب أو البيوت المحمية البلاستيكية والزراعة المائية. أما إنتاج الحبوب فسوف يشهد زيادة كبيرة من خلال السلالات المحسنة وراثيًّا). و(يوجد في العالم أكثر من ثمانين ألف نوع من النبات الصالح للأكل، ولكن استهلاك البشر خلال التاريخ انحصر في حوالي 3000 نوعًا فقط، وينحصر 95 % من السعرات الحرارية النباتية في 30 نوعًا من النبات فقط. ويعتبر بعض علماء النبات أن الاعتماد على نوعيات قليلة أمر خطير بعكس الاعتماد على عددٍ كبيرٍ من النوعيات الذي يعتبر حاجز أمان ضد أمراض النبات والكوارث الطبيعية، كما يمكن استعمال مساحات أكبر من الأرض لإنتاج محاصيل أكثر، ومصادر جديدة من البروتين) (المصدر السابق، ص 190 - 191 بتصرفٍ).

الغذاء من البحار والمحيطات:

(الواقع أن الطبقات السطحية للبحار والمحيطات تزخر ببلايين الأطنان من الكائنات الدقيقة المعروفة باسم البلانكتون في الماء. وهي بمثابة المراعي الخضراء على سطح الأرض. وهذا البلانكتون يستطيع أن يبنى المواد العضوية الأولية عن طريق عملية التمثيل الضوئي بمساعدة المادة الخضراء الموجودة في خلايا النبات. وعلى هذا البلانكتون تتغذى يرقات الأسماك وقنافذ البحر والحيوانات الصدفية ونجوم البحر وخيار البحر وما على شاكلتها... حتى أضخم الحيوانات البحرية، وهي الحيتان الزرقاء تتغذى على هذا البلانكتون، وتصفى كل يوم منه كميات مهولة بواسطة مصفاة من الألياف الدقيقة في فم الحوت)، (إن غزو البحر في القرن الحادي والعشرين سوف يفتح آفاقًا جديدة لحياة عامرة بالمغامرة والمخاطرة، والثراء والشهرة السريعة لرواده الأوائل) (المصدر السابق، ص 192 - 194 بتصرفٍ).