مِن علامات الشخصية المقبولة اجتماعيًّا

  • 113

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد؛  

فإننا في عالمنا الدنيوي نرى ونسمع، ونحس بأفعال الآخرين، ولنا ظاهرهم، وباطنهم على الله -تعالى-، فمنهم مَن يقبل، بل منهم مَن يُحب فلا يكره أبدًا، وإن اختُلف معه في بعض الفروع، ومنهم على النفيض تمامًا لا تعرف له بابًا ولا مدخلًا، وتحاول أن تصل إليه فلا تعرف، والأمر أولًا وآخرًا بيد ربنا -جل وعلا-.

والسؤال التي يُطرح علينا: لماذا هذا الشخص مقبول لدى قطاع عريض من الناس؟!

إننا سنحاول بكل ما نستطيع مستعينين بربنا -جل وعلا- أن نجمع علامات قبول الآخر في دنيا الناس، وبمعنى آخر: لماذا هذا الشخص محبوب مِن غالب مَن يعرفه؟!

ولا يعني جمعها أنها موجودة فينا، فنحن وربنا أحوج الناس إليها، وأرجى الناس أن يرزقنا الله بها؛ فهذا فضل الله -تعالى- يؤتيه من يشاء، كما قال -سبحانه وتعالى-: (ذَلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ) (الجمعة:4).

فالعلم والدين فضل من الله -تعالى-، والأخلاق الحميدة فضل من الله -تعالى-، والعقل والحكمة فضل من الله -تعالى-، والقبول والمحبة لدى الناس فضل من الله -تعالى-، ولعلها من محبة الله له، فعن أبي هريرة -رضي الله عنه- عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: (إِذَا أَحَبَّ اللهُ الْعَبْدَ، نَادَى جِبْرِيلَ: إِنَّ اللهَ يُحِبُّ فُلَانًا فَأَحْبِبْهُ، فَيُحِبُّهُ جِبْرِيلُ، فَيُنَادِي جِبْرِيلُ فِي أَهْلِ السَّمَاءِ: إِنَّ اللهَ يُحِبُّ فُلَانًا فَأَحِبُّوهُ، فَيُحِبُّهُ أَهْلُ السَّمَاءِ، ثُمَّ يُوضَعُ لَهُ الْقَبُولُ فِي الْأَرْضِ) (متفق عليه)، وزاد الترمذي: "فَذَلِكَ قَوْلُ الله: (إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ سَيَجْعَلُ لَهُمُ الرَّحْمَنُ وُدًّا) (مريم:96)".

قال النووي -رحمه الله-: "وَمَعْنَى: (يُوضَعُ لَهُ الْقَبُولُ فِي الْأَرْضِ)؛ أَيْ: الحب في قلوب الناس ورضاهم عنه، فتميل إليه القلوب وترضى عنه".

وقال ابن الجوزي -رحمه الله-: "إذا أحب الله عبدًا، حبَّبه إلى خلقه، وهم شهداء الله في الأرض" (كشف المشكل).

وقِيلَ لِرَسُولِ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عليه وَسَلَّمَ-: أَرَأَيْتَ الرَّجُلَ يَعْمَلُ العَمَلَ مِنَ الخَيْرِ، وَيَحْمَدُهُ النَّاسُ عليه؟ قالَ: (تِلكَ عَاجِلُ بُشْرَى المُؤْمِنِ). وفي روايةٍ: (وَيُحِبُّهُ النَّاسُ عليه)، وفي رواية: (وَيَحْمَدُهُ النَّاسُ عَلَيْهِ) (رواه مسلم).

والأعجب هذه البشارة: فعن أبي زهير الثقفي: خَطَبَنَا رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بِالنَّبَاوَةِ، أَوِ الْبَنَاوَةِ -قَالَ: وَالنَّبَاوَةُ مِنَ الطَّائِفِ-، قَالَ: (يُوشِكُ أَنْ تَعْرِفُوا أَهْلَ الْجَنَّةِ، مِنْ أَهْلِ النَّارِ)، قَالُوا: بِمَ ذَاكَ؟ يَا رَسُولَ اللَّهِ قَالَ: (بِالثَّنَاءِ الْحَسَنِ، وَالثَّنَاءِ السَّيِّئِ، أَنْتُمْ شُهَدَاءُ اللَّهِ بَعْضُكُمْ عَلَى بَعْضٍ) (رواه أحمد وابن ماجه، وحسنه الألباني)، فلعلها محبة الله -تعالى- له، وهذا الأمر لا يعلمه إلا هو -جل وعلا-.

فمِن العلامات الحاضرة التي نراها، والصفات التي تجعل صاحبها مقبولًا اجتماعيًّا:

?- أن يكون لينًا هينًا بشوشًا في معاملة الآخرين، لا يصد ولا يرد، بسَّامًا حتى في وجوه الأرحام والغرباء، لطيفًا متلطفًا، واسع الصدر، طيب الروح، عن أبي ذر -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: (تَبَسُّمُكَ فِي وَجْهِ أَخِيكَ لَكَ صَدَقَةٌ، وَأَمْرُكَ بِالمَعْرُوفِ وَنَهْيُكَ عَنِ المُنْكَرِ صَدَقَةٌ، وَإِرْشَادُكَ الرَّجُلَ فِي أَرْضِ الضَّلَالِ لَكَ صَدَقَةٌ، وَبَصَرُكَ لِلرَّجُلِ الرَّدِيءِ البَصَرِ لَكَ صَدَقَةٌ، وَإِمَاطَتُكَ الحَجَرَ وَالشَّوْكَةَ وَالعَظْمَ عَنِ الطَّرِيقِ لَكَ صَدَقَةٌ، وَإِفْرَاغُكَ مِنْ دَلْوِكَ فِي دَلْوِ أَخِيكَ لَكَ صَدَقَةٌ) (رواه الترمذي، وصححه الألباني).

وقال ابن حبان -رحمه الله-: "البَشَاشَة: إدام العلماء، وسجيَّة الحكماء؛ لأنَّ البِشْر يطفئ نار المعاندة، ويحرق هيجان المباغضة، وفيه تحصين من الباغي، ومنجاة من الساعي" (روضة العقلاء).

ويجامل، لكن في المعروف، ويصارح في المنكر، ولا يغش ولا يخدع، ويرفع مِن قَدْر الآخرين ولا يقلل من أمرهم، ولا يحقر من شأن عاصٍ مهما رأى منه، فالأمر كله لله -تعالى-، والثبات بيد مَن هداه، فالسلف كانوا يرون أنفسهم أكثر ذنبًا وعيبًا من غيرهم، ولعلهم بهذا سادوا وقادوا.

وأن يتعبد لله -تعالى- بسلامة الصدر وطهارة القلب، والبعد عن الشحناء والبغضاء، فهي طريق مغلق، وصدر مسدود، نسأل الله السلامة والعافية.

وأن يتعبد بالصبر والاحتساب على أذى الناس لله -تعالى-، عن أبي سعيد الخدري -رضي الله عنه-: أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: (وَمَنْ يَتَصَبَّرْ يُصَبِّرْهُ اللَّهُ، وَمَا أُعْطِيَ أَحَدٌ عَطَاءً خَيْرًا وَأَوْسَعَ مِنَ الصَّبْرِ) (متفق عليه).

?- اختيار الكلمات، وانتقاء العبارات، وطريقة العرض والأسلوب، والاعتناء بلغة الجسد مع الآخرين التي تساعد على التعبير والتواضع، وغض الطرف، وإلقاء السلام على كلِّ المسلمين، والاهتمام بالصالح العام والخاص، ومشاركتهم في الأفراح والأحزان في غير معصية الله -تعالى-، وأن يكون محسنًا إليهم ابتغاء مرضات الله من غير تكلُّف.

قال ابن القيِّم -رحمه الله-: "طلاقة الوجه والبِشْر المحمود وسط بين التَّعبيس والتَّقطيب، وتصعير الخدِّ، وطيِّ البِشْر عن البَشَر، وبين الاسترسال مع كلِّ أحدٍ بحيث يذهب الهيبة، ويزيل الوقار، ويطمع في الجانب، كما أنَّ الانحراف الأوَّل يوقع الوحشة والبغضة، والنُّفرة في قلوب الخَلْق، وصاحب الخُلُق الوسط: مهيب محبوب، عزيز جانبه، حبيب لقاؤه. وفي صفة نبيِّنا: مَن رآه بديهة هابه، ومَن خالطه عشرة أحبَّه" (مدارج السالكين).

?- أن يقع نفعه على: القريب، والغريب، والصديق، والعدو، والعالم والجاهل، والحبيب والجافي، ويتجنب الجدال العقيم، والانتصار لرأيه السقيم؛ فالأمر دين، ودين الله يتطلب الإخلاص لله -تعالى-.

ومن جميل وصايا علقمة العطاردي -رحمه الله- قوله لابنه لما أدركته الوفاة: "يا بني، إنْ عَرضَتْ لك إلى صحبة الرجال حاجةٌ، فاصحَب مَن إذا خدمته صانك، وإنْ قَعَدَتْ بك مؤونةٌ مانك، اصحَب مَن إذا مددتَ يدك بخير مدَّها، وإنْ رأى منك حسنة عدَّها، وإنْ رأى منك سيئة سدَّها، اصحَب من إذا سألته أعطاك، وإنْ سَكتَّ ابتداك، وإنْ نَزَلَتْ بك نازلةٌ واساك، اصحَب مَن إذا قلتَ صَدَّق قولك، وإذا حاولتَ أمرًا أَمَرك، وإنْ تنازعتما آثرَك" (عيون الأخبار لابن قتيبة).

?- شخصية ذات همة عالية في كل الأمور: التي تنفع ولا تضر، تحفِّز لا تحبط وتؤيس، إيجابية بنَّاءَة، دفَّاعة للأمام، كلماتها برد، عباراتها حب، صحبتها نفع، والقرب منها كله خير؛ بخلاف صحبة أهل الإحباط تورث اليأس والبؤس.

عن الحسن بن علي -رضي الله عنهما- أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: (إِنَّ اللهَ -تَعَالَى- يُحِبُّ مَعَالِيَ الأُمُوِر وَأَشرَافَهَا، وَيَكَرهُ سَفْسَافَهَا) (رواه الطبراني، وصححه الألباني).

ثمرة هذه الشخصية اجتماعيًّا:

- أسر القلوب، والحب والتقدير والاحترام من الكبار والصغار، والالتفاف حوله، والاهتمام بأمره، ومحاولة القرب منه، وتنفيذ أوامره ومساعدته، والافتخار والتباهي بوجود مثله بين الناس.

- الرجوع إليه في مشاكلهم وهمومهم، فهو شخصية تحقق الأمن الاجتماعي.

وثمرتها دينيًّا:

محبة الله -عز وجل-، وهذه المحبة -إن شاء الله تعالى- ثمرتها الجنة، بأمر الله ورحمته وفضله، فضلًا عن حبِّ النبي -صلى الله عليه وسلم- وصحابته -رضوان الله تعالى عليهم-.

فاللهم ارزقنا والقارئين وآبائنا وأمهاتنا قبولًا عند الناس، وعند رب الناس يكون لنا ذخرًا في الدنيا والآخرة.