خاطرة حزينة!

  • 29

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد؛  

قد يدور في خواطر الكثير من المسلمين: ألسنا على الحق، وغيرنا على الضلال؛ فلماذا تقدَّموا عنا وقادوا العالم بقوتهم، وعتادهم ومالهم، وتقدمهم العلمي، ونحن أصحاب الدِّين الخاتم، أصحاب الحق المبين في ذل وهوان؟!

والحقيقة إن هذه شبهة تحتاج إلى رد؛ لأن الشيطان يطرحها داخل العقول كي ينال مبتغاه لكفر الناس وإلحادهم، فأقول مستعينًا بالله -جل وعلا-: إن الإسلام في نشأته بدأ ضعيفًا لطبيعة أي رسالة سماوية في أولها، ثم بصبر الصحابة وإخلاصهم وتضحيتهم بالنفس والنفيس، انتشر الإسلام وقويت شوكة المسلمين وقادوا العالم، ثم بعد ذلك بمرور الزمان والقرون تخلى المسلمون عن موقعهم في القيادة والريادة بتخليهم عن مراد اللَّه، وتطبيق شرعه والعمل به، فتفرقت الأمة الإسلامية، وصار المسلمون فِرَقًا كثيرة، ومع كثرتهم إلا أنهم كفقاقيع الشتاء تطفو فوق الماء ثم تنفجر من الهواء، فلما تخلوا عن دورهم وعن التمسك بشرعهم تقدم عدوهم، فإذا عادوا إلى الله -عز وجل- عادت لهم قوتهم وعزتهم.

فالكثرة ليست الدليل على القوة والنصر، ولك في غزوة بدر العظة والعبرة؛ فقد كان الصحابة -رضي الله عنهم- يوم بدر ثلاثمائة وبضعة عشر، والسلاح قليل، والمركوب قليل، والمشهور: أن الإبل كانت سبعين، وهم ثلاثمائة وبضعة عشر يتعاقبون على هذه الإبل، وليس معهم من الخيل إلا فرس أو فرسان، وكان جيش الكفار نحو الألف، وعندهم قوة عظيمة، والسلاح عندهم كثير، ولما أراد الله هزيمتهم هزمهم، ولم تنفعهم قوتهم ولا جنودهم، قال الله -تبارك وتعالى-: (كَم مِّن فِئَةٍ قَلِيلَةٍ غَلَبَتْ فِئَةً كَثِيرَةً بِإِذْنِ اللّهِ وَاللّهُ مَعَ الصَّابِرِينَ(البقرة:249).

وتأمل في قوله -تعالى-: (وَاللّهُ مَعَ الصَّابِرِينَ) أي: أن النصر ليس سهلًا ميسورًا، بل يحتاج إلى صبر وتحمل، واحتساب الآلام في سبيل الله، والعمل على نصرة الأمة الذي يكون بالتمسك بالقرآن والسنة ونصر الله -عز وجل-، فإذا صدق المسلمون وتكاتفوا وأعدوا ما استطاعوا من العدة، ونصروا دين الله، فالله ينصرهم ويعينهم -سبحانه وتعالى-، ويجعلهم أمام العدو، وفوق العدو، لا تحت العدو، قال الله -تعالى- وهو الصادق في قوله وفي وعده: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تَنْصُرُوا اللَّهَ يَنْصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ(محمد:7).

كما لا بد من الأخذ بأسباب النصر، ومنها ما جاء في قوله -تعالى-: (وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ(الأنفال:60).

فهل مِن عود للأمة لمجدها؟!

نعم سوف تعود، فالأمر واقع لا محالة، ولكن مَن يتقدَّم كي يرفع الراية؛ فهي أسمى غاية، فالأمر له وقت معلوم عند رب العالمين!