التربية الجسدية في مرحلة الطفولة (3) النظافة

  • 67

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد؛

فإن مما ينبغي أن يعوَّد عليه الطفل منذ إدراكه: نظافة بدنه، وثيابه، ومكانه، وفنائه.

فيُعلَّم ويُعوَّد كيفية الطهارة بعد قضاء حاجته، ويتابع على ذلك متابعة صارمة لا تهاون فيها، وأن يستنزه من بوله، وأن يغسل أي بول نزل على ثوبه أو بدنه، حتى يشب على ذلك؛ لأن عامة عذاب القبر من البول كما أخبرنا نبينا -صلى الله عليه وسلم-، ولما فيه من الفوائد الصحية له؛ فإن السبيلين (القبل والدبر) اللذين منهما تخرج نفايات الجسد تحتوي على قدرٍ هائلٍ مِن الكائنات الدقيقة، والسموم الضارة، وسمَّاها الشارع نجاسات، وقد وُجِد أن إهمال نظافة الشرج والأعضاء التناسلية، قد يكون سببًا في إصابتها بمرض السرطان.

ولقد بدأ الغرب النصراني -الذي شعار دينه: ترك الاستنجاء من البول!- في مطلع النصف الثاني من هذا القرن، يطبِّق بعض هذه السنن؛ لما وجد فيها مِن فوائد صحية، وجعل يدعو إلى ذلك؛ لما ثبت لديه من فائدة الاستنجاء الوقائية من الأمراض؛ حيث أثبتت إحدى الدراسات في كلية الطب جامعة مانشستر: أن البكتريا تنفذ من ثماني طبقات من ورق التواليت إلى اليد، وتلوثها أثناء عملية التخلص من بقايا البراز.

وقد ندرك حجم الخطر إذا علمنا: أن الجرام الواحد من البراز في الشخص السليم؛ يحتوي على مائة ألف مليون جرثومة، وفي المريض بمرض التيفويد؛ قد يحتوي الجرام الواحد خمسة وأربعين مليونًا من بكتريا التيفويد، أما في مريض الدسنتاريا أو الكوليرا؛ فمن المستحيل إحصاء أعداد الجراثيم؛ لكثرتها الهائلة.

الطب الوقائي:

- كذلك يجب أن يعوّد نظافة ثيابه وحسن مظهره، قال -تعالى-: (وَثِيَابَكَ فَطَهِّرْ) (المدثر:4).

- وقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: (إِنَّ اللَّهَ طَيِّبٌ يُحِبُّ الطَّيِّبَ، نَظِيفٌ يُحِبُّ النَّظَافَةَ، كَرِيمٌ يُحِبُّ الكَرَمَ، جَوَادٌ يُحِبُّ الجُودَ، فَنَظِّفُوا -أُرَاهُ قَالَ- أَفْنِيَتَكُمْ، وَلَا تَشَبَّهُوا بِاليَهُودِ) (رواه الترمذي، وحسنه الألباني في المشكاة).

- وحث النبي -صلى الله عليه وسلم- على غسل الثياب وتنظيفها، فعن جابرِ بنِ عبدِ الله، قال: أَتَانَا رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَرَأَى رَجُلًا شَعِثًا قَدْ تَفَرَّقَ شَعْرُهُ، فَقَالَ: (أَمَا كَانَ يَجِدُ هَذَا مَا يُسَكِّنُ بِهِ شَعْرَهُ) وَرَأَى رَجُلًا آخَرَ وَعَلْيِهِ ثِيَابٌ وَسِخَةٌ، فَقَالَ: (أَمَا كَانَ هَذَا يَجِدُ مَاءً يَغْسِلُ بِهِ ثَوْبَهُ) (رواه أبو داود، وصححه الألباني).

- قال القاسمي -رحمه الله-: "الوساخة مذمومة، مضرة بالصحة، تولّد القمل، وتسبب الأمراض الجلدية: كالجرب، والجذام، والقرع؛ دع عنك ما تسببه من الروائح الكريهة، والمنظر القبيح للمرء، واجتناب قربه، واستقذار مخالطته، فيلزم أن يتعهد الجسمَ بالغسل والاستحمام، أما غسل الأطراف ففي كل يوم مرارًا (أي: في الوضوء)" (جوامع الآداب، ص 83).

فضلًا عن الفوائد النفسية للطهارة؛ لكونها عبادة لله الخالق العظيم، وتعود بالنفع على جهاز المناعة فتقويه، وتزداد لديه المقاومة لكثيرٍ مِن الأمراض والعلل التي تهدد حياة الإنسان.

السواك:

ومِن التربية الجسدية: أن يعود الطفل العناية بأسنانه، وطيب رائحة فمه؛ لئلا يؤذي نفسه، ولا غيره من الناس، أو الملائكة؛ فإنها تتأذى مما يتأذى منه بنو آدم.

ومن أفضل ما يعوَّد عليه في ذلك -مع جواز استخدام الفرشاة- السواك، الذي قال النبي -صلى الله عليه وسلم- فيه: (السِّوَاكُ مَطْهَرَةٌ لِلْفَمِ مَرْضَاةٌ لِلرَّبِّ) (رواه أحمد والنسائي، وصححه الألباني)، وقال أيضًا: (لَوْلَا أَنْ أَشُقَّ عَلَى أُمَّتِي لَأَمَرْتُهُمْ بِالسِّوَاكِ عِنْدَ كُلِّ صَلَاةٍ) (متفق عليه)، وكان -صلى الله عليه وسلم- مولعًا به في جميع أحايينه. وقد اتفق العلماء على أنه سنة مؤكدة. قاله ابن قدامة.

وأما عن فوائده الطبية:

"ذكر بعض الأطباء: أن الألياف الطبيعية الطرية بالسواك هي أفضل بكثيرٍ للثة والأسنان من الألياف الصناعية لفرشاة الأسنان المتعارف عليها، كما أن المواد المطهرة التي يحتويها قد تتفوق في كثيرٍ مِن الأحيان على ما تحتويه معاجين تنظيف الأسنان.

ومِن أهم فوائده:

- تبييض الأسنان وتنظيفها.

- مكافحة الجراثيم والبكتيريا.

- تقوية اللثة ومحاربة التهاباتها.

- يمنع الترسبات والتكلسات" (ويب طب).

- ويعوَّد نظافة مكانه وفناء بيته، وقد كان تنظيف الطرق، عادة مطردة عند الصحابة -رضوان الله عليهم- ونقلوها إلى التابعين؛ فعن محمد بن سيرين -رحمه الله- قال: "لَمَّا قَدِمَ أبو موسى الْأَشْعَرِيُّ الْبَصْرَةَ، قَالَ لَهُمْ: إِنَّ أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ بَعَثَنِي إِلَيْكُمْ لِأُعَلِّمَكُمْ سُنَّتَكُمْ، وَإِنْظَافَكُمْ طُرُقَكُمْ" (أخرجه ابن أبي شيبة في "مصنفه" بإسنادٍ صحيحٍ). والأفنية: جمع الفناء، وهي الساحة أمام البيت.

- ويعوَّد أن يحافظ على نظافة الطريق، وإن احتاج لقضاء حاجته ولم يجد مرحاضًا؛ فليتقِ المواطن التي تؤذي الناس وتستجلب لعنتهم: كالآبار والعيون والأنهار، والطريق المسلوك، وظل الناس، قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: (اتَّقُوا الْمَلَاعِنَ الثَّلَاثَ: الْبَرَازَ فِي الْمَوَارِدِ، وَالظِّلِّ، وَقَارِعَةِ الطَّرِيقِ) (رواه أحمد وأبو داود، وحسنه الألباني).

- ويعوَّد بالطريقة العملية أن يلقي الزُّبالة (قُمامة البيوت وكُناستها وأوساخها) في صندوق الزبالة، وإن كان بيده منديل ونحوه مما يريد التخلص منه، فليحتفظ به حتى يلقيه في سلة المهملات.

- فما أعظم هذا الدين! فلو قام كل بيت بذلك، وشاركهم صبيانهم في هذه السنة الغائبة؛ لكان درسًا تربويًّا عظيمًا لهم، ولو اجتمع أطفال الحي على تنظيف حيهم لكان سلوكًا اجتماعيًّا راسخًا في نفوسهم يستخدمونه في مدرستهم، وفي أماكن تواجدهم فيما بعد.

- وليعلم المعجبون بالغرب الذين يريدون تغريب مجتمعات المسلمين مفتونين بما هم عليه الآن: أن العيب والتخلُّف في بُعدنا عن تعاليم ديننا، وسنة نبينا -صلى الله عليه وسلم-، فليُلقِ أحدنا لخياله العنان؛ ليرى كيف ستكون أوطاننا إن التزمنا بهذا الهدي النبوي الكريم.