معارك حاسمة في تاريخ الإسلام (2) مُبشِّرات من السُّنن الإلهية

  • 138

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد؛

فسنة الله هي: الطريقة المتبعة في معاملة الله -تعالى- للبشر، بناءً على سلوكهم وأفعالهم، وموقفهم من شرع الله وأنبيائه، وما يترتب على ذلك من نتائج في الدنيا والآخرة.

وسنة الله -عز وجل- في خلقه ولا تتبدل، ولا تتغير، قال -تعالى-: (﴿‌سُنَّةَ ‌اللَّهِ ‌فِي ‌الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلُ وَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّةِ اللَّهِ تَبْدِيلًا) (الأحزاب:٦٢)، وقال -تعالى-: (فَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّتِ اللَّهِ تَبْدِيلًا وَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّتِ اللَّهِ ‌تَحْوِيلًا) (فاطر:٤٣).

فمن هذه السنن التي لا تتغير ولا تتبدل:

سنة التغيير: قال -تعالى-: (إِنَّ اللَّهَ لَا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا ‌مَا ‌بِأَنْفُسِهِمْ) (الرعد:١١)، فانتشار الزنا والفواحش، وزواج المثليين -الرجل يتزوج الرجل، والمرأة تتزوج المرأة-، والربا، والظلم، والاستهزاء بالنبي -صلى الله عليه وسلم-، والبغي في الحضارة الغربية، يؤذن بانهيار الغرب الكافر عن قريب، وقد شاهدنا في عصرنا تسليط الطواعين عليهم، والبراكين، والحرائق، والعواصف، قال -تعالى-: (‌وَكَمْ ‌قَصَمْنَا ‌مِنْ ‌قَرْيَةٍ كَانَتْ ظَالِمَةً وَأَنْشَأْنَا بَعْدَهَا قَوْمًا آخَرِينَ . فَلَمَّا أَحَسُّوا بَأْسَنَا إِذَا هُمْ مِنْهَا يَرْكُضُونَ) (الأنبياء:11-12).

فهذه الحضارة الغربية المعاصرة التي يبهر بها مَن بخس حظه من العلم النافع والعمل الصالح، تحمل في داخلها عوامل هدمها وزوالها.

قال العلامة محمد رشيد رضا -رحمه الله-: "نعم الله -تعالى- على الأقوام والأمم منوطة ابتداءً ودوامًا بأخلاق وصفات، وعقائد وعوائد، وأعمال تقتضيها، فما دامت هذه الأشياء لاصقة بأنفسهم، متمكِّنة فيها، كانت النعم بثباتها حسب سنة الله -تعالى- في خلقه، فإذا هم غيَّروا ما بأنفسهم مِن تلك العقائد والأخلاق، وما يترتب عليها من محاسن الأعمال؛ غيَّر الله عندئذٍ ما بأنفسهم وسلب نعمته منهم، فصار الغني فقيرًا، والعزيز ذليلًا، والقوي ضعيفًا، وهذا هو الأصل المطرد في الأقوام والأمم، وهو كذلك في الأفراد، قال -تعالى-: (قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِكُمْ سُنَنٌ فَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَانْظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُكَذِّبِينَ . هَذَا ‌بَيَانٌ ‌لِلنَّاسِ وَهُدًى وَمَوْعِظَةٌ لِلْمُتَّقِينَ) (آل عمران:137-138).

وقد شهد عقلاء الغرب بقرب سقوط حضارتهم، فها هو الكاتب (جيمس جي كليرتيك) يقول: "كثيرٌ مِن الفضائل القديمة -كما يسمونها-: كالطهارة، والعفة، والشفقة، وكبح النفس عن الشهوة الجنسية بخاصة، فقدت مكانها من الاحترام، والتي كانت تحتلها في الأخلاق الأمريكية، وفي مقابل هذه الفضائل أو القِيَم استبدل المجتمع الأمريكي قيمًا أخرى، أو أصبح بلا قيم".

وختم الكاتب مقاله بقوله: "ليس واحد من هذه التغيرات الضرورية دليلًا على دنو شمس الإمبراطورية الأمريكية من الغروب، ولكنها بلغة القدماء أبطأ مما كنا نظن!".

وقال جون ديوتي -الفيلسوف الأمريكي المشهور-: "إن الحضارة التي ستسمح للعلم بتحطيم القِيَم المتعارف عليها، ولا تثق بقوة هذا العلم في خلق قِيَم حديثة؛ لهي حضارة تدمِّر نفسها بنفسها".

وقال الأستاذ (جود) الإنجليزي: "قال لي فيلسوف هندي -عن الحضارة والتطور الغربي- بانتقاده اللاذع لعجائب حضارتنا: نعم، إنكم تقدرون أن تطيروا في الهواء كالطيور، وتسبحوا في الماء كالسمك، ولكنكم إلى الآن لا تعرفون كيف تمشون على الأرض!".

وللحديث بقية -إن شاء الله-.