الفساد (111) الحصاد المر لـ(125) سنة سينما (2)

  • 77

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد؛  

فمما لا شك فيه عند أي مسلم: أن الشريعة الإسلامية شاملة لكلِّ خير ومصلحة، وأن في العمل بها تحقيق السعادة في الدنيا والآخرة، فمتى سار الناس على شريعة الله والتزموا بها دون أن يعدلوا عن شيء منها كان الصلاح والفلاح، ومتي أعرضوا أو حادوا عنها كان الخسران والشقاء؛ لذا مِن الواجب على الناس التمسك بأحكام الشريعة في كل شئونهم وأمورهم في العقائد والعبادات والمعاملات والاقتصاد والأخلاق، وكذلك في مجال الثقافة والفكر والترويح والترفيه.

وللأسف الشديد: فإن الناظر إلى أحوالنا وواقعنا اليوم يرى العجب العجاب في البُعد عن الأخذ بأحكام الشريعة، والتهافت على تقليد الغرب في كل شئونهم المختلفة وإن كانت مخالفة للشرع، في ظلِّ فَصْلٍ لدين الله -تعالى- وشرعه عن واقع الناس وشئون الحياة!

ومن جملة ما فيه انحراف عن هدي الشريعة وتوجيهاتها: أبواب الفنون عامة "وفن السينما خاصة" باسم تقديس الفن، وحرية الفنان! حتى رأينا ممارسات غاية في القبح، والمخالفة للشرع والفطرة والعقل في المجتمعات غربًا وشرقًا باسم الفن؛ فكان هذا الحصاد المُر من أسباب فساد المجتمعات.

ويزيد الأمر أسفًا: أن نرى مَن يدَّعي العلم يتغاضى أو يهادن كل هذا الإسفاف الذي يتأفف منه الكثيرون مِن أصحاب هذا الفن أنفسهم! وأسوأ منهم: مَن يرى إباحة هذه الفنون مطلقًا على ما فيها مِن أعظم المحرمات والمنكرات. نسأل الله -تعالى- العافية والسلامة.

 ومِن الجدير بالذكر: أن أصل ممارسة أغلب الفنون الإباحة بشرط التزام ضوابط وأحكام الشرع، وقد مارس المسلمون خلال قيادتهم للحضارة البشرية -ولقرونٍ- العديد من صور الفنون؛ فأجادوا وأفادوا. وفي هذا الرد على مَن ينكر الفنون كلها جملة وتفصيلًا؛ نعم من الفنون ما يرفضه ميزان الشرع رفضًا تامًّا، لكن منها ما هو مباح بضوابط وآداب لا يجوز مخالفتها والخروج عنها.

لقد أصبح من الضروري النظر في كلِّ ما يتعلق بفن السينما من أحكام في الشريعة الإسلامية؛ إذ قد عَمَّ بها البلوى في ظل ما حَظِيَ به هذا الفن مِن تطور وتقدُّم مذهل، وفي ظلِّ ما يميل إليه الكثير من الناس من اللهو والترفيه والترويح، وفي ظل سيطرة الكثير من دعاة الخلاعة والمجون -بل والإباحية- على مقاليد السينما غربًا وشرقًا؛ خاصة في مواجهة التأثير الخطير جدًّا لفن السينما على المجتمعات خاصة الإسلامية.   

والحكم على الأفلام السينمائية يتطلب الحكم على ما فيها من أمور هي جزء لا يتجزأ منها، ويرتبط حكمها بحكمه، ومن هذه الأمور: القضية أو الفكرة التي تقوم عليها القصة أو الرواية التي عليها بني الفيلم السينمائي، ثم التمثيل الذي يجسِّد به الممثلون شخصيات القصة وأحداثها، ثم التصوير الفوتوغرافي بكاميرات التصوير لهذا التمثيل؛ تمهيدًا لعرضه من خلال آلات العرض على المشاهدين، ثم ما يصحب هذا التمثيل من موسيقى أو غناء أو رقص.

ونبيِّن هنا -وبإيجاز- حكم بعض هذه الأمور من خلال بيان ما يجوز منها اتفاقًا وما هو مختلف فيه، وضوابط ما يجوز منها عند المجيزين حتى يكون موافقًا للشرع لا مخالفًا له.

حكم التمثيل في الشرع:

يتضمن التمثيل تجسيد الممثلين لشخصيات القصة أو الرواية.

والتمثيل قد يعرض على المشاهدين مباشرة ولا يصحبه تصوير، وبالتالي يكرر الممثلون نفس التمثيل كل يوم على مشاهدين جدد كما هو الحال في العروض المسرحية.

وقد يصوَّر التمثيل بآلات التصوير، ويكرر عرضه على المشاهدين من خلال آلات عرض، فلا يحتاج الأمر إلى يكرر الممثلون تمثيلهم كما هو في عروض الأفلام السينمائية.

و(تطلق كلمة التمثيل في عُرف أهل العصر واصطلاحاتهم على نوعين:

النوع الأول: التمثيل المقترن بالمحرمات، المتحلل من قيود الشرع وآدابه، وهذا محل اتفاق أهل العلم على تحريمه؛ لكونه مخالفًا لمقاصد الشريعة ونصوصها، بل وشرائع الأنبياء والعقلاء وأصحاب الفطر السليمة).

(النوع الثاني: مطلق التمثيل، أي: التمثيل من غير نظر إلى ما يقترن به من محرمات، وهذا محل النزاع بين أهل العلم في حله وحرمته).

وقد (اختلف أهل العلم في حكم التمثيل إذا خلا من محرم على قولين:

الأول: إباحة التمثيل بشرط خلوه من المحرمات، وذهب إلى هذا القول جمهور كبير من العلماء والدعاة في هذا العصر. منهم: محمد رشيد رضا (انظر فتاوى رشيد رضا (3/ 1091)، وعبد الله بن حميد، وعبد الله بن جيرين، ومحمد صالح العثيمين (انظر: "حكم التمثيل في الدعوة إلى الله"، ص77، 85، 89)، وغيرهم.

الثاني: حرمة التمثيل مطلقًا، وبه قال بعض أهل العلم، منهم: عبد العزيز بن باز، ومحمد ناصر الدين الألباني، وأحمد بن صديق الغماري، صاحب كتاب: (إقامة الدليل على حرمة التمثيل)، وعبد الله الصديق، وبكر بن عبد الله أبو زيد، وغيرهم) (راجع في ذلك: "حكم ممارسة الفن في الشريعة الإسلامية: دراسة فقهية موازنة" رسالة ماجيستير جامعية، تأليف: صالح بن أحمد الغزالي - ط. دار الوطن - الرياض ط. أولى 1417هـ: 291 - 293 بتصرفٍ).

قال مؤلف: (حكم ممارسة الفن في الشريعة الإسلامية) ما مختصره: (يتبيَّن من خلال النظر في حقيقة التمثيل وعرضه على نصوص الشرع وقواعد الدين، وبالنظر في كلام أهل العلم ومناقشاتهم: تمييز التمثيل إلى أنواع ثلاثة متباينة في حقيقتها، وهي:

النوع الأول: التمثيل المعمول به عند أهل الفن، وهو: التمثيل المتحلل من قيود الشرع والمقترن بأنواع المحرمات، وهذا لا نزاع بين أهل العلم في تحريمه؛ لما يعرض فيه من تمثيل الأخلاق السافلة والمرائي الفاتنة، والصور الخليعة، وشبه العاريات)، (وبيان طرق المكر والاحتيال، والسلب والنهب والسرقة وحياكة المؤامرات والعدوان على الناس.

النوع الثاني: التمثيل كمصطلح فني متعارف عليه عند أهل الفن دون النظر إلى تطبيقه. وهذا أيضا يترجح القول بمنعه وتحريمه)، لما يتضمنه من مخالفة نصوص الشرع. (ومن أعظمها: تمثيل المرأة وما يفضي إليه ويترتب عليه من محرماتٍ كثيرةٍ؛ ولهذا لم يُعرف هذا التمثيل ويعمل به في المجتمعات المسلمة المحافظة على الالتزام بشرع الله).

(فإن قيل: يمكن أن يكون هنالك تمثيل دون وجود المرأة)، (قلنا: نعم، ولكن ذلك لا يدخل في المقصود من مصطلح فن التمثيل عند أهله، وإن كان يعد تمثيلًا من جهة اللغة، وبعض الأعراف؛ فيجب بيان ذلك والتفريق بينهما؛ لئلا يقع اللبس).

(النوع الثالث: التمثيل بمعناه اللغوي، أي: حكم مطلق المحاكاة، فهذا مما يسوغ النزاع فيه بين أهل العلم لخفائه وتعارض الأدلة في حكمه (المراد التعارض في أفهام المكلفين لا في نفس الأدلة الشرعية) (راجع المصدر السابق: ص 335 - 336 مختصرًا).

وفي بيان ضوابط هذا النوع الأخير -أي: التمثيل بمعناه اللغوي- يقول المؤلف: (ويتحصل أن إباحة هذا النوع من التمثيل مقرون بخمسة شروط أساسية، وهي:

الأول: إباحته عند الحاجة لا من حيث الأصل. والحاجة هنا هي وجود المصلحة المعتبرة، أو دفع المفسدة المعتبرة التي لا يمكن دفعها إلا به دون غيره من الوسائل المباحة في الأصل. ويخرج من هذا الشرط: التمثيل الذي يهدف إلى عمل محرم، فهذا محرم أيضًا من جهة الأصل، أي: من كونه تمثيلًا. والتمثيل الذي يقصد به مجرد العبث، والتمثيل الهادف إذا أمكن أن تحصل المصلحة المرجوة منه بطريق مباح في الأصل.

الشرط الثاني: ألا يقترن به محرم، كنحو: وجود امرأة - وجود آلات لهو - أن يحصل فيه كذب وتزوير - أن يحصل فيه إسفاف.

الشرط الثالث: أن لا يمثِّل مَن علمنا مِن الشرع النهي عن تمثيلهم، مثل: تمثيل الرجل دور المرأة - تمثيل دور مَن يكون في تمثيله التنقيص من قَدْرِهم: كالأنبياء والملائكة قطعًا، والصحابة وكبار العلماء والصالحين على خلاف بين أهل العلم - تمثيل الأدوار السيئة - تمثيل دور الكافر والنطق بالكفر صراحة؛ فإنه محرم يقينًا إلا لضرورة ملحة كالإكراه، وليس التمثيل منها، قال -تعالى-: (‌مَنْ ‌كَفَرَ ‌بِاللَّهِ ‌مِنْ ‌بَعْدِ ‌إِيمَانِهِ إِلَّا مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالْإِيمَانِ) (النحل:106) - تمثيل عوالم الغيب؛ فإنه يعد مِن الكذب والخرافة، وإفساد الاعتقاد.

الشرط الرابع: ألا يتضمن التمثيل الدعوة إلى محرم، كما هو حال التمثيل المتحلل من قيود الشرع.

ومن ذلك: الدعوة إلى المبادئ والقيم الفكرية المخالفة للشريعة الإسلامية - الدعوة إلى البدع المخالفة للشرع: كالعبادات المبتدعة أو الزيادات والنقصان في الدين - الدعوة إلى المعاصي: كالزنا والسرقة وعقوق الوالدين - الدعوة إلى العادات السيئة المخالفة للشرع، وغير ذلك مما حرَّمه الشرع أو كرهه.

الشرط الخامس: ألا يؤدي إلى محرم أو مكروه، كنحو: أن يلهي عن ذكر الله - أن يشغل عن واجب في الدين أو الدنيا، أو ما هو أولى منه - أن يتضمن من فعله ضياع الوقت أو الجهد أو المال الذي لا يفي بمصلحة التمثيل)، (فإن التمثيل إذا أدَّى إلى مكروه كره وإن أدى إلى محرم حرم ولو كان مستوفيا شروط الإباحة السابقة. والله أعلم) (مختصرًا من المصدر السابق، ص 337 - 339).     

فإن قيل: إن التمثيل ترفيه بريء ولهو مباح.

فيقال: إن التمثيل ليس -أو لم يعد- من اللهو البريء المباح؛ بدليل اشتماله على محرمات كثيرة سواء في ذاته أو موضوعاته، أو لوازمه التي لا تنفك عنه، فأنى له البراءة فضلًا عن الإباحة؟!

فإن قيل: إن التمثيل يحصل به نفع ومصلحة معتبرة، فإنه يتجاوز اللهو إلى التوجيه والتثقيف، وهي أمور ضرورية لتهذيب النفوس وترقية الأخلاق.

فيقال: هذه دعوة المفتونين بالتمثيل وفن السينما في الغرب، يقلدهم فيها من قلدهم وتبعهم من المسلمين المفتونين بهم. ولو فرضنا أنه ساهم في الرقي بأهل أديان أخرى غير الإسلام فليس بالضرورة أن يصلح لرقينا؛ خاصة وهو يخالف الإسلام مخالفة كبيرة، وصلاح هذه الأمة معلق بما خصنا به الله -تعالى- من الوحي الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه.

إن واقع المسلمين يشهد بأن التمثيل الذي جرب في واقعنا، وكان سببًا لفساد كبير هو التمثيل غير الملتزم بالشرع.

فإن قيل: إن التمثيل أصبح في عصرنا الحديث ضرورة تمليها علينا ظروف الحياة.

فيقال: دعوى كون التمثيل ضرورة تحتاج إلى بيِّنة، وعلى افتراض كون التمثيل ضروريًّا، فيكون فعله حال الضرورة فقط، أي: يجوز فعله وقت الضرورة، ويقدَّر بقدرها.

فإن قيل: إن التمثيل مطلب حضاري، ولا بد من قبوله وعرضه.

فيقال: إن الحضارة التي نعيشها ليست نتاج السينما، بل هي نتاج تقدُّم صناعي وتقدم علمي غير مسبوق.

ومما ينبغي مراعاته هنا:

- أن مِن أنواع التمثيل ما فيه خوارم للمرؤة، وإسقاط للعدالة عند الفقهاء؛ لما فيه من الوقوف في مواقف شائنة مخزية، فقد نص الفقهاء في باب الشهادة على سقوط شهادة المضحك، وكثير الدعابة، والمستهزئ والمقلد (يراجع في ذلك باب الشهادات في كتب الفقه).

 - أن من أنواع التمثيل ما فيه محاكاة للغير على وجه التنقيص والاحتقار لا على مطلق المحاكاة، وهذا منهي عنه شرعًا، ففي حديث عائشة -رضي الله عنها- أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: («مَا أُحِبُّ أَنِّي ‌حَكَيْتُ ‌إِنْسَانًا وَأَنَّ لِي كَذَا وَكَذَا) (رواه أبو داود والترمذي، وصححه الألباني).

 قال شمس الحق آبادي -رحمه الله- في (عون المعبود: 13/ 151): (أي: ما يسرني أن أتحدث بعيبه، أو ما يسرني أني أحاكيه بأن أفعل مثل فعله أو أقول مثل قوله على وجه التنقيص) (المصدر السابق، ص 322). وللأسف: فهناك من الأفلام ما تنتقص وتسخر من كثير من شخصيات المجتمع، منها على سبيل المثال: كثرة السخرية والاستهزاء من مدرسي اللغة العربية، ومدرسي التربية الدينية، والسخرية من المأذون، وإبراز تلك الشخصيات في صور مضحكة أو ساذجة، مع إبراز نطقها باللغة العربية الفصحى لمزيدٍ من السخرية والحط منها، قال -تعالى-: (‌يَا أَيُّهَا ‌الَّذِينَ ‌آمَنُوا ‌لَا ‌يَسْخَرْ ‌قَوْمٌ ‌مِنْ ‌قَوْمٍ ‌عَسَى ‌أَنْ ‌يَكُونُوا ‌خَيْرًا ‌مِنْهُمْ ‌وَلَا ‌نِسَاءٌ ‌مِنْ ‌نِسَاءٍ ‌عَسَى ‌أَنْ ‌يَكُنَّ ‌خَيْرًا ‌مِنْهُنَّ) (الحجرات:11)، وقال -صلى الله عليه وسلم-: (‌بِحَسْبِ ‌امْرِئٍ ‌مِنَ ‌الشَّرِّ ‌أَنْ ‌يَحْقِرَ ‌أَخَاهُ ‌الْمُسْلِمَ) (رواه مسلم)، ومنها ما يشوه صورة المرأة عامة والمصرية خاصة، ويسيء إلى صورتها وسمعتها. 

 - ويخشى على مَن يقوم بهذا النوع من التمثيل أن يدخل أيضًا في جملة المغتابين -والغيبة من كبائر الذنوب-؛ إذ إنه يغتاب هذه الشخصيات.

قال النووي -رحمه الله- (في الأذكار): ومن ذلك -أي من الغيبة- المحاكاة، والنبي -صلى الله عليه وسلم- قال عن الغيبة: (ذِكْرُكَ ‌أَخَاكَ ‌بِمَا ‌يَكْرَهُ) (رواه مسلم).

والتمثيل يكرهه المرء ككرهه باللسان، بل أشد لا سيما في المحافل أمام الجماهير.

(وقد عدَّ الفقهاء مجرد الإشارة غيبة، كأن يشير بيده إلى الأرض أنه قصير، أو إلى ناحية السماء أنه طويل، فكيف بتمثيله في ملابسه ومشيته وصورته وكلامه وسائر حركاته وسكناته؟!) (حكم ممارسة الفن، ص 326 بتصرفٍ).

 - وأسوأ مِن ذلك: أن يتكلم مَن يمثِّل بكلام محظور شرعًا، أو هو مِن الكفر لإضحاك الناس، أو غير ذلك، (وقد ورد الوعيد الشديد على ذلك بما روي عن النبي -صلى الله عليه وسلم-: "إن العبد ليقول الكلمة لا يقولها إلا ليضحك بها المجلس يهوي بها أبعد ما بين السماء والأرض" (رواه البيهقي في شعب الإيمان) (حكم ممارسة الفن: 328 بتصرف).

- أن مِن الأفلام السينمائية ما ينفق على إنتاجها أموال طائلة تبلغ عشرت -وربما مئات الملايين- من الجنيهات أو الدولارات، وتستغرق الأسابيع والشهور وهي لا نفع فيها، بل يترتب عليها إضاعة أوقات نفيسة وجهود كبيرة لعاملين ومشاهدين، ولا تستحق -بشهادة أهل الفن أنفسهم- كل هذا الإنفاق والجهد والاهتمام، بل وتتسبب في إيجاد طبقة من الناس -خاصة الشباب- دأبها اللهو والتفاهة والتدني إلى سفاسف الأمور، وحب المحاكاة والتقليد، وهذا يخالف منهج الإسلام في تربية أبنائه وأهله على الترقي والجدية.

- أنه يقع كثيرًا في أحداث الأفلام الداخلية: ادعاء علاقة زوجية بين ممثلين وممثلات على غير الحقيقة خارجها، ثم الاسترسال فيما يترتب على هذه العلاقة الزوجية من كشف عورات، وانتهاك أعراض، والمخالطة والنوم معًا في الفراش الواحد شبه عراة، وأداء القبلات العادية والحارة بينهما، وهي لا تحل له شرعًا، وتصوير ذلك ثم عرضه على الناس؛ كل هذا باسم التمثيل! وهذا حرام قطعا مهما كانت المبررات.

 - وأنه على النقيض من ذلك: فقد يكون الممثل زوجًا للممثلة على الحقيقة، وأيضًا زوجها في أحداث الفيلم، ثم يكون من أحداث الفيلم أن يطلقها بصريح عبارة الطلاق، ويتكرر ذلك بعدد بروفات المشهد في الفيلم، أو يتكرر ذلك بعدد أيام عرض المسرحية، ثم يعاشرها معاشرة الأزواج في حياتهما الحقيقية بعد ذلك وقد طلقها بلفظ الطلاق صراحة مرارًا من قَبْل، والطلاق كما هو معلوم جده جد، وهزله جد.

 - ومثله ما يقع في أحداث الأفلام كثيرًا من الحلف بالله كذبا، والاستهانة بهذا الأمر، وهو اليمين الغموس. 

- أن التمثيل يصحبه تغيير خلق الله -تعالى-، وهذا كثير، من خلال صور عديدة من استخدام المكياج.

وتغيير صورة الممثل أو الممثلة بطرق عديدة، منها:

 - وصل الشعر في الرأس: قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: (‌لَعَنَ ‌اللهُ ‌الْوَاصِلَةَ ‌وَالْمُسْتَوْصِلَةَ) (متفق عليه).

 - التنميص: وهو نتف شعر الوجه؛ لتحسينه وتلميعه، عن عبد الله بن مسعود -رضي الله عنه- قال: "‌لَعَنَ ‌اللهُ ‌الْوَاشِمَاتِ ‌وَالْمُسْتَوْشِمَاتِ، وَالنَّامِصَاتِ وَالْمُتَنَمِّصَاتِ، وَالْمُتَفَلِّجَاتِ لِلْحُسْنِ الْمُغَيِّرَاتِ خَلْقَ اللهِ" (متفق عليه).

- إلصاق الممثلين للشوارب واللحى المصطنعة لتمثيل أهل اللحى، وأسوأ منه: فعل ذلك للسخرية من اللحى وأهل اللحى؛ ففي ذلك ازدراء بالشريعة الآمرة بإعفاء اللحى.

حكم التصوير السينمائي:

اكتشف التصوير الفوتوغرافي حديثًا سنة 1839م. وكلمة الفوتوجرافيا: كلمة يونانية، وتتكون من كلمتين: (فوتوس) ومعناها: ضوء، و(جرافوا) ومعناها: أنا أرسم. ويعبَّر عنه في الاستعمال العربي الحديث بالتصوير الشمسي، أو تثبيت الضوء أو تثبيت صورة الواقع (انظر: حكم ممارسة الفن، ص 345 - 346).

و(التصوير السينمائي: هو التصوير الذي يظهر خيال الشيء المصور على الشاشة بعد تثبيته على شريط. وسميت السينما بالخيالة؛ لأنها تعرض خيالات الأشياء لا حقيقته. وقد عرفت الصورة السينمائية بأنها النتيجة لمرور الإشعاعات التي تنتج عن المواد الواقعة عبر الكاميرا السينمائية إلى أن تصطدم بالشريط الحساس وتنعكس عليه وتثبت. وعملية التصوير الفوتوغرافي والتليفزيوني واحدة؛ إلا أن الصورة في التصوير الفوتوغرافي ثابتة، وفي التصوير التليفزيوني متحركة؛ إضافة إلى بعض التغيرات في المواد الكيماوية والمحاليل والأصباغ والآلات المستخدمة) (المصدر السابق، ص 346 بتصرفٍ).

ويستخدم التصوير التليفزيوني في دار العرض السينمائي وفي أجهزة التليفزيون (الرائي أو التلفاز) وفي أجهزة الفيديو (المصدر السابق، ص 383).

و(لا يتعلق بالتصوير الضوئي غير الثابت (التليفزيوني) أحكام الصور المجردة: كالنهي عن وجود الصور في المنزل، أو الأمر بطمسها، وعدم دخول الملائكة مكانًا هي فيه؛ لكون هذه الصور زائلة وغير ثابتة. والله أعلم) (المصدر السابق، ص 388 بتصرفٍ).

ويقول بإباحة التصوير التليفزيوني مَن يقولون بإباحة التصوير الفوتوغرافي؛ لكونهما نوعًا واحدًا مِن التصوير، وهو: التصوير الضوئي؛ بينما يحرِّمه القائلون بحرمة التصوير الفوتوغرافي، ولكن (حكم النظر إلى الصور في التلفاز والفيديو والسينما -وهي منافذ التصوير الضوئي غير الثابت- متعلق بموضوع الصورة، فلا يجوز للرجل النظر إلى صور المرأة الأجنبية فيه، ولا يجوز نظر المرأة إلى صورة الرجل فيه بشهوة، أو نظر المرأة إلى عورة المرأة، أو الرجل إلى عورة الرجل، ونحو ذلك) (المصدر السابق، ص 388 بتصرفٍ).