الحمد لله، والصلاة
والسلام على رسول الله، أما بعد؛
فمِن
أعظم وسائل إجابة الدعاء: سؤال
الله العون والتوفيق لشكر نعمته -سبحانه وبحمده-، وتحصيل مرضاته فيجمع فيه العبد
بين الدعاء والثناء، وهما من أنفع ما يكون لصلاح العبد وإجابة مسألته.
قال ابن
القيم -رحمه الله-: "وَلِهَذَا
كَانَ مِنْ أَفْضَلِ مَا يُسْأَلُ الرَّبُّ -تَبَارَكَ وَتَعَالَى- الْإِعَانَةُ
عَلَى مَرْضَاتِهِ، وَهُوَ الَّذِي عَلَّمَهُ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- لِحِبِّهِ مُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ-، فَقَالَ (يَا مُعَاذُ، وَاللَّهِ إِنِّي لَأُحِبُّكَ، فَلَا تَنْسَ أَنْ
تَقُولَ دُبُرَ كُلِّ صَلَاةٍ: اللَّهُمَّ أَعِنِّي عَلَى ذِكْرِكَ وَشُكْرِكَ
وَحُسْنِ عِبَادَتِكَ) (رواه أحمد وأبو داود، وصححه الألباني).
وَقَالَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ ابْنُ تَيْمِيَّةَ
قَدَّسَ اللَّهُ رُوحَهُ: تَأَمَّلْتُ أَنْفَعَ الدُّعَاءِ، فَإِذَا هُوَ سُؤَالُ
الْعَوْنِ عَلَى مَرْضَاتِهِ، ثُمَّ رَأَيْتُهُ فِي الْفَاتِحَةِ فِي إِيَّاكَ
نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ" (مدارج السالكين).
قلتُ: ويظهر ذلك أيضًا في دعاء نبي الله موسى -عليه
السلام- كما في سورة طه: (وَاجْعَل لِّي وَزِيرًا مِّنْ
أَهْلِي . هَارُونَ أَخِي . اشْدُدْ بِهِ أَزْرِي . وَأَشْرِكْهُ فِي أَمْرِي . كَيْ نُسَبِّحَكَ كَثِيرًا . وَنَذْكُرَكَ كَثِيرًا . إِنَّكَ كُنتَ بِنَا بَصِيرًا) (طه:29-35).
سأل ربه -سبحانه- أن يرزقه مُعينًا وظهيرًا
له من أهله، وهو أخيه هارون عليه السلام لكي يسبحا ويعظما ربهما، ويذكراه كثيرًا
شكرًا له على سالف نعمه وإحسانه لهما، كما قال ابن كثير -رحمه الله-: "وَقَوْلُهُ:
(إِنَّكَ كُنْتَ بِنَا بَصِيرًا) أَيْ: فِي
اصْطِفَائِكَ لَنَا، وَإِعْطَائِكَ إِيَّانَا النُّبُوَّةَ، وَبَعْثَتِكَ لَنَا
إِلَى عَدُوِّكَ فِرْعَوْنَ، فَلَكَ الْحَمْدُ عَلَى ذَلِكَ" (انتهى).
وكذا كما في دعاء نبي الله سليمان -عليه
السلام-: (فَتَبَسَّمَ ضَاحِكًا مِّن قَوْلِهَا وَقَالَ
رَبِّ أَوْزِعْنِي أَنْ أَشْكُرَ نِعْمَتَكَ الَّتِي أَنْعَمْتَ عَلَيَّ وَعَلَى
وَالِدَيَّ وَأَنْ أَعْمَلَ صَالِحًا تَرْضَاهُ وَأَدْخِلْنِي بِرَحْمَتِكَ فِي
عِبَادِكَ الصَّالِحِينَ) (النمل:١٩).
والشاهد قوله -تعالى-: (رَبِّ أَوْزِعْنِي أَنْ أَشْكُرَ نِعْمَتَكَ
الَّتِي أَنْعَمْتَ عَلَيَّ وَعَلَى وَالِدَيَّ وَأَنْ أَعْمَلَ صَالِحًا
تَرْضَاهُ)، فطلب من ربه -سبحانه- الإلهام والتوفيق لشكر
نعمته ليس عليه وحسب، بل ونعمته على والديه، فإن النعمة على الوالدين نعمة على
الولد، كما قال السعدي -رحمه الله-.
قلتُ: وكذا فيها الثناء عليه -تعالى- بسابق إحسانه
ومنته عليه وعلى والديه، وسأله أن يوفقه للعمل الصالح الذي يرضي ربه، وهذا كما قال
البيضاوي -رحمه الله-: "إتْمامًا لِلشُّكْرِ واسْتِدامَةً لِلنِّعْمَةِ".
فإذا أنعم الله عليك بالمال أو الوظيفة أو
الولد أو الزوجة الصالحة؛ فاسأله العون والتوفيق على شكر نعمه -تعالى-، فالنعمة
منه -سبحانه-، وكذا التوفيق والعون لشكرها، فاستحضار ذلك يثمر دوام الخشية والفقر،
والحياء من الله -تعالى-، وذلك أعظم ما تُحفظ به النعم وتزداد.
فاللهم أعنا على ذكرك وشكرك وحسن عبادتك.
وصلِّ اللهم وسلم على نبينا محمدٍ، وعلى آله
وصحبه أجمعين.