الإيمان وأثره في النفس والقلب

  • 44

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد؛  

فالإيمان الحقيقي إذا حلَّ بالقلب فلا بد أن يكون له آثار على القلب والجوارح، وكذلك على النفس وما فيها من شعورٍ وإحساسٍ وتصرفاتٍ.

فبداية يلمس صاحب الإيمان في بداية حلوله بالقلب متغيرات وأحوالًا كالجائع شديد الجوع في صحراء قاحلة يرى شجرة مثمرة تسد جوعه بثمارها الناضجة، وكمَن فقد ماءه في سفر، فإذا بينبوع ماء تحت ظل ظليل يروى به ظمأه.

وكذلك الإيمان هو بلسم وشفاء لمَن اشتد به المرض وأوشك على الهلاك، فإذا العافية تدب في جسد أنهكته العلل، وإذا بالقوة تعود وتسري في سائر جسده ليتأهل لأداء مستلزمات الإيمان وواجباته.

فالإيمان خير عمل كما أخبر بذلك رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، وهو قول وعمل: قول بالقلب واللسان، وعمل باللسان والقلب والجوارح، وهو لا بد له من بداية صدق ويقين تدوم وتزيد، فتنير القلب وتحيي النفس وتبعث بالقوة إلى الجوارح والبصيرة في القلب، فيكون هناك إيمان يجعل العين تدمع بما عرف القلب من الحق، ويجعل القلب حزينًا إذا عجز صاحبه عن التفقه في دين الله -عز وجل-.

ومع مستجدات الإيمان عين وقلب يتغير حالهما توبة وعودة إلى الله -عز وجل-، وكذلك خشوع للجوارح كلها إذا سمع القرآن بقلبه قبل أذنيه. 

مع الإيمان لا بد من ثبات ودوام، ولا بد من ثمار ونتائج؛ فالإيمان نور يضيء جنبات القلب ويسري ذلك إلى النفس، فتولد ولادة جديدة، وتخرج من مشيمة الطبع والنفس والهوى، فتتغير من خلالها السمات الشخصية لتلك النفس مع كل المخلوقات؛ لاتصالها بالخالق اتصالًا يزيل كل العوائق والشبهات والأهواء.

- وتظهر لتلك الشخصية المؤمنة قدرات عجيبة كانت مدفونة بفعل الشرك أو الهوى والشبهات.

- تظهر سمات فريدة من تصرفات وأخلاق لم تكن لتظهر إلا من خلال استقرار بذرة الإيمان في القلب وسقيها بماء الذكر والصدق واليقين، فتنمو البذرة، وتترعرع الشجرة لتصل بثمارها لكل الجوارح، فتؤتي أكلها كل حين بإذن ربها.

- ظهر ذلك الخير في كل أتباع الرسل حين صدَّقوا المرسلين وآمنوا برب العالمين، فالإيمان نور وحياة إذا استقر في القلب فلا بد أن يلحظ صاحبه بجديد في حياته من فرحة وسعادة بربه -عز وجل-، وكفاية ومنعة وقوة بخالقه -عز وجل-.

- طمأنينة وثبات وثقة ويقين بكل الثوابت الكونية والشرعية.

- شخصية جديدة بدأت المسير على أرض الواقع استنارة بطاعة ربها، لا هم لها إلا: "وعجلت إليك رب لترضى"، بذلك لا بد أن يرضى ولسوف يرضى.

- يقظة وحياة قلب جديد ونفس تواقه، وروح جديدة تسري في جميع ذرات الجسد، ظمأى للوحي، لكلام الله -عز وجل-، تخشع وتتأثر لسماعه، تركع وتسجد نادمة باكية على ما فرطت في جنب الله.

- شخصية جديدة متميزة تتنافس وتسابق وتعوض ما فاتها، ولسان حالها: "إن استطعت ألا تُسبَق إلى الله فافعل".

- وكذلك تحذر تلك النفس من إعراض الله عنها، فتالله ما عدا عليك الشيطان إلا عندما أعرض عنك الولي، ولا تظن أن الشيطان غالب، ولكن الحافظ أعرض.

فاللهم حبب إلينا الإيمان، وزيِّنه في قلوبنا، وكرِّه إلينا الكفر والفسوق والعصيان، واجعلنا من الراشدين، وصلِّ اللهم وسلِّم على رسول الله -صلى الله عليه وسلم-.