• الرئيسية
  • المقالات
  • معارك حاسمة في تاريخ الإسلام (4) مبشِّرات من سيرة نبينا الكريم -عليه الصلاة والسلام-

معارك حاسمة في تاريخ الإسلام (4) مبشِّرات من سيرة نبينا الكريم -عليه الصلاة والسلام-

  • 69

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد؛  

فالدارس لسيرة نبينا -صلى الله عليه وسلم- يزداد يقينًا بنصر الله -عز وجل-، وثقة بوعده، ففي غزوة "بدر الكبرى"، كان عدد المسلمين ثلاثمائة وسبعة عشر رجلًا، ولم يكن معهم إلا فَرَسَان، وسبعون بعيرًا، وكان عدد المشركين يفوق الألف، ومعهم مائتي فرس، وعدد من الجمال، فكانوا ينحرون في اليوم الواحد من تسعة إلى عشرة، ومع ذلك نصر الله -عز وجل- المؤمنين نصرًا مؤزرًا، كما قال -تعالى-: (وَلَقَدْ نَصَرَكُمُ اللَّهُ ‌بِبَدْرٍ وَأَنْتُمْ أَذِلَّةٌ فَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ) (آل عمران:123).

فنصرهم الله -عز وجل- بأسباب لم تخطر على بالهم، رأى النبي -صلى الله عليه وسلم- المشركين في منامه قليلًا، كما قال -تعالى-: (‌إِذْ ‌يُرِيكَهُمُ اللَّهُ فِي مَنَامِكَ قَلِيلًا وَلَوْ أَرَاكَهُمْ كَثِيرًا لَفَشِلْتُمْ وَلَتَنَازَعْتُمْ فِي الْأَمْرِ وَلَكِنَّ اللَّهَ سَلَّمَ إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ) (الأنفال:٤٣).

ولما التقى الجمعان رأى المسلمون المشركين قليلًا، ورأى المشركون المسلمين قليلًا، حتى يغري كل طائفة الأخرى، كما قال -تعالى-: (وَإِذْ ‌يُرِيكُمُوهُمْ ‌إِذِ الْتَقَيْتُمْ فِي أَعْيُنِكُمْ قَلِيلًا وَيُقَلِّلُكُمْ فِي أَعْيُنِهِمْ لِيَقْضِيَ اللَّهُ أَمْرًا كَانَ مَفْعُولًا وَإِلَى اللَّهِ تُرْجَعُ الْأُمُورُ) (الأنفال:٤٤).

ولما أغرى الله -عز وجل- كل طائفة بالأخرى، صار المشركون وهم ثلاثة أضعاف المسلمين يرون المسلمين ضعفهم، كما قال -تعالى-: (‌قَدْ ‌كَانَ ‌لَكُمْ آيَةٌ فِي فِئَتَيْنِ الْتَقَتَا فِئَةٌ تُقَاتِلُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَأُخْرَى كَافِرَةٌ يَرَوْنَهُمْ مِثْلَيْهِمْ رَأْيَ الْعَيْنِ وَاللَّهُ يُؤَيِّدُ بِنَصْرِهِ مَنْ يَشَاءُ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَعِبْرَةً لِأُولِي الْأَبْصَارِ) (آل عمران:١٣).

وليلة المعركة أرسل على المشركين مطرًا شديدًا جعلهم لا يستطيعون التحرك من أماكنهم، وأرسل على المسلمين مطرًا خفيفًا طهَّرهم به، وأنعش جوارحهم، وثبَّت الأرض من تحتهم، كما قال -تعالى-: (‌إِذْ ‌يُغَشِّيكُمُ النُّعَاسَ أَمَنَةً مِنْهُ وَيُنَزِّلُ عَلَيْكُمْ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً لِيُطَهِّرَكُمْ بِهِ وَيُذْهِبَ عَنْكُمْ رِجْزَ الشَّيْطَانِ وَلِيَرْبِطَ عَلَى قُلُوبِكُمْ وَيُثَبِّتَ بِهِ الْأَقْدَامَ) (الأنفال:١١).

ومن ذلك: أن الله -عز وجل- أوحى إلى ملائكته أن يثبتوا الذين آمنوا، وألقى الله -عز وجل- الرعبَ في قلوب الكافرين، كما قال -تعالى-: (إِذْ يُوحِي رَبُّكَ إِلَى الْمَلَائِكَةِ أَنِّي مَعَكُمْ فَثَبِّتُوا الَّذِينَ آمَنُوا سَأُلْقِي فِي قُلُوبِ الَّذِينَ كَفَرُوا الرُّعْبَ فَاضْرِبُوا فَوْقَ الْأَعْنَاقِ وَاضْرِبُوا مِنْهُمْ كُلَّ ‌بَنَانٍ) (الأنفال:١٢).

ومن ذلك: نزول الملائكة تقاتل مع المسلمين، كما قال -تعالى-: (إِذْ تَسْتَغِيثُونَ رَبَّكُمْ فَاسْتَجَابَ لَكُمْ أَنِّي مُمِدُّكُمْ بِأَلْفٍ مِنَ الْمَلَائِكَةِ ‌مُرْدِفِينَ) (الأنفال: 9).

فإذا أخذ المسلمون بأسباب النصر، كما قال -تعالى-: (‌وَأَعِدُّوا ‌لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ وَمِنْ رِبَاطِ الْخَيْلِ) (الأنفال:٦٠)، وإن كانت هذه القوة غير كافية، وتوكلوا على الله -عز وجل-، وكفي بالله وكيلًا، أمدهم الله -عز وجل- بأسباب لم تخطر على بالهم، (‌وَمَا ‌النَّصْرُ إِلَّا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ) (الأنفال: ١٠).

وفي غزوة الأحزاب: لما اجتمع عشرة آلاف من الأحزاب الكافرة، وحاصروا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وكانوا بين جبل احد وبين الخندق، وغدرت يهود بني قريظة، وكان فيهم سبعمائة مقاتل، وكان مع النبي -صلى الله عليه وسلم- ثلاثة آلاف، وكانوا بين الخندق وجبل سلع إلى المدينة، وكان الأمر كما وصفه الله -عز وجل- أبلغ وصف في سورة الأحزاب: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ جَاءَتْكُمْ جُنُودٌ فَأَرْسَلْنَا ‌عَلَيْهِمْ ‌رِيحًا وَجُنُودًا لَمْ تَرَوْهَا وَكَانَ اللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرًا . إِذْ جَاءُوكُمْ مِنْ فَوْقِكُمْ وَمِنْ أَسْفَلَ مِنْكُمْ وَإِذْ زَاغَتِ الْأَبْصَارُ وَبَلَغَتِ الْقُلُوبُ الْحَنَاجِرَ وَتَظُنُّونَ بِاللَّهِ الظُّنُونَا . هُنَالِكَ ابْتُلِيَ الْمُؤْمِنُونَ وَزُلْزِلُوا زِلْزَالًا شَدِيدًا) (الأحزاب: 9-11).

وذهبت الظنونُ الكاذبة بالمنافقين، والذين في قلوبهم مرض كل مذهب، وقالوا: (‌مَا ‌وَعَدَنَا ‌اللَّهُ وَرَسُولُهُ إِلَّا غُرُورًا) (الأحزاب:١٢)، وقالوا: "محمد -صلى الله عليه وسلم- كان يعدنا بكنوز كسري قيصر، وأحدنا لا يستطيع أن يقضي حاجته!".

ولكنَّ المؤمنين الصادقين كان لهم مقالة غير مقالة المنافقين، سجَّلها الله -عز وجل- لهم في نفس السورة، فقال -تعالى-: (وَلَمَّا رَأَى الْمُؤْمِنُونَ الْأَحْزَابَ قَالُوا هَذَا مَا وَعَدَنَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ ‌وَصَدَقَ ‌اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَمَا زَادَهُمْ إِلَّا إِيمَانًا وَتَسْلِيمًا) (الأحزاب:٢٢).

وبشَّر النبي -صلى الله عليه وسلم- الصحابة الكرام -رضي الله عنهم- بقصور كسرى، وقيصر، واليمن، والشام، وصدق الله ورسوله -صلى الله عليه وسلم-؛ فقد فتح المسلمون هذه البلاد.

ولما اشتد الأمر على المسلمين، واجتمعت عليهم شدة الخوف، مع شدة الجوع، مع شدة البرد، لجأ النبي -صلى الله عليه وسلم- إلى ربه وقال: (اللهُمَّ، مُنْزِلَ الْكِتَابِ، ‌وَمُجْرِيَ ‌السَّحَابِ، وَهَازِمَ الْأَحْزَابِ، اهْزِمْهُمْ، وَانْصُرْنَا عَلَيْهِمْ(متفق عليه)، فأرسل الله -عز وجل- ملائكة تزلزل قلوبهم، وريحًا يخلع خيامهم، وتكفأ قدورهم، وأزاحهم الله -عز وجل- عن مدينة نبيه -صلى الله عليه وسلم-.

ومن أعلام النبوة: أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال بعد أن أجلاهم الله -عز وجل- عن مدينته: (الْآنَ ‌نَغْزُوهُمْ ‌وَلَا يَغْزُونَنَا نَحْنُ نَسِيرُ إِلَيْهِمْ) (رواه البخاري)

فكيف نصر الله -عز وجل- المسلمين في بدر والأحزاب مع قلة الأسباب، وكيف أقام النبي -صلى الله عليه وسلم- دولة المدينة المنورة بعد ثلاثة عشر عاما من البعثة النبوية، وهذه المدة كأنها كاللحظات من عمر الأمم والشعوب؟!

ثم فتح النبي -صلى الله عليه وسلم- مكة المكرمة بعد ثماني سنوات من الهجرة، وفتح الخلفاء الراشدون، وملوك بني أمية، وبنو العباس البلاد حتى دقَّ المسلمون أبواب فيينا، وأوروبا، ووصلوا إلى حدود الصين، وقضوا على أعظم الإمبراطوريات في زمانهم: الإمبراطورية الفارسية، والرومانية.

وللحديث بقية -إن شاء الله-.