عاجل

رسالة للمتجرئين على الدماء!

  • 86

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد؛

فأحداث دامية تهز بلادنا وتشغل الصفحات والشاشات، وقلَّ مَن يضع يده على دوافع هذه الحوادث وأسبابها بغية تفاديها وعدم تكرارها.

ولا شك أن من وراء ذلك أسباب كثيرة ودوافع عديدة؛ إلا أن هناك سببًا ينبغي الانتباه إليه في مقدمة هذه الأسباب؛ ألا وهو: "رقة الدِّين في الناس"؛ ذلك أن الإيمان إذا قوي ظهر أثره على صاحبه في فعل ما أمر الله به، وترك ما نهى الله عنه، فإذا عرف كل ما له وما عليه؛ فستكون حياة الناس سهلة؛ ولِمَ لا وفي التنزيل: (‌مَنْ ‌عَمِلَ ‌صَالِحًا مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً) (النحل:97)؟!

فيحييهم الله -عز وجل- الحياة الطيبة، بطمأنينة قلب وسكينة نفس، وتلك هي السعادة على الحقيقة وإن كان الإنسان مقلًّا.

ومما يروى في السِّير: أن الصديق رضي الله عنه لما عيَّن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قاضيًا على المدينة مكث عمر مدة لم يختصم إليه اثنان، فطلب من أبي بكر إعفاءه من القضاء، فقال أبو بكر: "أمن مشقة القضاء تطلب الإعفاء يا عمر؟ فقال عمر: لا يا خليفة رسول الله، ولكن لا حاجة إليَّ عند قوم مؤمنين عرف كل منهم ما له من حق فلم يطلب أكثر منه، وما عليه من واجب فلم يقصر في أدائه؛ أحب كل منهم لأخيه ما يحب لنفسه، إذا غاب أحدهم تفقدوه، وإذا مرض عادوه، وإذا افتقر أعانوه، وإذا احتاج ساعدوه، وإذا أصيب واسوه، دينهم النصيحة وخلقهم الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، ففيمَ يختصمون؟!"، وهذه الرواية إن كانت مرسلة، لكن المعاني التي فيها صحيحة، وواقعة في المجتمع المسلم.

وهذا لا يعني خلو لمجتمع المسلم من المشاحنات والمشكلات، لكنها مقارنة بمجتمعات غيَّبت أحكام الشريعة الإسلامية ولم تلتزمها أقل بكثيرٍ؛ ولذا فإن مِن الحلول الجذرية لهذه الظاهرة: تفعيل أثر الدِّين في حياة الناس، ومدارسة الوحي في البيوت "كتابًا وسنة"، والاعتناء بحلق العلم والقرآن بصورة مباشرة، أو عبر وسائل التواصل، ودعوة الناس إلى ذلك استغلالًا لهذه الأحداث؛ سيما مقارئ القرآن الكريم بوابة الهداية الحقيقية، والتأكيد على ضرورة التخلق بأخلاق الإسلام والتحلي بها، وأن الدِّين ليس فقط يتمثَّل فيما يقوم به المسلم من الشعائر التعبدية، بل هو كذلك سلوكيات وأخلاقيات، وضرورة التربية على ذلك وبثه في الناس، وأنها من مقاصد البعثة المحمدية كما في قوله -صلى الله عليه وسلم: (إِنَّمَا بُعِثْتُ ‌لِأُتَمِّمَ صَالِحَ ‌الْأَخْلَاقِ) (رواه أحمد، وصححه الألباني).

بل إن مَن يعتني ويهتم بالشعائر التعبدية -على أهميتها ووجوبها-، ويهمل المعاني الأخلاقية والسلوكية؛ ربما كان من المفلسين يوم القيامة، كما عند مسلم في صحيحه أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: (أَتَدْرُونَ مَا ‌الْمُفْلِسُ؟) قَالُوا: ‌الْمُفْلِسُ فِينَا مَنْ لَا دِرْهَمَ لَهُ، وَلَا مَتَاعَ فَقَالَ: (إِنَّ ‌الْمُفْلِسَ مِنْ ‌أُمَّتِي يَأْتِي يَوْمَ الْقِيَامَةِ بِصَلَاةٍ وَصِيَامٍ وَزَكَاةٍ، وَيَأْتِي قَدْ شَتَمَ هَذَا، وَقَذَفَ هَذَا، وَأَكَلَ مَالَ هَذَا، وَسَفَكَ دَمَ هَذَا، وَضَرَبَ هَذَا فَيُعْطَى هَذَا مِنْ حَسَنَاتِهِ، وَهَذَا مِنْ حَسَنَاتِهِ، فَإِنْ فَنِيَتْ حَسَنَاتُهُ قَبْلَ أَنْ يُقْضَى مَا عَلَيْهِ أُخِذَ مِنْ خَطَايَاهُمْ فَطُرِحَتْ عَلَيْهِ، ثُمَّ طُرِحَ فِي النَّارِ).

ويا لحسرات قلبه عندما يرى تلك الثروة -ليست المالية، بل من الحسنات- وهي تقسَّم أمام عينيه على الغرماء!

ولا يفوتنا في هذا الصدد التأكيد على خطر حقوق الناس وضرورة استيفائها، وحرمة الدماء خصوصًا.

وهذا يأتي معنا المقال القادم -بإذن الله-.