نعم الأنيس! (2)

  • 64

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد؛

فكان الإمام الزهري -رحمه الله- إذا جلس في بيته وَضَع كتبه حوله، فيشتغل بها عن كل شيء من أمور الدنيا، فقالت له امرأته يومًا: "والله لهذه الكتب أشدُّ عليَّ مِن ثلاث ضرائر!".

وبلغ مِن حرص جد ابن تيمية على وقته ومطالعة الكتب: أنه إذا دخل الخلاء أَمَر حفيده أن يقرأ في الكتاب، ويرفع صوته حتى يسمع!

وقال ابن الجوزي -رحمه الله-: "وإني أخبر عن حالي ما أشبع من مطالعة الكتب، وإذا رأيت كتابًا لم أره فكأني وقعتُ على كنز، ولو قلتُ: إني طالعت عشرين ألف مجلد كان أكثر، وأنا بعد في الطلب".

وقد قيل: "أول العلم: الصمت، والثاني: حسن السؤال، والثالث: حسن الاستماع، والرابع: حسن الحفظ، والخامس: نشره عند أهله".

وقال سفيان بن عيينة -رحمه الله تعالى-: "أوّلُ العِلْمِ: حُسْنُ الاسْتماعِ، ثُمَّ الفَهْمُ، ثُمَّ الحِفْظُ، ثُمّ العملُ، ثُمَّ النّشْرُ، فإذا استمعَ العبدُ إلى كتاب الله -تعالى- وسنّة نبيه بِنِيَّةٍ صَادِقَةٍ على ما يُحِبُّ الله -تعالى-، أَفْهَمَهُ كما يَجِبُ، وجَعَلَ لَهُ في قَلْبِهِ نُورًا".

وقال سهل التستري -رحمه الله-: "مَا عُصِيَ اللهُ -تعالى- بمعصيةٍ أعظمَ مِن الجَهلِ. قيل: فهل تعرِفُ شيئًا أَشَدَّ مِن الجَهلِ؟ قال: نَعَم، الجهلُ بالجهلِ -الجهل المُرَكَّب-؛ لأنَّ الجهلَ بالجهلِ يَسُدُّ بابَ التَّعَلُّمِ بالكُليَّة، فَمَن ظَنَّ بِنَفْسِهِ العِلْمَ كيف يَتَعلَّم؟!".

قال ابن أبي الدنيا: "اعْلَمْ أَنَّ الْعِلْمَ أَشْرَفُ مَا رَغَّبَ فِيهِ الرَّاغِبُ، وَأَفْضَلُ مَا طَلَبَ وَجَدَّ فِيهِ الطَّالِبُ، وَأَنْفَعُ مَا كَسَبَهُ وَاقْتَنَاهُ الْكَاسِبُ؛ لِأَنَّ شَرَفَهُ يُثْمِرُ عَلَى صَاحِبِهِ، وَفَضْلَهُ يُنْمِي عَلَى طَالِبِهِ".

قال علي بن أبي طالب -رضي الله عنه-:

ما الفَـخـرُ إلّا لأهـلِ العـِلْمِ إنّـهـم         على الهُدَى لمن اسْتَهدى أدِلَّاءُ

وَوَزْنُ كُلِّ امرئٍ مَا كَانَ يُحْسِنُه         والجَـاهِـلُون لأهـلِ العـِلْمِ أعداءُ

قال العلماء: "مَن تَعلَّم القرآنَ والتفسيرَ عَظُمَتْ قِيْمَتُه، ومَن نَظَرَ في الفِقه نَبُلَ قَدْره، ومَن نَظَر في الحَدِيثِ قَوِيَتْ حُجَّته، ومَن نَظَرَ في اللّغةِ رَقَّ طَبْعُه، ومَن نَظَرَ في الحِسَاب جَزُلَ رَأيُهُ، ومَن لمْ يَصُنْ نَفْسَهُ لمْ يَنْفَعْهُ عِلْمُهُ".

تـَعـَلَّـمْ فـليسَ المرءُ يُولَدُ عَالمًا          ولَيسَ أَخو علمٍ كَمَنْ هُو جَاهِلُ

وإنَّ كـبـيرَ الـقـومِ لَا عِلْمَ عـندهُ         صَغيرٌ إِذَا التَفَّتْ عَلَيهِ المحَافِـلُ

قال عليٌّ -رضيَ الله عنه-: "كَفَى بِالْعِلْمِ شَرَفَاً أَنْ يَدَّعِيَهِ مَنْ لَا يُحْسِنُهُ، وَيَفْرَحَ بِهِ إِذَا نُسِبَ إِلَيْهِ، وَكَفَى بِالْجَهْلِ ضَعَةً أَنْ يَتَبَرَّأَ مِنْهُ مَنْ هُوَ فِيْهِ وَيَغْضَبُ إِذَا نُسِبَ إِلَيْهِ".

قال ابن الجوزي -رحمه الله-: "اعلم أنَّ البابَ الأعْظَم الذي يَدْخُلُ منه إبليسُ على النَّاسِ هو الجَهْل".

قيل لبعضهم: "بمَ أدركت العلم؟ قال: بالمصباح، والجلوس إلى الصباح!".

الـعـِلْـمُ صـيـدٌ والـكـِتَـابةُ قـيدُهُ           قَيّدْ صُيُودَكَ بالحِبَالِ الوَاثِـقَـهْ

فَمِنَ الحماقَةِ أنْ تَـصِيدَ غَزَالةً           وتَـفـُكَّـهـا بَين الخَلائِقِ طَالِقَهْ

فاللهم علمنا ما ينفعنا، وانفعنا بما علمتنا، وزدنا علمًا.

والحمد لله رب العالمين.