فلذات الأكباد بين غفلة الآباء وكيد الأعداء (1)

  • 87

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد؛

فمِن المعلوم أن أمة الإسلام إذا أرادت أن تعيد مجدها، وتصنع عزها، وتبني رفعتها، وتقضي على جميع مشكلاتها الاجتماعية والاقتصادية والسياسية؛ على مستوى الأفراد والجماعات، فلا بد أن تنشئ جيلًا فريدًا يكون انتماؤه لله ولرسوله؛ همه الأول الإسلام، وغذاؤه القرآن، وسقاؤه سنة النبي الكريم -صلى الله عليه وسلم- ليكون فيهم أمثال أبي بكر وعمر وعثمان، وعلي وخالد، وغيرهم -رضي الله عنهم-.

فلذات الأكباد هم ثمرة الفؤاد، وقرة العين، ومهجة القلب، وحملة الرسالة.

لقد امتن الله على عباده بنعمة الذرية، وذلك بحكمةٍ منه وفضلٍ، وبقدر لا يعلمه إلا هو: (أَلَا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ) (الملك:14)، فقال في سورة الشورى: (لِلَّهِ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ يَهَبُ لِمَنْ يَشَاءُ إِنَاثًا وَيَهَبُ لِمَنْ يَشَاءُ الذُّكُورَ . أَوْ يُزَوِّجُهُمْ ذُكْرَانًا وَإِنَاثًا وَيَجْعَلُ مَنْ يَشَاءُ عَقِيمًا إِنَّهُ عَلِيمٌ قَدِيرٌ) (الشورى:49-50)، عليم بأحوال عباده، قدير على كل شيء، لا يعجزه شيء في الأرض ولا في السماء، إذا قضى أمرًا فإنما يقول له كن فيكون.

وهم زينة الحياة الدنيا، فالكل يسعى لتحصيل هذه الزينة فيأخذ بأسبابها ووسائلها ما استطاع إلى ذلك سبيلًا: (الْمَالُ وَالْبَنُونَ زِينَةُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا) (الكهف:46)، وبيَّن الله أنها من نعمه على عباده، (وَاللَّهُ جَعَلَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا وَجَعَلَ لَكُمْ مِنْ أَزْوَاجِكُمْ بَنِينَ وَحَفَدَةً وَرَزَقَكُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ أَفَبِالْبَاطِلِ يُؤْمِنُونَ وَبِنِعْمَتِ اللَّهِ هُمْ يَكْفُرُونَ) (النحل:72).

قال السعدي -رحمه الله-: "يخبر -تعالى- عن منته العظيمة على عباده حيث جعل لهم أزواجًا ليسكنوا إليها، وجعل لهم من أزواجهم أولادًا تقر بهم أعينهم".

وقد بيَّن النبي -صلى الله عليه وسلم- في مواقف عملية أمام أصحابه الكرام فضل الله على عباده بهذه النعمة في قلب الإنسان، وأذكر منها ثلاثًا:

الأول: بينما هو يخطب وعلى منبره يعظ الناس وهم يستمعون له إذ أقبل الحسن والحسين يتعثران في ثوب لهما، فقطع النبي -صلى الله عليه وسلم- خطبته ونزل عن منبره وحملهما وصعد بهما، ثم أخبر أصحابه أنه لم يتمالك حينما رآهما ثم قرأ: (إِنَّمَا أَمْوَالُكُمْ وَأَوْلَادُكُمْ فِتْنَةٌ) (التغابن:15).

الثاني: حينما رآه الأقرع بن حابس التميمي يقبِّل الحسن أو الحسين، فقال: تقبلون صبيانكم عندي عشرة من الولد ما قبلت واحدًا منهم، فأنكر عليه ذلك النبي -صلى الله عليه وسلم-.

والثالث: بينما هو يصلي -صلى الله عليه وسلم- يحمل أُمامة بنت زينب وهي لأبي العاص بن الربيع، فإذا قام رفعها وإذا سجد وضعها، تدل هذه المواقف الثلاثة وغيرها على مكانة فلذات الأكباد في القلوب؛ شرط أن تكون رحيمة شفيقه ليست قاسية، ولا جامدة، فأبعد الناس عن ذلك أصحاب القلوب القاسية.

ولا شك أنه لا يشعر بقيمة هذه النعمة إلا مَن فقدها وحرمها، أسأل الله أن يعطي كل مشتاق بمنه وفضله، إنه على ما يشاء قادر.

وخلاصة ذلك: أن الأولاد نعمة ومنة وفضل، وعطية وهبة، والله -تعالى- يهب لمن يشاء الإناث أو الذكور، أو يزوجهم ذكرانًا وإناثًا.

وللحديث بقية -إن شاء الله-.