كلمتين وبس ... بين الاهتمام والتأثير

  • 38

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد؛

فالتغيير لا يحصل إلا بالتغيير، فتغيير الأحوال لا يكون ألا بتغيير المفاهيم والأعمال.

والتخلص من الإحباط في ظل هذا الواقع المرير ليس بالعسير، لكن الأمر في الحقيقة يحتاج منا إلى القدرة على صناعة الإنجاز والتحفيز.

ومفهوم الإنجازات المحفزة لا يلزم منها أن تكون من أول وهلة كبيرة وجماعية وممتدة، بل قد تكون فردية صغيرة، لكنها متكاملة ومنتظمة ومؤثرة في الدائرة المحيطة بنا.

ففاعلية المجموع وتأثيره تأتي من فاعلية الأفراد وتعاونهم، وعندما لا يقوم كل فرد بدوره على أتم وجه، لا تنتظر من أي كيان أو أمَّة أن تكون أمَّةً فاعلةً أو مؤثرةً.

وإحداث التغيير في الواقع يحتاج منا أن ندرك الفارق الكبير بين دوائر الاهتمام ودوائر التأثير، فدوائر الاهتمام أوسع بكثير من دوائر التأثير، ودوائر التأثير هي اللبنة الأولى في التغيير، فلا ينبغي أن تطغى دوائر اهتمامك على دوائر تأثيرك.

فنحن سنؤجر -بإذن الله- على الهم الذي ينتابنا من النظر في دوائر الاهتمام، لكننا سنُسأَل قطعًا عن دوائر التأثير التي فرطنا فيها.

يا صديقي؛ اهتم بقضايا المسلمين في العالم من حولك، لكن كن على يقين أن التغيير لن يأتي إلا باهتمامك الحقيقي بدوائر التأثير من حولك.

فمشروع تغيير العالم -كما قيل- قد يأتي من إيصال أقلام الرصاص وألواح القرآن لأطفال المدارس في أقصى ربوع إفريقيا، فهذا ما قد يُستطاع من البعض الآن، والله -عز وجل- لا يكلِّف نفسًا إلا وسعها وهو الذي يبارك في الأعمال ويدبر الأكوان.

فـإياك أن تحبط يا صديقي أو تيأس، أو تظن أن ما يمكنك فعله من خير في دائرة التأثير ما هو إلا قطرة في بحر الإحباطات في دوائر الاهتمام؛ فهذا ليس بصحيح.

فالبحر ليس إلا كمٌّ مِن القطرات، وكلما زادت قطرات الخير وتجمعت فيه، تغيرت المخرجات، كما أنه ليس حتمًا أن يرى أحدنا نتائج التغيير، فقد نموت قبل أن يحدث المراد، ولكن قد يأتي من يكمل مسيرك ممَّن صُنع في دوائر تأثيرك ولا تراه.

ألم يكن صلاح الدين يومًا فسيلة من تلك الفسائل التي غرسها عماد الدين زنكي في بلدة بعيدة بالشام؟!

ثم كان ماذا؟! 

كان ما أَقَرَ الله به أعين المؤمنين بعده بسنواتٍ وسنواتٍ.

فـالواجب أن نستمر في غرس الفسيلة لا أن نتعلق برؤية النتيجة، فتلك هي الوظيفة التي انتُدبنا لها لننال بها الريادة والسعادة في الدنيا والأخرة، فـانتبه يا صديقي.