• الرئيسية
  • مقالات
  • الفساد (116) الحصاد المر لـ(125) سنة سينما (7) ‏حرمة تمثيل شخصيات الأنبياء والرسل (1)‏

الفساد (116) الحصاد المر لـ(125) سنة سينما (7) ‏حرمة تمثيل شخصيات الأنبياء والرسل (1)‏

  • 66

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد؛

مِن أسوأ ما وقعتْ فيه السينما: جرأتها على تجسيد شخصيات الأنبياء والرُّسُل في أفلامها السينمائية، وهو ما وقع فيه الغرب النصراني، وتابعهم عليه صُنَّاع الفيلم الشيعي الإيراني، وهو أمر اتَّفق علماء المسلمين على تحريمه قديمًا وحديثًا، وللأزهر في منع ذلك مواقف مشكورة يُحمَد عليها.  

ومما لا شك فيه: أن للأنبياء وللرسل عامة "وللنبي -صلى الله عليه وسلم- خاصة"، منزلة عالية في نفوس المسلمين جميعًا، منزلة تجمع بين الحب الكبير لهم والتعظيم والتقدير، قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: (لَا يُؤْمِنُ أَحَدُكُمْ حَتَّى أَكُونَ ‌أَحَبَّ ‌إِلَيْهِ ‌مِنْ ‌وَالِدِهِ وَوَلَدِهِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ) (متفق عليه)، وقال -تعالى-: (إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ ‌شَاهِدًا ‌وَمُبَشِّرًا وَنَذِيرًا . لِتُؤْمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَتُعَزِّرُوهُ وَتُوَقِّرُوهُ وَتُسَبِّحُوهُ بُكْرَةً وَأَصِيلًا) (الفتح:8-9).

وهم وإن كانوا بَشَرًا كسائر البشر، لكن الله حباهم بما ليس عند غيرهم؛ إذ جمعوا بين كمال الخِلْقَة والخُلُق، بما يجعل لهم في النفوس هيبة لهم وإجلالًا، ولقد كان أصحاب النبي -صلى الله عليه وسلم- يجلونه ويهابونه مع حبهم الشديد له وتواضعه معهم وحبه لهم، فكان منهم مَن لا يجرؤ على إدامة وإمعان النظر لوجهه -صلى الله عليه وسلم- مِن شدة تعظيمه له، وما مِن أحدٍ وصفه -صلى الله عليه وسلم- ممَّن صاحبه أو رآه إلا وأثنى عليه غاية الثناء والمدح بما لا يحظى بمثله غيره، وهم في ذلك صادقين غير مبالغين.

وهذا وحده كافٍ في منع تجسيد وتمثيل شخصيات الأنبياء والرسل عامة "والنبي -صلى الله عليه وسلم- خاصة"، في الأفلام السينمائية والمسرحيات، والمسلسلات التليفزيونية والإذاعية، فإن محاولة تجسيد هذه الشخصيات بالصورة والصوت يجعلها عرضة لعبثٍ لا يليق بسيرة هؤلاء الأنبياء والرسل الكرام، وينتقص من مكانتهم وقدرهم.

فما بالك بعد ذلك وللرسل أحوال في حياتهم يختلفون فيها عن سائر البشر، منها: تلقي الوحي المنزل من السماء؛ فأنى لأحدٍ أن يجسِّد حاله عند تلقيه للوحي، وما أيدهم الله به من المعجزات؟!

بل ما بالك بتلاوته للقرآن في الصلاة وخارجها، وتعليمه القرآن لأصحابه وهو خير مَن تلا القرآن؛ أنى لأحدٍ أن يجسد شخصه وصوته في تلاوته للقرآن؟!

وما بالك بخطبه على المنبر، وهو خير مَن ارتقى المنابر؛ أنى لأحدٍ أن يجسِّد شخصه في خطبه؟!

وما بالك بمَن شق الملائكةُ صدره واستخرجوا من قلبه حظ الدنيا فيه؛ فأنى لأحدٍ أن يجسِّد مَن اكتمل باطنه وظاهره؟! ونحو ذلك كثير ...

ولقد جمع النبي -صلى الله عليه وسلم- بين أخلاق القرآن السامية وآداب الإسلام العالية، وشمائل الأنبياء والمرسلين بما يجعله لكلِّ مَن درس سيرته في مقدمة البشر خُلُقًا وأدبًا.

يقول محمود عباس العقاد: (وإنه لنافع للمسلم أن يقدر محمدًا بالشواهد والبينات التي يراها غير المسلم، فلا يسعه إلا أن يقدرها ويجري على مجراه فيها؛ لأن مسلمًا يقدر محمدًا على هذا النحو يحب محمدًا مرتين: مرة بحكم دينه (يعني إسلامه) الذي لا يشاركه فيه غيره، ومرة بحكم الشمائل الإنسانية التي يشترك فيها جميع الناس) ("مجموعة العبقريات، ص 10"، نقلًا مِن "محبة النبي -صلى الله عليه وسلم- وتعظيمه" من سلسلة "كتاب البيان" ط . أولى 1427 هـ - 2006م، ص 11).

يقول زكي طليمات في تعريفه للتمثيل بأن التمثيل هو: (تقمص دور الآخرين وحالتهم ، أو استحضار صورة من شخص أو حادث وشبيه له، دون استحضار الشخص نفسه، وإعادة الحادث بكل تفصيلاته).

ويعرف أحمد حسن الزيات التمثيل بأنه: (تمثيل طائفة من الناس لحادثٍ متحققٍ أو متخيلٍ، لا يخرج عن حدود الحقيقة أو الإمكان) (راجع: "حكم ممارسة الفن في الشريعة الإسلامية" رسالة ماجيستير، إعداد: صالح بن أحمد الغزالي ط. دار الوطن - الرياض ط. الأولى 1417 هـ - ص 286، 285).

فكيف يقوم أحد بالتمثيل -في حدود الحقيقة- لمَن بلغ الكمال البشري والعبودية الحقة لله ظاهرًا وباطنًا؟!

وإن تعذَّر بلوغ هذه الحقيقة؛ فهذا انتقاص فوق انتقاص في حق الأنبياء والرسل!

وهل يليق بمَن بلغ هذا الكمال البشري في الظاهر والباطن أن يُقَلَّد في شخصيته؟!

لقد وُجِد الأنبياء والرسل عامة والنبي -صلى الله عليه وسلم- خاصة بيننا للاقتداء به واتخاذهم قدوة في أحوالنا اليومية، لا لبذل الجهد في تقمص شخصياتهم ومحاكاتهم.

قال القاضي عياض عن الأنبياء: (فإن أرواحهم وبواطنهم متصفة بأعلى مِن أوصاف البشر، متعلقة بالملأ الأعلى، متشبهة بصفات الملائكة ... فجعلوا مِن جهة الأجسام والظواهر مع البشر، ومِن جهة الأرواح والبواطن مع الملائكة) ("الشفا بتعريف بحقوق المصطفى" ط. دار التراث - القاهرة 1425 هـ - 2004م، ص 53).

ويقول الشيخ محمد عبده عن الأنبياء: (فإنهم بمنزلة العقول من الأشخاص ... وهم في مراتبهم العلوية على نسبة من العالمين: نهاية الشاهد وبداية الغائب، فهم في الدنيا ليسوا من أهلها، وهم وفد الآخرة في لباس مَن ليس مِن سكانها) ("الأعمال الكاملة، محمد عبده" تحقيق د. محمد عمارة، ط. بيروت 1972 م، ج 3، (راجع مقالة: "بالمنطق: استحالة التمثيل الدرامي للأنبياء والمرسلين" د. محمد عمارة - مجلة الأزهر - عدد ربيع الأول 1436 هـ - ديسمبر 2014م، ص 459).

يقول د. محمد عمارة: (لذلك استحال تمثيل الأنبياء والمرسلين؛ لأن التمثيل محاكاة للواقع ... ونحن -بإزاء الأنبياء والمرسلين- أمام إعجاز مفارق للواقع، مستحيل على المحاكاة والتمثيل) (المصدر السابق).

والوحي كان ينزل على النبي -صلى الله عليه وسلم- بصورٍ متعددة ٍ، ذكر منها ابن القيم -رحمه الله- في (زاد المعاد): (أنه كان يأتيه في مثل صلصلة الجرس، وكان أشده عليه، فيلتبس به الملك حتى إن جبينه ليتفصد عرقًا في اليوم الشديد البرد، وحتى إن راحلته لتبرك به إلى الأرض إذا كان راكبها، ولقد جاء الوحي مرة كذلك وفخذه على فخذ زيد بن ثابت فثقلت عليه حتى كادت ترضها"، و(أنه يرى الملك في صورته التي خُلِق عليها ، فيوحي إليه ما شاء الله أن يوحيه، وهذا وقع له مرتين كما ذكر الله ذلك في سورة النجم)، و(كلام الله له منه إليه بلا واسطة مَلَك، كما كلَّم الله موسى بن عمران، وهذه المرتبة هي ثابتة لموسى قطعًا بنص القرآن، وثبوتها لنبينا -صلى الله عليه وسلم- وهو في حديث الإسراء) (راجع في ذلك: (الرحيق المختوم) لصفي الرحمن المباركفوري، ط. المكتب الجامعي الحديث - الإسكندرية، ص 68، وانظر زاد المعاد لابن القيم (1 /18).

إن السينمائيين أنفسهم يقولون: (الشخصية الدرامية المتكاملة ينبغي أن تقدِّم إنسانًا متعدد الأبعاد ... له حياته الخارجية الظاهرة التي نراها أمامنا ... وله حياته الباطنة التي نرى انعكاسها على عالم الواقع فيما تقوله الشخصية أو تفعله أو ما تلبسه أو ما تهمله)، فـ(للشخصية الدرامية ثلاثة أبعاد أو مقومات، هي:

الجسماني: رجل أو امرأة، ثم المظهر الخارجي وكل ما يتصل بالشكل العام جسديًّا.

الاجتماعي: وفيه يحدد الوضع الاجتماعي للشخصية طبقيًّا، ونوع العمل والتعليم، والحياة العائلية والمكانة الاجتماعية، واهتماماته الثقافية أو عدم اهتماماته أيضًا.

النفسي: وهو ثمرة البعدين السابقين، ويتعلق بمزاجه النفسي وأهدافه وأطماعه، وطموحاته وأخلاقياته وقدراته، ونوع إرادته -كونه قويًّا أم ضعيف الإرادة- وغير ذلك) (راجع: (سحر السينما) علي أبو شادي، ص 43 - 44)؛ فأنى لأحدٍ أن يلم بكل ذلك في شخصية النبي -صلى الله عليه وسلم- فضلًا عن أن يجسده تمام التجسيد، وطالما هذا غير ممكن في حقه -صلى الله عليه وسلم- وما بلغه من الكمال في الطاهر والباطن فلِمَ ننتفص من قدره بمحاولة تجسيد شخصية على شاشات العرض؟!

إن الأقلام وعقول الكُتَّاب على اختلاف مشاربهم وقدراتهم تعجز عن إعطاء النبي -صلى الله عليه وسلم- حقه في الكتابة عنه؛ فكيف سيعطي مَن يمثِّل شخصيته ويجسدها أمام الناس هذا الحق؟!  

ومعلوم أن العمل السينمائي يتوقف على:  

1- جهود كاتب قصة الفيلم وفهمه العميق الكامل لحياة وسيرة مَن سيكتب عنه بكلِّ ما فيها من أحداث ومواقف، وسيرة النبي -صلى الله عليه وسلم- مِن أوسع السير؛ إذ لا يوجد في تاريخ البشرية شخصية دُوِّنت دقائق وتفاصيل حياتها كلها في كلِّ أوجه معيشتها المختلفة بلا استثناء من خلال تدوين كل مواقفه وأحاديثه وأقواله، بل ودقائق حياته الاجتماعية، وما كان عليه في عباداته ومعاملاته وعاداته اليومية ليلا ونهارًا، هذا إلى جانب تفاصيل حروبه العسكرية وأسفاره وقيادته للدولة الإسلامية في المدينة.

ومعرفة هذا والإلمام به لا يُتاح قطعًا لغير المسلمين مهما أوتي من علم، ولا لغير المتخصصين المجيدين في دراسة سيرته من المسلمين، وأي خطأ أو إخلال أو تقصير في عرض ذلك هو انتقاص من قدره -صلى الله عليه وسلم- لا يليق.

والأسوأ من ذلك: أن كلَّ كاتب يضع تفاصيل تصوره ووجهة نظره في عرض وتنفيذ مَن يكتب عنه خلال السيناريو والحوار؛ لذا فليس كل كاتب كالآخر في عرضه وتصوره لأي شخصية، وهذا الاختلاف في العرض والتصور يجعل بعضهم أقرب في عرضها من بعض، ولكن لن يصل أحدٌ في ذلك إلى صيغة الكمال في تمثيل شخصية بلغت الكمال البشري، والكتابة العادية تختلف عن الكتابة للسينما والتمثيل، ومع ذلك فليس هناك كتاب سيرة كامل يستوعب كل تفاصيل سيرته، بل هي موزعة على كتب السير والأحاديث وما أكثرها! وهذا أمر يحتمله كتاب سيرة، ولكن بالطبع لا يتحمله مشهد مصور يعرض على أنه يمثِّل حياة النبي -صلى الله عليه وسلم- أو جزءًا منها.  

2- تصور المخرج للسيناريو والحوار المكتوب؛ إذ إن تحويل السيناريو إلى لقطات ومشاهد هو عمل المخرج ومساعديه، وهو المسئول عن تنفيذ العمل، ولكل مخرج تصوره وبصمته؛ لذا لا يمكن أن يتفق مخرج مع آخر في تنفيذ رؤيته للعمل الواحد، وهذا أمر لا مجال للطعن فيه؛ لذا يمكن أن نحصل على عددٍ مختلفٍ من الأفلام لنفس السيناريو لو نفَّذه مخرجون مختلفون؛ لاختلاف بصمة وتصور كل مخرج منهم عن غيره، فالفيلم هو المخرج قبل الكاتب والممثلون، ولا يصح أن تكون سيرة الأنبياء والرسل يختلف عرضها وتتوقف على تصور وفكر كل مخرج على حدة.

3 - قدرة الممثل على تصوير الشخصية، وهذا أمر يختلف من ممثل وآخر بقدر معايشته للشخصية وتصوره وتقمصه لها، ولو قام أكثر من ممثل بتمثيل نفس الدور الواحد لحصلنا على تصوراتٍ متعددةٍ للشخصية الواحدة، تختلف قربًا أو بُعدًا عن الشخصية، وليس من المقبول أن تكون شخصية نبي أو رسول بلغ الكمال البشري أن تتوقف على تصور كل ممثل على حِدَة مهما أوتي من قدرة على التمثيل والتقمص.

وقبل ذلك وبعده لا يصلح إطلاقًا أن نرى فيلما يجسِّد نبيًّا أو رسولًا، أو يجسد جزءًا من حياته وفيه ما نراه في أفلامنا من نساء متبرجات وعري، واختلاط الرجال بالنساء، وموسيقى وغناء ورقص، ونحو ذلك من المخالفات الشرعية؛ إذ لا يخلو عند صناع السينما فيلم مهما كان منها، حتى وإن قالوا عنه بزعمهم أنه فيلم ديني! حتى وإن كانت هذه المخالفة في مشهدٍ لا يظهر فيها النبي أو الرسول أو يشارك فيها، فمقامه يمنع هذا العبث ولا يتحمل التردي إلى هذا الصنيع في فيلم يحمل اسمه أو سيرته.

مواقف للأزهر في منع تمثيل الأنبياء والرسل:

للأزهر قديمًا وحديثًا مواقف مشهودة محمودة في التصدي لتمثيل الأنبياء والرسل، وعُرِض ذلك في بلاد المسلمين، ومن أشهر تلك المواقف:

1- منع يوسف وهبي من تمثيل شخصية النبي -صلى الله عليه وسلم-:

حيث (كانت أولى معارك الرقابة على السينما في مصر معركة موافقة يوسف وهبي على تمثيل شخصية محمدٍ -صلى الله عليه وسلم- عام 1926م في فيلم ألماني دعمه مصطفى كمال أتاتورك رئيس الجمهورية التركية، والتي انتهت بتراجع يوسف وهبي عن موافقته بناءً على فتوى من الأزهر) (راجع : "تاريخ الرقابة على السينما في مصر" سمير فريد - الهيئة المصرية العامة للكتاب ط. مكتبة الأسرة 2016م، ص 33).

فقد وافق يوسف وهبي على عرض بالقيام بتمثيل دور النبي -صلى الله عليه وسلم- في فيلم ضخم من إنتاج مؤسسة سينمائية ألمانية مشهورة نالت موافقة أتاتورك رئيس الجمهورية التركية على مشاركة الحكومة التركية في نفقاته، وقد أعدَّ السيناريو وصرَّحت بتصويره لجنة من العلماء المسلمين في إسطنبول على أن يظهر في الفيلم النبي -صلى الله عليه وسلم-!

وقد وقَّع يوسف وهبي على عقد التمثيل في السفارة الألمانية مقابل عشرة آلاف جنيه على أن ينتقل إلى باريس لتمثيل الفيلم، ولكن ما إن نُشِر الخبر في الصحف حتى ثار علماء الأزهر وثار معهم الرأي العام، (وظهرت في الصحف فتوى من شيخ الأزهر تنص على أن الدِّين يحرِّم تحريمًا باتًّا تصوير الرسل والأنبياء ورجال الصحابة -رضي الله عنهم-. وقال يوسف وهبي في مذكراته: وبَعَث إليَّ الملكُ فؤاد تحذيرًا قاسيًا مهددًا إياي بالنفي وحرماني من الجنسية المصرية) (المصدر السابق، ص 33-34).

وفي زمرة المقالات التي تداولتها الصحف حول هذه القضية كتب أحد علماء الدِّين مقالًا في الأهرام في 27 مايو 1926م جاء فيه: (يقول مدير الشركة: إن صورة عيسى -عليه السلام- قد عُرِضت على لوحة السينماتوغراف ولم تجد الشركة مَن ينازعها أو يعترض عليها من رجال الدين المسيحي، بل على العكس نالت الثقة والتشجيع!

ونحن نقول: لا نقركم أيضًا على تصوير عيسى -عليه السلام- ولا على تصوير غيره من الأنبياء، وإذا كنتم ارتكبتم منكرًا فلا يلزم أن نتابعكم، وأن نسير على سنتكم.

وأما ما تهدد به الشركة من أنه إذا لم يقم يوسف وهبي بهذا الدور فسيقوم به أجنبي يجهل الدين الإسلامي؛ فلا يضيرنا، ولا نؤاخذ به، أما أن يقوم مسلم بتمثيل هذا الدور الخطير ويقره جميع المسلمين على عمله فهذه هي الطامة الكبرى، على أن قيام يوسف وهبي بهذا الدور لا يمنع من قيام أي أجنبي به -كما يزعمون-، بل سيكون ثغرة شر تدخل منها جميع شركات السينماتوغراف التي لم تجرؤ على القيام بهذا العمل، فالشركة تريد أن تخدعنا، وأن تأخذ إقرارًا من جميع المسلمين في مصر التي هي مهد العلم وكعبة الدِّين، ثم تنسج على منوالها جميع الشركات، وبدل أن يكون الممثل للنبي يوسف وهبي المسلم يكون (جورجي أويني)، وهي إساءة للدين لا تغتفر!

ولستُ أدري: كيف يقوم يوسف وهبي بتصوير الوحي والإرهاصات الداخلية التي سبقته؟!

ومِن أين له البراق النبوي حتى يمثِّل صورة الإسراء والمعراج؟!

الحق أن هذه مجازفة لا تُحمَد عاقبتها، وإقدام لا يليق بمسلمٍ أن يتحمل المسئولية التي تترتب عليه أمام الله ورسوله) (راجع المصدر السابق، ص 44-45 بتصرفٍ).

بينما كتب الشاعر والكاتب المسرحي بديع خيري في الأهرام في29 مايو يقول: (وأنا بالطبع كواحدٍ من كتاب المسرح لا أكره أن يكون لنا -نحن المصريين- أبطالٌ فنيون يُشَار إليهم في عالم السينما  لينشروا على الأمم الحديثة أخلاقنا الشرقية الصحيحة غير مشوبة بالأكاذيب الدنيئة والأغراض المفتراة، ولكني من جهة أخرى أصارح الأستاذ (يعني يوسف وهبي) في شيءٍ مِن الحيطة والحذر، وأنبهه إلى خطورة موضوع كهذا له جلاله الغريزي، وله قداسته المكينة في نفوس المسلمين عامة، وأنه لبعيد الاحتمال أن يطمئن واحد من هؤلاء جميعًا إلى نزاهة المقصد من شركة مسيحية فرنساوية تعمل فبل كل شيء لمجرد المصلحة المادية كغيرها من الشركات.

يقول يوسف بك: إن المسيحيين أنفسهم لم يعترضوا على إظهار صورة السيد المسيح في أوروبا، وفَاتَه أن الفارق عظيم جدًّا بيننا وبينهم من هذه الناحية! فهناك لا تتنافى طقوس الدين مع اتخاذ التماثيل والصور للعذراء وللمسيح وللتلاميذ (أي: تلاميذ المسيح)، والأحبار، في حين أن الإسلام مِن بدء نشأته للآن لم يُجِز في مرةٍ مِن المرات محاولة كهذه؛ لا عن النبي ولا عن صحابته، ولا أي أحدٍ كان مِن أتباعه الصالحين.

ثم على سبيل الاستدلال: هل يرى يوسف بك مثلًا أن حديث الله -جل جلاله- مع الشيطان في رواية: (فوست) يصح في يومٍ من الأيام أن يتقدَّم به إلى جمهور المسلمين كما يتقدم به (جوت) الألماني إلى شعوب أوروبا؟! طبعًا لا.

وإذًا؛ فلماذا القياس مع هذا التفاوت الملموس؟!

ذلك على فرض أن العناية ستكون دقيقة جدًّا في إخراج الشريط مطابقًا للحياة النبوية غير العادية، وهذا ما أُجْزِم باستحالته؛ فلا نزاع قط في أن شخصية محمدٍ -صلى الله عليه وسلم- أرفع بكثيرٍ مما يستطيع أن يتصوره مجرد شخص في غير مقام النبوة) (راجع المصدر السابق، ص 48 -49 بتصرفٍ).

2- منع تمثيل قصة يوسف -عليه السلام-:

حيث قَدَّم يوسف شاهين سيناريو فيلم تحت عنوان: (يوسف وإخوته)، (ولكن الأزهر طَلَب تغيير العنوان وعدم تجسيد النبي يوسف -عليه السلام-، أي: عدم الالتزام بالقصة كما جاءت في الكتب السماوية، ووافق يوسف شاهين على ذلك احترامًا للأزهر، واحترامًا للتقاليد الإسلامية، وأعاد كتابة السيناريو على أساس استلهام قصة النبي، وعدم الالتزام بما جاء في الكتب السماوية حتى تصبح مختلفة) (المصدر السابق، ص 170 - 171 بتصرفٍ).

وعُرِض الفيلمُ باسم: (المهاجر) في 1994م فأثار جدلًا، فمُنِع الفيلمُ مِن العرض مدةٍ باعتباره محاولة لعرض قصة يوسف -عليه السلام- بطريق غير مباشر، ثم أُعيد عرضه بحكم قضائي.

3- منع عرض فيلم نوح -عليه السلام-:

في مارس 2014م منع الأزهرُ عرض فيلم (نوح) في مصر، وهو فيلم أمريكي يصوِّر قصة حياة نبي الله نوح -عليه السلام-، وكان اعتراض الأزهر عليه مبنيًّا على مبدأ حرمة تجسيد شخصيات الأنبياء والرُّسُل.