• الرئيسية
  • المقالات
  • وقفات مع آيات (19) (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَدْخُلُوا بُيُوتَ النَّبِيِّ إِلَّا أَن يُؤْذَنَ لَكُمْ ... ) (موعظة الأسبوع)

وقفات مع آيات (19) (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَدْخُلُوا بُيُوتَ النَّبِيِّ إِلَّا أَن يُؤْذَنَ لَكُمْ ... ) (موعظة الأسبوع)

  • 65

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد؛

فقد قال - تعالى-: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَدْخُلُوا بُيُوتَ النَّبِيِّ إِلَّا أَن يُؤْذَنَ لَكُمْ إِلَى طَعَامٍ غَيْرَ نَاظِرِينَ إِنَاهُ وَلَكِنْ إِذَا دُعِيتُمْ فَادْخُلُوا فَإِذَا طَعِمْتُمْ فَانتَشِرُوا وَلَا مُسْتَأْنِسِينَ لِحَدِيثٍ إِنَّ ذَلِكُمْ كَانَ يُؤْذِي النَّبِيَّ فَيَسْتَحْيِي مِنكُمْ وَاللَّهُ لَا يَسْتَحْيِي مِنَ الْحَقِّ وَإِذَا سَأَلْتُمُوهُنَّ مَتَاعًا فَاسْأَلُوهُنَّ مِن وَرَاءِ حِجَابٍ ذَلِكُمْ أَطْهَرُ لِقُلُوبِكُمْ وَقُلُوبِهِنَّ وَمَا كَانَ لَكُمْ أَن تُؤْذُوا رَسُولَ اللَّهِ وَلَا أَن تَنكِحُوا أَزْوَاجَهُ مِن بَعْدِهِ أَبَدًا إِنَّ ذَلِكُمْ كَانَ عِندَ اللَّهِ عَظِيمًا) (الأحزاب:53).

قصة نزول الآية:

قال ابن كثير-رحمه الله-: "كان وقت نزولها في صبيحة عرس رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بزينب بنت جحش، التي تولَّى الله -تعالى- تزويجها بنفسه، وكان ذلك في ذي القعدة من السنة الخامسة، في قول قتادة، والواقدي، وغيرهما.

قال البخاري عن أنس بن مالك -رضي الله عنه- قال: "لما تزوج رسول الله -صلى الله عليه وسلم- زينب بنت جحش، دعا القوم فطعموا ثم جلسوا يتحدثون، فإذا هو كأنه يتهيأ للقيام فلم يقوموا، فلما رأى ذلك قام، فلما قام، قام مَن قام، وقعد ثلاثة نفر، فجاء النبي -صلى الله عليه وسلم- ليدخل، فإذا القوم جلوس، ثم إنهم قاموا فانطلقت، فجئت فأخبرت النبي -صلى الله عليه وسلم- أنهم قد انطلقوا، فجاء حتى دخل، فذهبت أدخل، فألقى الحجاب بيني وبينه، فأنزل الله: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَدْخُلُوا بُيُوتَ النَّبِيِّ) الآية".

وفى رواية أخرى قال أنس: "ولقد رأيتنا حين دخلت زينب على رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، أطعمنا عليها الخبز واللحم، فخرج الناس وبقي رجال يتحدثون في البيت بعد الطعام، فخرج رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، واتبعته، فجعل يتتبع حجر نسائه يسلم عليهن، ويقلن: يا رسول الله، كيف وجدت أهلك؟ فما أدري أنا أخبرته أن القوم قد خرجوا أو أخبر، قال: فانطلق حتى دخل البيت، فذهبت أدخل معه، فألقى الستر بيني وبينه، ونزل الحجاب، ووعظ القوم بما وعظوا به، (لَا تَدْخُلُوا بُيُوتَ النَّبِيِّ إِلَّا أَن يُؤْذَنَ لَكُمْ) (الأحزاب:53)، الآية كلها.

التفسير العام للآية:

يا أيها الذين صدَّقوا الله ورسوله وعملوا بشرعه، لا تدخلوا بيوت النبي إلا بإذنه لتناول طعام، غير منتظرين نضجه، ولكن إذا دعيتم فادخلوا، فإذا أكلتم فانصرفوا غير مستأنسين لحديث بينكم؛ فإن انتظاركم واستئناسكم يؤذي النبي فيستحيي من إخراجكم من البيوت مع أن ذلك حق له، والله لا يستحيي من بيان الحق وإظهاره، وإذا سألتم نساء رسول الله -صلى الله عليه وسلم- حاجة من أواني البيت ونحوها، فاسألوهن من وراء ستر؛ ذلكم أطهر لقلوبكم وقلوبهن من الخواطر التي تعرض للرجال في أمر النساء، وللنساء في أمر الرجال؛ فالرؤية سبب الفتنة، وما ينبغي لكم أن تؤذوا رسول الله، ولا أن تتزوجوا أزواجه من بعد موته أبدًا؛ لأنهن أمهاتكم، ولا يحلُّ للرجل أن يتزوج أمَّه، إنَّ أذاكم رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ونكاحكم أزواجه من بعده إثم عظيم عند الله، وقد امتثلت هذه الأمة هذا الأمر، واجتنبت ما نهى الله عنه منه) (المختصر في التفسير -مركز تفسير للدراسات القرآنية).

فوائد حول الآية(1):

1- حقوق المضيف على الضيف(2):

- لقد أمر الإسلام بإكرام الضيف، حتى جعلها عبادة، وعلامة على الإيمان: قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: (ومَن كانَ يُؤْمِنُ باللَّهِ والْيَومِ الآخِرِ فَلْيُكْرِمْ ضَيْفَهُ) (متفق عليه).

- وفي المقابل، فهناك جملة من حقوق المُضيف على الضيف منها:

1- الاستئذان في الدخول: قال -تعالى-: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَدْخُلُوا بُيُوتَ النَّبِيِّ إِلَّا أَن يُؤْذَنَ لَكُمْ)، قال الشوكاني -رحمه الله-: "نهى الله المؤمنين عن ذلك في بيت النبي -صلى الله عليه وسلم-، ودخل في النهى سائر المؤمنين".

2- الحضور في الموعد المحدد: (إِلَّا أَن يُؤْذَنَ لَكُمْ إِلَى طَعَامٍ غَيْرَ نَاظِرِينَ إِنَاهُ وَلَكِنْ إِذَا دُعِيتُمْ فَادْخُلُوا).

3- ألا يطيل البقاء بما يحرج مضيفه، ما لم يأذن بذلك: قال -تعالى-: (فَإِذَا طَعِمْتُمْ فَانتَشِرُوا وَلَا مُسْتَأْنِسِينَ لِحَدِيثٍ إِنَّ ذَلِكُمْ كَانَ يُؤْذِي النَّبِيَّ فَيَسْتَحْيِي مِنكُمْ وَاللَّهُ لَا يَسْتَحْيِي مِنَ الْحَقِّ)، وقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: (لا يَحِلُّ لِرَجُلٍ مُسْلِمٍ أنْ يُقِيمَ عِنْدَ أخِيهِ حتَّى يُؤْثِمَهُ) قالوا: يا رَسولَ اللهِ، وكيفَ يُؤْثِمُهُ؟ قالَ: (يُقِيمُ عِنْدَهُ ولا شيءَ له يَقْرِيهِ بهِ) (متفق عليه).

4- ألا يصطحب معه من لم يأذن له المُضيف، فإن فعل استأذن له: عن أبي مسعود الأنصاري -رضي الله عنه- قال: إن رَجُلٌ مِنَ الأنْصَارِ يُقَالُ له: أَبُو شُعَيْبٍ، وَكانَ له غُلَامٌ لَحَّامٌ، فَرَأَى رَسولَ اللهِ -صلى الله عليه وسلم- فَعَرَفَ في وَجْهِهِ الجُوعَ، فَقالَ لِغُلَامِهِ: وَيْحَكَ، اصْنَعْ لَنَا طَعَامًا لِخَمْسَةِ نَفَرٍ، فإنِّي أُرِيدُ أَنْ أَدْعُوَ النبيَّ -صلى الله عليه وسلم- خَامِسَ خَمْسَةٍ، قالَ: فَصَنَعَ، ثُمَّ أَتَى النبيَّ -صلى الله عليه وسلم- فَدَعَاهُ خَامِسَ خَمْسَةٍ وَاتَّبَعَهُمْ رَجُلٌ، فَلَمَّا بَلَغَ البَابَ، قالَ النبيُّ -صلى الله عليه وسلم-: (إنَّ هذا اتَّبَعَنَا، فإنْ شِئْتَ أَنْ تَأْذَنَ له، وإنْ شِئْتَ رَجَعَ) قالَ: لَا، بَلْ آذَنُ له يا رَسولَ اللَّهِ. (متفق عليه).

5- النصح للمضيف في استبقاء ما ينفعه وأهله، لا سيما عند الحاجة: ففي قصة ضيافة أبى الهيثم -رضي الله عنه- للنبي -صلى الله عليه وسلم- وصاحبية وأنه: فَجَاءَهُمْ بعِذْقٍ فيه بُسْرٌ وَتَمْرٌ وَرُطَبٌ، فَقالَ: كُلُوا مِن هذِه، وَأَخَذَ المُدْيَةَ، فَقالَ له رَسولُ اللهِ -صلى الله عليه وسلم-: (إيَّاكَ، وَالْحَلُوبَ)، فَذَبَحَ لهمْ، فأكَلُوا مِنَ الشَّاةِ وَمِنْ ذلكَ العِذْقِ وَشَرِبُوا ... " (رواه مسلم).

6- عدم التلصص على عورات أهل البيت: عن عبد الله بن أبي الهذيل قال: دَخلَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مَسْعُودٍ -رضي الله عنه- عَلَى مَرِيضٍ يَعُودُهُ، وَمَعَهُ قَوْمٌ، وَفِي الْبَيْتِ امْرَأَةٌ، فَجَعَلَ رَجُلٌ مِنَ الْقَوْمِ يَنْظُرُ إلى الْمَرْأَةِ، فَقَالَ لَهُ عَبْدُ اللهِ‏: ‏ "لَوْ انْفَقَأَتْ عَيْنُكَ كَانَ خَيْرًا لَكَ" (رواه البخاري في الأدب المفرد، وصححه الألباني).

7- الدعاء للمضيف: عن أنس -رضي الله عنه-: أن النبي -صلى الله عليه وسلم- جاءَ إلى سَعدِ بنِ عُبادةَ، فَجاءَ بِخُبزٍ وزيتٍ، فأكلَ، ثمَّ قال النَّبيُّ -صلى الله عليه وسلم-: (أفطرَ عندَكُم الصَّائمونَ، وأكلَ طعامَكم الأبرارُ، وصلَّتْ عليكُم الملائكةُ) (رواه أبو داود والنسائي وصححه الألباني).

2- تدابير إسلامية لسد ذريعة الفتنة بالنساء:

- لقد اشتملت الآية على حكم وأدب آخر، وهو الحجاب: قال الله -تعالى-: (وَإِذَا سَأَلْتُمُوهُنَّ مَتَاعًا فَاسْأَلُوهُنَّ مِن وَرَاءِ حِجَابٍ ۚ ذَلِكُمْ أَطْهَرُ لِقُلُوبِكُمْ وَقُلُوبِهِنَّ).

- من عظيم تشريعات الإسلام في سد منابع فتنة النساء، فرض الحجاب ومنع الاختلاط؛ لما في ذلك مِن عفة وطهارة: قال -تعالى-: (وَإِذَا سَأَلْتُمُوهُنَّ مَتَاعًا فَاسْأَلُوهُنَّ مِن وَرَاءِ حِجَابٍ ۚ ذَلِكُمْ أَطْهَرُ لِقُلُوبِكُمْ وَقُلُوبِهِنَّ).

- لذلك فإن دعاة الضلالة، وأهل الفساد، يحاولون دائمًا تشويه الحجاب بأساليب شيطانية، فليحذر المسلمون منهم: قال -تعالى-: (وَاللَّهُ يُرِيدُ أَن يَتُوبَ عَلَيْكُمْ وَيُرِيدُ الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الشَّهَوَاتِ أَن تَمِيلُوا مَيْلًا عَظِيمًا) (النساء:27).

- على المرأة المسلمة أن تتقى الله في نفسها بالتزام حجاب ربها، لكيلا تعرض نفسها لسخط ربها وعقابه: قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: (صِنْفَانِ من أهلِ النارِ لمْ أَرَهُما بَعْدُ) وذكر: (ونِساءٌ كَاسِياتٌ عَارِياتٌ، مُمِيلاتٌ مائِلاتٌ، رُؤوسُهُنَّ كَأَسْنِمَةِ البُخْتِ المائِلَةِ، لا يَدْخُلَنَّ الجنةَ، ولا يَجِدَنَّ رِيحَها، وإِنَّ رِيحَها لَيوجَدُ من مَسِيرَةِ كذا وكذا) (رواه مسلم باختلافٍ يسيرٍ).

- وعلى أولياء النساء أن يتقوا الله في نسائهم؛ لأن فساد كثيرٍ من النساء وتبرجهن، راجع إلى تهاون أوليائهن من الرجال، وفقدانهم نخوة الرجولة، والغيرة على الحريم: قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: (إنَّ اللهَ سائلٌ كلَّ راعٍ عمَّا استرعاه، حفِظ أم ضيَّع، حتَّى يسألَ الرَّجلَ عن أهلِ بيتِه) (رواه النسائي وابن حبان، وصححه الألباني)، وخطب علي بن أبي طالب في الناس يومًا، فقال: "أمَا تَغارون أنْ يَخرُجَ نِساؤُكُم -وفي روايةٍ: ألَا تَستَحْيون أوْ تَغارون-؛ فإنَّه بَلَغَني أنَّ نِساءَكُم يَخرُجْنَ في الأسواقِ يُزاحِمْنَ العُلوجَ" (رواه الإمام أحمد في المسند).

- مواقف مشرفة في الغيرة على الحريم:

1- غيرة الزبير -رضي الله عنه-: ذكر أبو عمر في التَّمهيد: أنَّ عمر-رضي الله عنه- لما خطب عاتكة بنت زيد، شرطت عليه ألّا يضربها، ولا يمنعها من الحقّ، ولا من الصّلاة في المسجد النبويّ، ثم شرطت ذلك على الزّبير، فتحيَّل عليها أن كمن لها لما خرجت إلى صلاة العشاء، فلما مرّت به ضرب على عجيزتها، فلما رجعت قالت: "إنا للَّه! فسد النّاس! فلم تخرج بعد" (الإصابة - أسد الغابة في معرفة الصحابة لابن الأثير المؤرخ).

2- غيرة رجل صالح -رحمه الله-: ذكر ابن كثير في حوادث سنة 286هـ قال: "مِن عجائب ما وقع من الحوادث في هذه السنة، أن امرأة تقدمت إلى قاضي الري، فادعت على زوجها بصداقها خمسمائة دينار، فأنكره، فجاءت ببينة تشهد لها به، فقالوا: نريد أن تسفر لنا عن وجهها حتى نعلم أنها الزوجة أم لا، فلما صمموا على ذلك قال الزوج: لا تفعلوا هي صادقة فيما تدعيه، فأقر بما ادعت ليصون زوجته عن النظر إلى وجهها، فقالت المرأة حين عرفت ذلك منه، وأنه إنما أقر ليصون وجهها عن النظر: هو في حل من صداقي عليه في الدنيا والآخرة"، وزاد الحافظ السمعاني في الأنساب: "فقال القاضي وقد أعجب بغيرتهما: يكتب هذا في مكارم الأخلاق" (البداية والنهاية، نقلًا عن عودة الحجاب - د. محمد إسماعيل).

3- من خصائص النبي -صلى الله عليه وسلم- فيما يتعلق بزوجاته(3):

- أن زوجاته -رضي الله عنهن- أمهات للمؤمنين: وقال -تعالى-: (النَّبِيُّ أَوْلَى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنفُسِهِمْ وَأَزْوَاجُهُ أُمَّهَاتُهُمْ) (الأحزاب:6).

- أنهن لا يحل الزواج منهن مِن بعده: قال -تعالى-: (وَمَا كَانَ لَكُمْ أَن تُؤْذُوا رَسُولَ اللَّهِ وَلَا أَن تَنكِحُوا أَزْوَاجَهُ مِن بَعْدِهِ أَبَدًا إِنَّ ذَلِكُمْ كَانَ عِندَ اللَّهِ عَظِيمًا).

- وأنهن أفضل نساء الأمة: قال -تعالى-: (يَا نِسَاءَ النَّبِيِّ لَسْتُنَّ كَأَحَدٍ مِّنَ النِّسَاءِ إِنِ اتَّقَيْتُنَّ فَلَا تَخْضَعْنَ بِالْقَوْلِ فَيَطْمَعَ الَّذِي فِي قَلْبِهِ مَرَضٌ وَقُلْنَ قَوْلًا مَّعْرُوفًا).

- وأنهن من آل البيت: (وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ وَلَا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الْأُولَى وَأَقِمْنَ الصَّلَاةَ وَآتِينَ الزَّكَاةَ وَأَطِعْنَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا) (الأحزاب:34).

- أنهن لا يسألهن أحد ولا يخاطبهن إلا من وراء ستار أو جدار(4): قال -تعالى-: (وَإِذَا سَأَلْتُمُوهُنَّ مَتَاعًا فَاسْأَلُوهُنَّ مِن وَرَاءِ حِجَابٍ).

خاتمة:

- تذكير بالآية وما تحمله من أحكام وآداب: قال ابن كثير -رحمه الله-: "هذه آية الحجاب، وفيها أحكام وآداب شرعية، وهي مما وافق تنزيلها قول عمر بن الخطاب -رضي الله عنه-، كما ثبت ذلك في الصحيحين عنه أنه قال: وافقت ربي في ثلاث، فقلت: يا رسول الله، لو اتخذت من مقام إبراهيم مصلى؟ فأنزل الله: (وَاتَّخِذُوا مِن مَّقَامِ إِبْرَاهِيمَ مُصَلًّى)، وقلت: يا رسول الله، إن نساءك يدخل عليهن البر والفاجر، فلو حجبتهن؟ فأنزل الله آية الحجاب، وقلت لأزواج النبي -صلى الله عليه وسلم- لما تمالأن عليه في الغيرة: (عَسَى رَبُّهُ إِن طَلَّقَكُنَّ أَن يُبْدِلَهُ أَزْوَاجًا خَيْرًا مِّنكُنَّ) (التحريم: 5)، فنزلت كذلك.

فاللهم صلِّ على محمدٍ -صلى الله عليه وسلم- مؤدب البشرية، وعلى آله وصحبه وأزواجه أمهات المؤمنين، والحمد لله رب العالمين.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(1) الإشارة إلى أن الآية تحمل آدابًا كريمة يغرسها الإسلام في نفوس أتباعه، وهي الفوائد التالية.

(2) يحسن الإشارة إلى الشاهد، وهو تجاوز أضياف النبي -صلى الله عليه وسلم- أو بعضهم حقوق المضيف.

(3) تجدر الإشارة إلى موضوع خصائص النبي -صلى الله عليه وسلم- في جملة وعبارة مختصرة جدًّا، مثل: أن ما اختص به -صلى الله عليه وسلم- على أربعة أنواع كما يلي:

1- ما اُختص به في الدنيا بذاته. 2- ما اُختص به هو وأمته في شرعه في الدنيا.

3- ما اُختص به في ذاته في الآخرة. 4- ما اختص به في أمته في الآخرة.

(4) الإشارة إلى أن الآية متأخرة عن آية الحجاب العامة، وهي قوله -تعالى-: (يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُل لِّأَزْوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَاءِ الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِن جَلَابِيبِهِنَّ ذَلِكَ أَدْنَى أَن يُعْرَفْنَ فَلَا يُؤْذَيْنَ) (الأحزاب:59)، وأما الآية التي معنا، فهي تحمل حجابًا زائدًا في حقِّ أزواج النبي -صلى الله عليه وسلم-، وهو حجاب الجدر والستر.