أنت حر ما لم تضر ... هل تغني عن ضوابط الشريعة؟!

  • 64

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد؛

"أنت حر ما لم تضر" عبارة مخالفة للشرع، ومتناقضة؛ أما مخالفتها للشرع؛ فلأن حرية الإنسان مقيَّدة بعدم تجاوز حدود الله -تعالى-، كما قال -تعالى-: "تِلكَ حُدودُ اللَّهِ فَلا تَعتَدوها وَمَن يَتَعَدَّ حُدودَ اللَّهِ فَأُولئِكَ هُمُ الظّالِمونَ"، وأما تناقضها فلأن كثيرًا مِن المعاصي التي تصنَّف تحت بند الحرية الشخصية، نجد أنها تلحق الضرر بالآخرين.

وخذ مثلًا على ذلك، شرب الخمور؛ فإنه يصيب صاحبه بكثيرٍ مِن الاضطرابات النفسية والسلوكية والأخلاقية، وهو ما يلحق الضرر بأسرته ومَن يعولهم، وقد يقود سيارته وهو مخمور، وقد يقتل وهو كذلك، ومعلوم مدى تسبب الخمور في كثيرٍ مِن الجرائم؛ ولهذا قال -تعالى-: "إِنَّما يُريدُ الشَّيطانُ أَن يوقِعَ بَينَكُمُ العَداوَةَ وَالبَغضاءَ فِي الخَمرِ وَالمَيسِرِ وَيَصُدَّكُم عَن ذِكرِ اللَّهِ وَعَنِ الصَّلاةِ فَهَل أَنتُم مُنتَهونَ".

كذلك الزنا فإنه يترتب عليه مِن الظلم للمرأة المزني بها؛ خاصة إذا كانت تفعل ذلك لحاجتها للمال -رغم ظلمها لنفسها ابتداءً-، وهو ظلم لأهلها، وظلم لزوجها إن كانت متزوجة، وظلم للأبناء الذين ينتجون عن هذه العلاقة، فيتعرضون للإجهاض، أو التربية في أسرة مشوهة.

ولهذا قال يوسف -عليه السلام- لامرأة العزيز لما راودته -وتأمل هنا أنها كانت راضية، بل وطالبة لذلك- فقال لها: "مَعاذَ اللَّهِ إِنَّهُ رَبّي أَحسَنَ مَثوايَ إِنَّهُ لا يُفلِحُ الظّالِمونَ".

كذلك الشذوذ: فإنه يلحق الضرر بالمجتمع، فإن قوام المجتمع الأسر الفطرية، وإذا انهارت الأسرة انهار معها المجتمع، وهو ظلم للأبناء الذين ينشؤون في هذه الأسرة المشوهة المكونة من رجلين أو امرأتين! وقد شاهدت مقطعًا لرجل نشأ في أسرة مثلية يحذر مِن هذه الصورة وآثارها السلبية على الطفل.

كذلك التبرج والتعري: فإنه يثير غرائز الرجال، ويهيج داعي الفاحشة في النفوس، ومع أمر الرجال بغض البصر أمرت المرأة بالإعانة على ذلك بستر عورتها، وعدم إثارة مكامن الغرائز، قال -تعالى-: "فَلا تَخضَعنَ بِالقَولِ فَيَطمَعَ الَّذي في قَلبِهِ مَرَضٌ وَقُلنَ قَولًا مَعروفًا"، وقال -تعالى-: "وَإِذا سَأَلتُموهُنَّ مَتاعًا فَاسأَلوهُنَّ مِن وَراءِ حِجابٍ ذلِكُم أَطهَرُ لِقُلوبِكُم وَقُلوبِهِنَّ".

وهذا كله ضرر بالآخرين؛ فضلًا عن إضراره بنفسه التي هي أمانة استأمنه الله عليها، فلا يجوز له إتلافها ولا الإضرار بها، كما قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: "لا ضرر ولا ضرار"، وهي نص عام في المنع من كل ما فيه ضرر بالنفس أو الغير.