التخطيط للعمل التطوعي (فن استشراف المستقبل) (1)

  • 564

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد؛

تعريف التخطيط:

- هو وضع التصورات المستقبلية لما يجب تنفيذه في ضوء الإمكانات المتاحة.

- وهو تحديد أهدافنا المستقبلية ثم وضع الوسائل المناسبة لتحقيق هذه الأهداف، ثم وضع هذه السائل في إطار زمني مع تحديد الموارد المالية والبشرية اللازمة.

- وهو جسر موصل بين الحاضر والمستقبل يجيب عن ماذا نعمل؟ وكيف نعمل؟ ومَن يعمل؟ ومتى نعمل؟ وأين نعمل؟

أهمية التخطيط:

- التخطيط هو أول الوظائف الإدارية، ومنطلق العملية الإدارية كلها والذي تبنى عليه باقي الوظائف الإدارية.

- التخطيط يمكننا من استغلال مواردنا المالية والبشرية على الوجه الأمثل، بل التخطيط يدفعنا لتنمية مواردنا المالية والبشرية كي نتمكن من تطوير خططنا المستقبلية.

- التخطيط يجعلنا أكثر استعدادًا للمستقبل، فالأشياء إلى نماء أو إلى زوال، والتخطيط يساعدنا في عملية التنمية.

- التخطيط يساعدنا على تحديد أهدافنا بدقة ثم تحديد أولوياتنا بين هذه الأهداف.

- يساعدنا التخطيط على اتخاذ القرارات السليمة، فالتخطيط هو بوصلة القرار السليم.

- والتخطيط يساعدنا على النظرة الشمولية والاهتمام بكل الملفات التي تتطلب هذا القدر من الاهتمام، ويبعدنا عن النظرة الجزئية، فلا نكون كمن ينمي بعض عضلات جسمه، ويهمل البعض الباقي، فيحصل في النهاية على جسد غير متناسق.

الفرق بين العمل التطوعي المخطط له والعمل التطوعي العشوائي:

- العمل التطوعي العشوائي هو ذلك العمل الذي يهتم بتنفيذ بعض الأنشطة والبرامج، وهو عمل يشعر من يقوم به بالإنجاز؛ خاصة عندما يكون يومه مزدحمًا جدًّا ينتقل من عمل إلى عمل، ومن مقابلة لمقابلة، ولا يكاد يجد وقتًا للرد على هاتفه، فيضيق ذرعًا بمن حوله؛ لأنهم لا يساعدونه ويتركونه محملًا بالأعباء بينما هم متفرجون، ويضيقون ذرعًا هم أيضًا لشعورهم أنهم بلا دور، وأن هناك مَن يستحوذ على الأعمال دونهم.

وأما العمل التطوعي المخطط له فهو العمل الذي تتم فيه تحديد الأهداف بدقة ثم تحديد الموارد البشرية والمالية، ثم تحديد الوسائل المناسبة لتحقيق هذه الأهداف بحيث يتم استغلال الموارد البشرية وتوزيع الأعمال عليهم وَفْق خطة متوافق عليها.

أركان التخطيط:

للتخطيط أركان رئيسية، وهي تعتبر عمود عملية التخطيط، والتي إن شابها الخلل أثَّرت بشكل سلبي كبير على جودة الخطة، مثل:

- معرفة الواقع: فالواقع هو منطلق عملية التخطيط، وهو المستهدف بالتغيير، وتكون معرفة الواقع بالاحتكاك المباشر وعدم العزلة عنه، ومعرفة احتياجات المجتمع والمؤسسة، ومعرفة الموارد المالية والبشرية، ويكون أيضًا بالقدرة على جمع المعلومات من مصادرها الصحيحة.

- القدرة على تحليل المعلومات وتصنيفها، وكذلك القدرة على الاستنتاج منها وإكمال الفراغات بينها، فالمعلومة الصحيحة وحدها ليست كافية، بل قراءتها وتحليلها وتحويلها لمجموعةٍ مِن التوصيات والأهداف أمر في غاية الأهمية.

- القدرة على التنبؤ: وهي مهارة تجعل صاحبها قادرًا على قراءة شكل المستقبل، ومِن ثَمَّ التحديد الجيد لخطوات استعدادنا لهذا المستقبل، وهو القدرة على التخيل المنضبط، وليس العيش في الأوهام والخيالات، وكذلك ليس الإحجام الذي يمنع صاحبه من الحركة.

أنواع التخطيط:

نفترض أن هناك أسرة مكوَّنة من أب وأم وأبناء، ويستأجرون امرأة تقوم بالطهي، فلو تكلمنا عن إدارة شئون البيت؛ سنجد أن الأب يشغل تفكيره بالعمل وتطوير نفسه، ويفكر في زيادة دخله ويخطط لمستقبل الأسرة خلال السنوات المقبلة، أما الأم فهي تتلقى مصروفات البيت الشهرية من زوجها وتخطط لإنفاقها خلال الشهر الحالي، أما الطاهية فهي لا تشغل بالها سوى بالتخطيط للطهي اليومي، وهذا مثال لأنواع التخطيط المختلفة.

فالأب يخطط تخطيطًا إستراتيجيًّا للأسرة ولعمله، وحاله حال المخططين في المستويات الإدارية العليا للمؤسسات.

أما الأم فهي تخطط تخطيطًا تكتيكيًّا قصير المدى لإدارة إنفاق الأسرة لمدة شهر، مثل المخططين من القيادات المتوسطة في المؤسسات.

أما الطاهية في تخطط تخطيطًا تشغيليًّا لطهي الطعام اليومي فقط، وحالها كحال المشرفين على التنفيذ ورؤساء فِرَق العمل.

إذًا فالتخطيط ينقسم إلى ثلاثة أنواع:

- تخطيط إستراتيجي.

- وتخطيط تكتيكي.

- وتخطيط تشغيلي.

1- التخطيط الإستراتيجي:

- هو تخطيط تقوم به القيادات العليا في المؤسسة.

- هو تخطيط بعيد المدي، يأخذ في الحسبان المتغيرات الداخلية والخارجية.

- وفيه ترسم أهداف المؤسسة العامة التي تستقي منها القيادات الوسطى الأهداف التفصيلية.

- وهو عبارة عن خطوط إجمالية ترسم إطارات ومسارات التخطيط التكتيكي، وهو يعتبر موجهًا وضابطًا للتخطيط التكتيكي، فالتخطيط الإستراتيجي يبتعد عن التفاصيل، وكذلك يبتعد عن الأنشطة والبرامج، ولكنه يرسم الطريق الذي ستسلكه هذه الأنشطة والبرامج حتى تساهم كلها في تحقيق أهداف المؤسسة.

كيف نختار إستراتيجية المستقبل؟

تستخدم في التخطيط الإستراتيجي أداة التحليل الإستراتيجي الرباعي "سوات"، والتي يتم فيها جمع المعلومات عن المؤسسة، من جمع عوامل ومعلومات البيئة الداخلية، وعوامل ومعلومات البيئة الخارجية.

1- وعوامل البيئة الداخلية، مثل: الإمكانات المنهجية، والإمكانات العلمية، والإمكانات التنظيمية، والإمكانات البشرية، والإمكانات التكنولوجية، وغيرها.

ثم تصنيفها لصنفين رئيسيين:

الأول: نقاط القوة.

والثاني: نقاط الضعف.

2- ثم جمع عوامل البيئة الخارجية، مثل: الأوضاع السياسية الداخلية والخارجية، والأوضاع الاجتماعية والأوضاع الاقتصادية، والأوضاع التكنولوجية، والأفكار المنافسة والمنحرفة، وهل البيئة الخارجية داعمة لأفكار المؤسسة أم معادية لها.

ثم تصنف هذه المعلومات لصنفين رئيسيين:

الأول: الفرص.

الثاني: التهديدات.

الآن أصبح عندنا معلومات مصنفة لأربع أصناف كبيرة، وهي: عوامل القوة وعوامل الضعف، والفرص المتاحة والتهديدات المحتملة.

نتيجة التحليل الإستراتيجي:

- إستراتيجية التوسع: إذا غَلَب على نتيجة التحليل للمعلومات غلبة عوامل القوة + وجود الفرص فتكون إستراتيجية المستقبل هي إستراتيجية توسعية تعمل على الانتشار وزيادة مساحات العمل وزيادة الأنشطة، مثل إستراتيجية النبي صلى الله عليه وسلم بعد انكسار العرب بعد غزوة الأحزاب حيث قال النبي صلى الله عليه وسلم: "اليوم نغزوهم ولا يغزونا".

- إستراتيجية العلاج: أما إذا كانت نتيجة التحليل هي غلبة عوامل القوة مع وجود العديد من التهديدات، فالإستراتيجية تكون متجهة نحو العلاج ووضع الروشتات العلاجية، مثل فعل النبي صلى الله عليه وسلم في غزوة حمراء الأسد عندما هزم المسلمون، وكانت الروح المعنوية لجيش المسلمين منخفضة، ومعسكر قريش منتشٍ؛ فأمر جيش المسلمين أن يخرجوا في أثر قريش مما كان له كبير الأثر في عكس المعادلة، فارتفعت الحالة المعنوية لجيش المسلمين وأصاب قريشا الهلع.

إستراتيجية الدفاع: أما إذا كانت نتيجة التحليل يغلب عليها عوامل الضعف مع وجود الفرص فالإستراتيجية تكون علاجية، واستغلال الفرص في القضاء على نقاط الضعف، كما فعل النبي صلى الله عليه وسلم عندما حاصرته قريش وحلفاؤها في غزوة الأحزاب، فاستثمر النبي صلى الله عليه وسلم تضاريس المدنية في وضع خطة دفاعية للمدينة، وقام بحفر الخندق.

إستراتيجية الانحياز والانسحاب والتحريز:

وأما إذا كانت نتيجة التحليل هي غلبة عناصر الضعف مع وجود العديد من التهديدات عندها تكون الإستراتيجية انسحابية تبحث في تغيير مجال العمل، والانحياز والبحث عن فرص جديدة، مثل ما فعل المسلمون في غزوة مؤتة عندما كانت قوة الروم أقوى بكثير من المسلمين مع وجود تهديدات كبيرة، فكانت الإستراتيجية هي الانسحاب والانحياز للمسلمين، وكما يفعل عيسى عليه الصلاة والسلام عندما يخرج يأجوج ومأجوج، فيحرز عباد الله في جبل الطور.

2- التخطيط التكتيكي:

هو تخطيط متوسط المدى من شهر وحتى عام، وتقوم به الإدارة الوسطى في هيكل المؤسسة، وفيه تتلقى الإدارة الوسطى الخطة الإستراتيجية من الإدارة العليا ثم تقوم بتحويل الأهداف العامة لأهداف أكثر تفصيلًا، وهي أهداف متوسطة المدى لمدة ستة أشهر تقريبًا، ليسهل تكليف الإدارات الدنيا بها.

3- التخطيط التشغيلي:

هو تخطيط قصير المدى يقوم به المشرفون والملاحظون ورؤساء فرق العمل، ويركِّز على الخطوات التنفيذية لإنجاز الأعمال.

الفرق بين المبادئ واللوائح والسياسات والإجراءات:

قبل أن نشرع في شرح خطوات التخطيط نحتاج أن نوضح معنى بعض المصطلحات، مثل: المبادئ والقيم، واللوائح والسياسات والإجراءات.

فأما المبادئ والقيم: هي القضايا الفكرية والعقدية والأخلاقية التي تتبناها المؤسسة، والتي كانت الدافع الذي بنيت من أجله المؤسسة، وهي أيضا القضايا التي ترسم قناعات المؤسسة والتي لا تستطيع أن تتنازل عنها المؤسسة؛ لأنها ببساطة إذا تنازلت عنها لم تعد هي ذات المؤسسة، بل تحولت لشيء آخر.

السياسات: هي مجموعة القواعد والضوابط التي تضعها المؤسسة لتحقيق أهداف وغايات المؤسسة، وترشد سلوك أصحاب القرار في المؤسسة، وهي التي تبين الاتجاهات التي ينبغي أن تسلكها المؤسسة، وهي قد تكون مكتوبة أو غير مكتوبة، وتكون مبثوثة في جميع المستويات الإدارية في المؤسسة، ويجب لهذه السياسات أن تتوافق مع مبادئ المؤسسة، وأن تكون نابعة من أهداف المؤسسة وأن تتميز بالجدية والمرونة والوضوح والواقعية.

اللوائح: هي قواعد توضع لتنظم تصرفات أبناء المؤسسة، وما يجب وما لا يجب من أعمال وشروط العضوية للمؤسسة، وتنظم العلاقة بين الهيئات التابعة للمؤسسة، وينبغي للوائح أن تتوافق مع مبادئ وفكر وسياسات المؤسسة، وتمثِّل اللوائح قانون المؤسسة.

الإجراءات: هي مجموعة الخطوات التي يجب اتباعها عند القيام بالأعمال الروتينية في المؤسسة، مثل: التعيين والشراء والجزاءات، وهي أيضًا الإرشادات والآليات اللازمة للتنفيذ، وهي توضِّح مَن يقوم بالعمل ومتى وأين، والإجراءات هي طرق محددة سلفًا لكيفية القيام بالأعمال، وهي خطط موضوعية للموظفين لأجل اتباعها عند القيام بالأعمال المتكررة.

مثال يوضِّح العلاقة بين المبادئ واللوائح والسياسات والإجراءات: موضوع التغيب عن العمل مثلاً.

فأما المبادئ فهي: الحرص على العمل والتطوع تقربًا لله سبحانه وتعالى، وأن يشق على النفس الحرمان من المشاركة، "تولوا وأعينهم تفيض من الدمع"؛ سنجد أن اللائحة تضع قاعدة أن الحد الأقصى من الغياب أيام محددة ومَن يتجاوز هذه الأيام يتعرض للخصم ثم الفصل، وأما السياسات المتعلقة بالتغيب عن العمل فقد تتغير حسب ظروف المؤسسة فقد تمر المؤسسة بظرف طارئ قد يجعلها لا تقبل التغيب في بعض الأيام وتلزم الجميع بالحضور، وقد تتساهل المؤسسة في قبول التغيب إذا كان هناك فائض من العمالة في وقت معين.

وأما الإجراءات فهي: الخطوات التي لا بد أن يتممها مَن يرغب في التغيب من كتابة طلب للإجازة ثم توقيعه من موظف معين ثم طلب بعض المستندات إن كانت هناك مستندات مطلوبة، مثل: التقرير الطبي، وغيره.

وللحديث بقية إن شاء الله.