وسائل علاج الهموم والغموم والأحزان (موعظة الأسبوع)

  • 86

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد؛

مقدمة:

- الإنسان لا تخلو حياته من الهموم والغموم والأحزان، التي تكدِّر عليه عيشه، وتنغِّص عليه لذته(1): قال -تعالى-: (لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ فِي كَبَدٍ) (البلد:4).

- كثيرٌ مِن الناس يحصر علاج الهموم والأحزان في الأسباب المادية، والتي منها المباح والمحرم، وهي وسائل وقتية سرعان ما تعود الهموم بزوالها في الغالب، ويغفل هذا الكثير عن الأسباب الشرعية التي تعالج المشكلة من أصلها، وتؤثِّر على القلب تأثيرًا إيجابيًّا يطول ويبقى ببقائها، وها هي بعض هذه الوسائل والأسباب.

(1) معرفة حقيقة الدنيا:

- فيعلم المؤمن مِن جرَّاء أصابته بالهموم والأحزان أن هذه هي الدنيا فما فيها من لذة إلا مكدرة، وأنها لا تصفو لأحد؛ إن أضحكت قليلًا أبكت كثيرًا: قال الله -تعالى-: (فَقُلْنَا يَا آدَمُ إِنَّ هَذَا عَدُوٌّ لَكَ وَلِزَوْجِكَ فَلَا يُخْرِجَنَّكُمَا مِنَ الْجَنَّةِ ‌فَتَشْقَى . إِنَّ لَكَ أَلَّا تَجُوعَ فِيهَا وَلَا تَعْرَى . وَأَنَّكَ لَا تَظْمَأُ فِيهَا وَلَا تَضْحَى) (طه:117-119)، وقال النبي -صلى الله عليه وسلم-: (الدُّنْيا سِجْنُ المُؤْمِنِ، وجَنَّةُ الكافِرِ) (رواه مسلم).

- ويعلم المؤمن أنه لن يستريح إلا إذا فارق هذه الدنيا إلى جنة الله في الآخرة: عن أبي قتادة -رضي الله عنه-: أنَّ رَسولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- مُرَّ عليه بجِنَازَةٍ، فَقالَ: مُسْتَرِيحٌ ومُسْتَرَاحٌ منه، قالوا: يا رَسولَ اللَّهِ، ما المُسْتَرِيحُ والمُسْتَرَاحُ منه؟ قالَ: (العَبْدُ المُؤْمِنُ يَسْتَرِيحُ مِن نَصَبِ الدُّنْيَا وأَذَاهَا إلى رَحْمَةِ اللَّهِ، والعَبْدُ الفَاجِرُ يَسْتَرِيحُ منه العِبَادُ والبِلَادُ، والشَّجَرُ والدَّوَابُّ) (متفق عليه)، وقال -تعالى- عن أهل الجنة ساعة دخولها: (وَقَالُوا الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَذْهَبَ عَنَّا الْحَزَنَ إِنَّ رَبَّنَا لَغَفُورٌ شَكُورٌ . الَّذِي أَحَلَّنَا دَارَ ‌الْمُقَامَةِ مِنْ فَضْلِهِ لَا يَمَسُّنَا فِيهَا نَصَبٌ وَلَا يَمَسُّنَا فِيهَا لُغُوبٌ) (فاطر: 34-35)؛ ولذا لما سُئِل الإمام أحمد: "متى الراحة؟ قال: عندما تضع أول قدميك في الجنة" (المقصد الأرشد).

(2) احتساب الأجر عند الله:

- إن مِن أعظم ما يخفف آلام الهموم والأحزان، ما يحصل للمسلم من الأجر العظيم من جراء صبره واحتسابه: قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: (ما يُصِيبُ المُسْلِمَ، مِن نَصَبٍ ولَا وصَبٍ، ولَا هَمٍّ ولَا حُزْنٍ ولَا أذًى ولَا غَمٍّ، حتَّى الشَّوْكَةِ يُشَاكُهَا، إلَّا كَفَّرَ اللَّهُ بهَا مِن خَطَايَاهُ) (متفق عليه)، وقال النبي -صلى الله عليه وسلم-: (إذا ماتَ ولَدُ العبدِ، قالَ اللَّهُ لملائِكتِهِ: قبضتم ولدَ عبدي؟ فيقولونَ: نعم، فيقولُ: قبضتُم ثمرةَ فؤادِهِ؟ فيقولونَ نعم، فيقولُ: ماذا قالَ عبدي؟ فيقولونَ: حمِدَكَ واسترجعَ، فيقولُ اللَّهُ: ابنوا لعبدي بيتًا في الجنَّةِ وسمُّوهُ بيتَ الحمْدِ) (رواه الترمذي، وحسنه الألباني)، وقال النبي -صلى الله عليه وسلم-: (إِنَّ اللَّهَ قَالَ: إِذَا ابْتَلَيْتُ عَبْدِي بِحَبِيبَتَيْهِ فَصَبَرَ، عَوَّضْتُهُ مِنْهُمَا الجَنَّةَ) (رواه البخاري).

(3) الإكثار من الدعاء:

- الدعاء عند نزول الهموم والأحزان، يعني الالتجاء إلى مَن بيده مقادير كل شيء أن يرفع هذه الآلام: قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: (مَا أَصَابَ أَحَدًا قَطُّ هَمٌّ وَلَا حَزَنٌ، فَقَالَ: اللهُمَّ إِنِّي عَبْدُكَ، ابْنُ عَبْدِكَ، ابْنُ أَمَتِكَ، نَاصِيَتِي بِيَدِكَ، مَاضٍ فِيَّ حُكْمُكَ، عَدْلٌ فِيَّ قَضَاؤُكَ، أَسْأَلُكَ بِكُلِّ اسْمٍ هُوَ لَكَ سَمَّيْتَ بِهِ نَفْسَكَ، أَوْ عَلَّمْتَهُ أَحَدًا مِنْ خَلْقِكَ، أَوْ أَنْزَلْتَهُ فِي كِتَابِكَ، أَوِ اسْتَأْثَرْتَ بِهِ فِي عِلْمِ الْغَيْبِ عِنْدَكَ، أَنْ تَجْعَلَ الْقُرْآنَ رَبِيعَ قَلْبِي، وَنُورَ صَدْرِي، وَجِلَاءَ حُزْنِي، وَذَهَابَ هَمِّي، إِلَّا ‌أَذْهَبَ ‌اللهُ ‌هَمَّهُ وَحُزْنَهُ، وَأَبْدَلَهُ مَكَانَهُ فَرَحًا)، قَالَ: فَقِيلَ: يَا رَسُولَ اللهِ، أَلَا نَتَعَلَّمُهَا؟ فَقَالَ: (بَلَى، يَنْبَغِي لِمَنْ سَمِعَهَا أَنْ يَتَعَلَّمَهَا) (رواه أحمد وابن حبان، وصححه الألباني).

- وروى الترمذي عن أبي سعيد الخدري -رضي الله عنه- قال: دخلَ رسولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- ذاتَ يومٍ المسجدَ، فإذا هوَ برجلٍ منَ الأنصارِ، يقالُ لَهُ أبو أمامةَ فقالَ: "يا أبا أمامةَ ما لي أراكَ جالسًا في المسجدِ في غيرِ وقتِ الصَّلاةِ"، قالَ: همومٌ لزمتني وديونٌ يا رسولَ اللَّه، قالَ: "أفلاَ أعلِّمُكَ كلامًا إذا أنتَ قلتَهُ أذْهبَ اللَّهُ -عزَّ وجلَّ- همَّكَ، وقضى عنْكَ دينَكَ"، قالَ: قلتُ: بلى يا رسولَ اللَّه، قالَ: "قل إذا أصبحتَ وإذا أمسيتَ: اللَّهمَّ إني أعوذُ بِكَ منَ الْهمِّ والحزنِ، وأعوذُ بِكَ منَ العجزِ والْكسلِ، وأعوذُ بِكَ منَ الجبنِ والبخلِ، وأعوذُ بِكَ من غلبةِ الدَّينِ وقَهرِ الرِّجالِ"، قالَ: ففعلتُ ذلِكَ فأذْهبَ اللَّهُ -عزَّ وجلَّ- همِّي، وقضى عنِّي ديني" (رواه أبو داود، وضعفه الألباني).

(4) الإكثار من الصلاة:

- الصلاة من أكبر العون على الثبات وتحمل الآلام النفسية بعمومها: قال -تعالى-: (وَاسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلاةِ وَإِنَّهَا لَكَبِيرَةٌ إِلَّا عَلَى الْخَاشِعِينَ) (البقرة:45)، وعن حذيفة -رضي الله عنه- قال: "كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا ‌حَزَبَهُ ‌أَمْرٌ، صَلَّى" (رواه أبو داود، وحسنه الألباني).

وروى ابن جرير بسنده عن ابنِ عبَّاسٍ: "أنَّهُ نُعيَ إليْهِ أخوهُ قُثَمَ، وَهوَ في سفرٍ، فاسترجعَ ثمَّ تنحَّى عنِ الطَّريقِ، فأناخَ فصلَّى رَكعتينِ أطالَ فيهما الجلوسَ، ثمَّ قامَ وَهوَ يقولُ: (وَاسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلاةِ وَإِنَّهَا لَكَبِيرَةٌ إِلَّا عَلَى الْخَاشِعِينَ) (البقرة:45)".

خاتمة:

إشارة مختصرة إلى المقدمة والوسائل السابق ذكرها في علاج الهموم والأحزان.

نسأل الله أن يجعل القرآن ربيع قلوبنا، وجلاء أحزاننا، وذهاب همومنا.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(1) الهموم: ألم يعتري القلب لأمرٍ في المستقبل.

والغموم: ألم يعتري القلب لأمرٍ في الحاضر.

والأحزان: ألم يعتري القلب لأمرٍ في الماضي.