أهمية مراكز البحوث والدراسات

  • 101

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد؛

لَمْ تَحْظَ مؤسسة من المؤسسات أو هيئة من الهيئات الفكريَّة بمثل ما حظيت به مراكز البحوث والدراسات من الاهتمام العالمي خلال العقود الماضية، وأصبحت تلك المراكز بمثابة خزانات تفكير، وأحد الدلائل والمؤشرات المهمة لتطور الدول وعنوانًا لتقدمها وتنميتها.

ولعل هذا الاهتمام جاء بعد إدراك الغرب بعدم جدوى الحروب العسكريَّة في تحقيق طموحاته وأهدافه؛ فاتجه إلى حروب أشدّ ضراوة، تستهدف الدين والثقافة، ومنظومة العادات والتقاليد والأخلاق في غزوٍ ثقافيٍّ وفكريٍّ شامل، كانت هذه المراكز الأتون الذي يغذيها ويمدها بالمدد والعتاد.

واستطاعت هذه المراكز أن تحقق كثيرًا من الأهداف التي كان يطمح إليها الغرب الذي أفسح المجال لمئات، بل آلاف من تلك المراكز، وأعطى القائمين عليها الصلاحيات والإمكانات كافة لتوجيه صُنّاع القرار، بل توجيه الرأي العام في كثير من البلدان، والتأثير في كثير من القطاعات الفاعلة فيها على المستويات الرسمية والشعبية.

ولا شك أنَّ هناك تباينًا واضحًا بين اهتمام الدول الغربية بتلك المراكز، وبين اهتمام الدول العربيَّة والإسلاميَّة بها؛ حيث لم تكن هناك استفادة حقيقية من تلك المراكز المحدودة جدًا في وطننا العربي والإسلامي، وبقي ميدان عملها مقتصرًا على الدراسات الوصفية والعامة غالبًا؛ فضلًا عن أن معظم مخرجات هذه المراكز لا تجد إلاّ أرفف المكاتب والأدراج دون أن تتاح الفرص الملائمة لاستثمارها، وبقيت هذه المراكز مجرد هياكل معزولة عن بيئاتها، وتضاءلت مساهمتها في حل المشكلات التي تعانيها مجتمعاتنا ومعالجة قضاياها المصيرية.

وفي دراسة قام بها مدير برنامج مراكز التفكير والمجتمع المدني في برنامج العلاقات الدوليَّة بجامعة (بنسلفانيا) في مدينة (فيلادلفيا) الأمريكية نشرتها مجلة (Foreign Policy) في عدد يناير 2009، جاء فيه: أنَّ عدد مراكز الدراسات في الولايات المتحدة الأمريكية -وحدها- وصل ما يقارب (1872) مركزًا منتشرة في الولايات الأمريكية، من إجمالي حوالي (4000) مركز على مستوى العالم، وقد أطلق عليها منذ ظهورها (بيوت الخبرة).

في حين ذكرت الإحصائية: أنَّ عدد مراكز الدراسات في العالم العربي لا يتجاوز (25) مركزًا، الكثير منها يفتقر لأبسط الإمكانات التي تؤهله للقيام بعمله، في حين أنَّ عدد المراكز في الدولة اليهوديَّة أكثر من (20) مركزًا ضخمًا، بخلاف تلك المراكز التي يمولها اليهود في الدول الغربية والولايات المتحدة لتوجيهها بما يخدم أهدافها، ولنا أن نتصور حجم الميزانيات الضخمة التي تُنفَق على هذه المراكز التي تَضُم خيرة الباحثين والمتخصصين في العلوم السياسية والاستراتيجية؛ حيث تتجاوز تلك المبالغ (4) مليارات من الدولارات بحسب ما ذكرت الإحصائية.

لقد أصبح لمراكز البحوث والدراسات دور ريادي في توجيه العالم اليوم، كما أنها تعكس اهتمام الشعوب بالعلم والمعرفة والتقدم الحضاري واستشراف آفاق المستقبل؛ حيث تمثل تلك المراكز أداة فاعلة من أدوات امتلاك مفاتيح المعرفة والتقدم والحضارة.

لذلك فإن الاهتمام بمراكز البحوث والدراسات أصبح أمرًا في غاية الأهمية، بل ضرورة من ضروريات الحضارة، ومصدرًا مهمًّا وأساسيًّا في توفير المعلومات، وداعمًا أساسيًّا في اتخاذ القرارات ورسم السياسات، فما أحوجنا أن ندرك هذه الأهمية! ولا سيما في ظل التغيرات والتحولات السياسية العالمية الراهنة، التي نحتاج في مواجهتها إلى جدار صلب من الفهم والمعرفة والنضج والوعي.