رسالة إلى الرجال المؤمنين

  • 120

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد؛

الزواج أخي الحبيب: بذل وعطاء، وعهد ووفاء، وتضحية وإيمان، ولزوم طاعة وإحسان، والنبي صلى الله عليه وسلم أوصى الرجال بزوجاتهم، فقال: "استوصوا بالنساء"، وقال أيضًا صلى الله عليه وسلم: "خيركم خيركم لأهله، وأنا خيركم لأهلي".

وقد جاء الأمر قبل ذلك من الله للرجال بحسن العشرة مع النساء، كما قال تعالى: "وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ فَإِنْ كَرِهْتُمُوهُنَّ فَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَيَجْعَلَ اللَّهُ فِيهِ خَيْرًا كَثِيرًا"، وحسن العِشرة كما قيل: "لفظ جامع ترجع إليه جميع الحقوق الواجبة للزوجة"؛ وعليه فتأدية الزوج لحقوق زوجته أمر واجب عليه، وليس تفضُّلًا منه عليها، وهو سبب لدوام السعادة الزوجية والسكنى والمودة الأسرية بينهم.

ومن هذه الحقوق الواجبة:

١- تحمل المسئولية وتحقيق القوامة الأسرية بالسعي على الرزق للإنفاق على الزوجة والأبناء، قال تعالى: "الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ بِمَا فَضَّلَ اللَّهُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ وَبِمَا أَنْفَقُوا مِنْ أَمْوَالِهِمْ"، فالزوجة لا يجب عليها الإنفاق في المنزل أو على الأولاد، وإن فعلتْ فهذا تفضل منها تستحق عليه الشكر والثناء.

والأصل للمرأة أن تقر في بيتها معززة مكرمة، وأن يقوم زوجها على قضاء حوائجها، وذمتها المالية ذمة منفصلة، فلا يؤخذ من مالها شيئًا إلا برضاها، ولا يُفرض عليها أن تنفق في احتياجات المنزل؛ إلا إن رضيت بذلك.

وهذا بخلاف ما نراه الآن في بعض البيوتات من بعض الأزواج الذين يجبرون زوجاتهم -خاصة العاملات منهن أو مَن كانت لها مال خاص من أهلها- على النفقة في المنزل؛ مما يسبب الكثير من المشاكل بين الزوجين، بل ويؤدي غالبًا إلى تجرؤ المرأة على زوجها لفقده جزءًا من أسباب قوامته؛ فتحدث بسبب ذلك ردودٌ من الأفعال العكسية التي يريد منها الرجل أن يثبت بها قوامته بطريقة أخرى سلطوية، فيؤدي هذا إلى هدم العلاقة الزوجية أو فقد المودة والرحمة الأسرية.

٢- تعاهدها في أمور دينها، وحثها على دوام الطاعة لربها: قال الله تعالى: "يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ عَلَيْهَا مَلَائِكَةٌ غِلَاظٌ شِدَادٌ لَا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ"، فالزواج ليس مجرد قضاء وطر، بل هو مسئولية عظيمة فـ"كلكم راع وكلكم مسئول عن رعيته"، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم.

وقد يغضب أحدنا من زوجته إن قصرت في إعداد طعامه أو تهيئة نفسها له أكثر من غضبه إن قصرت في حقوق ربها، بل قد يصل الأمر ببعض الرجال ألا ينشغل أساسًا بأحوال زوجته الإيمانية؛ فلا يسأل عن صلاتها ولا يهتم بحجابها، ولا يتحرى عن معرفتها بأحكام المرأة الخاصة بها واللازمة لصحة عبادتها -كأحكام الحيض، وغيره-!

كما أن البعض من الرجال قد لا يهتم بنصح زوجته وتعليمها ما تجهل من أحكام دينها، ولا يحفزها، ولا يعاونها في ذلك، مع أنه يجب أن يحرص على ذلك؛ بل ويكون القدوة المحفزة لها على زيادة إيمانها، فعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "رَحِم الله رجلًا قام من الليل فصلَّى، وأيقظ امرأته فصلَّت"، فسؤال زوجتك عن أحوال صلاتها وأذكارها وقراءتها للقرآن إلى غير ذلك من أحوالها الإيمانية برفق ولين ومحبة، وإشفاق عليها، والحرص على ذلك يوميًّا في وقت خاص بينك وبينها، من أعظم أسباب استمرار السعادة الزوجية بينكما.