الرشد (1)

  • 68

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد؛

إن الصراع بين الحق والباطل قد بلغ أشده؛ فهو صراع على المنهج من أجل تمييعه واختراقه، وتشويهه وطمس معالمه، والتلبيس والتدليس على حملته كي يتمكن الباطل أكثر وأكثر؛ ليسود ويقود. 

ومن المفترض أن يدرك حملة الحق هذه الحقيقة جيدًا، وأن الصراع بين الحق والباطل إنما هو على المنهج؛ حتى لا يبقى له أثر ولا تأثير، ولا سلطان، ولا قيادة ولا توجيه، وبالتالي يصلون إلى مخططاتهم. 

ولذلك مِن الواجب على حملة الحق أن يفكروا كيف نحافظ على المنهج بصفائه ونقائه، وكيف نقوم على توريث المنهج للأجيال القادمة، وخصوصًا أن الباطل فقيه في الشر بقيادة الشيطان. 

وشياطين الإنس يتقنون قلب الحقائق، والمكر والكيد، وأساليب التخطيط والتثبيط والحرب النفسية، ويتقنون أساليب الإغراء والإغواء والإبهار، وزرع الألغام والعقبات في طريق الحق، ويتقنون الاستفزاز والاستدراج، حتى يقع الصدام المبكر؛ فتُقطف الثمرة التي يسعون إليها. 

وهذا يدفعنا إلى الشعور بالمسئولية، وإلى التساؤل: ما الذي بوسعنا أن نقوم به لنحافظ على هذا المنهج بصفائه ونقائه، وحصول النصر والتمكين له؟!

وإن لم يتحقق هذا في جيلنا؛ فليكن في الأجيال التالية من أبنائنا وأحفادنا، لكن المهم أن يكون لنا مشاركة إيجابية في الحفاظ على هذا الدين؛ فديننا منصور بإذن الله، والباطل مدحور كما هو معلوم، لكن الشعور بالمسئولية يدفعنا الى أن نسأل العلماء: ما الصفات التي ينبغي أن تتوافر في حملة الراية -أي: المنهج- حتى يثبتوا بها وعليها، ولا يفرِّطوا فيها ولا يداهنوا فيها ولا عليها، وحتى يتحملوا ويصبروا ويُفشلوا كل مخططات الباطل، ويقوموا على عملية توريث المنهج بطريقةٍ سهلةٍ وسلسةٍ تؤدي إلى إيصال المنهج للأجيال القادمة؟! 

وهذه أعظم مهمة ومسئولية، فإذا أديناها كما ينبغي؛ فقد شاركنا وكان لنا دور، وكان لنا الفضل والسبق في هذه المهمة، لكن هل هذا الأمر يكون بمجرد العواطف أو الانتماء والولاء مثلاً، أو بالقعود لانتظار فرصة تأتي أم أنه يحتاج منا إلى اهتمام شديد وعمل وبذل؟ 

إن لهذا الكادر المنشود صفات يستطيع بها بعون الله وتوفيقه أن يحمل هذا المنهج ويتحمل في سبيله، ويبذل ويضحي من أجله حتى يسلمه للأجيال القادمة، وحينها يقول: "اللهم قد بلغت ... اللهم فاشهد". 

وأعظم صفة لهذا الكادر هي (الرشد) ... فما الرشد؟

الرشد قيل: هو الحاسم في كل المواجهات التي وقعت بين الحق والباطل.

وقيل أيضًا: الرشد هو العِلم المقرون بالحكمة والفهم السديد. 

وقيل عن الرشد: إنه إتقان المنهج؛ عقيدة وشريعة، أصولًا وفروعًا، وهو يشمل إتقان تطبيقه وتفعيله في أرض الواقع، وإتقان طرحه وعرضه للآخرين والذب عنه، والتأصيل والتنظير عليه للدفاع عنه. 

والرشد أيضًا: إصابة وجه الحقيقة. 

والرشد: تمام الالتزام بفعل ما به أمر الشرع به، وترك ما نهى عنه وزجر. 

والرشد: تمام الهداية مع تمام الاستقامة. 

والرشد: قوة في الإيمان واليقين، مع الاعتزاز بالمنهج. 

والرشد: به تُختصر المراحل، وتُجتنب المعاناة والمشاكل. 

فصاحب الرشد يسير على الطريق الصحيح بخطىً ثابتة؛ فلا اضطراب، ولا خوف ولا هلع، ولا قلق، فهو رزين منضبط. 

والرشد: يوجد مكابح لنفسك ولعواطفك ولشهواتك ولعاداتك. 

والرشد: هو القمة في تلقي المنهج، وفي كيفية تفعيل فقه المصالح في السير به وسط حقول الألغام، فلا يستطيع أحدٌ أن يضيع طاقاتك ولا إمكانياتك، ويكفيك أنك بالرشد تصل لأعظم النتائج بأقل الجهود والإمكانيات مع أقل الأوقات. 

وتزداد الحاجة إلى الرشد حينما يشتد الصراع بين الحق والباطل، فالرشد يوجد الثبات الانفعالي لدى المرء. 

والقرآن العظيم ضَرَب لنا أمثلة على حقيقة الرشد كمادة للحسم في الصراع بين الحق والباطل، فعند اشتداد الصراع، لا بد وأن يكون هناك (رشد).

وللحديث بقية إن شاء الله.