تعظيم المنهج السلفي (3)

  • 58

2- الالتزام بالكتاب والسنة:

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد؛

فلا يلتمس المسلم الهدى في غيـر كتاب ربه، وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، "وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الإِسْلامِ دِيناً فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الآخِرَةِ مِنْ الْخَاسِرِينَ".

فالكتاب والسنة هما دليل الإنسان في التعرف على رسالة الله التي أنزل على رسوله صلى الله عليه وسلم وفي التعرف على أصولها وفروعها ومعالمها وتعاليمها، فقد اشتملا على كل ما يحتاج الإنسان لدينه ودنياه: "وَنَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ تِبْيَاناً لِكُلِّ شَيْءٍ وَهُدًى وَرَحْمَةً وَبُشْرَى لِلْمُسْلِمِينَ".

دين الله دين كامل لا نقصان فيه:

قال الله تعالى: "الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمْ الإِسْلامَ دِينًا".

جاء مفصِّلاً لكل ما نحتاج إليه: "وَلَقَدْ جِئْنَاهُمْ بِكِتَابٍ فَصَّلْنَاهُ عَلَى عِلْمٍ هُدًى وَرَحْمَةً لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ"، "أَفَغَيْرَ اللَّهِ أَبْتَغِي حَكَمًا وَهُوَ الَّذِي أَنزَلَ إِلَيْكُمْ الْكِتَابَ مُفَصَّلًا"، "وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُضِلَّ قَوْمًا بَعْدَ إِذْ هَدَاهُمْ حَتَّى يُبَيِّنَ لَهُمْ مَا يَتَّقُونَ إِنَّ اللَّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ".

وهداية العباد ونجاتهم متوقفة على اتباعهم لكتاب ربهم وسنة نبيهم، والتزام ما فيها والعمل به: (اتَّبِعُوا مَا أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ وَلا تَتَّبِعُوا مِنْ دُونِهِ أَوْلِيَاءَ قَلِيلاً مَا تَذَكَّرُونَ"، "وَهَذَا كِتَابٌ أَنزَلْنَاهُ مُبَارَكٌ فَاتَّبِعُوهُ وَاتَّقُوا لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ"، "ثُمَّ جَعَلْنَاكَ عَلَى شَرِيعَةٍ مِنْ الأَمْرِ فَاتَّبِعْهَا وَلا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَ الَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ".

كيف يسر الله علينا وسهل لنا التعامل مع المنهج؟

"كَمَا أَرْسَلْنَا فِيكُمْ رَسُولاً مِنْكُمْ يَتْلُو عَلَيْكُمْ آيَاتِنَا وَيُزَكِّيكُمْ وَيُعَلِّمُكُمْ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَيُعَلِّمُكُمْ مَا لَمْ تَكُونُوا تَعْلَمُونَ"، "لَقَدْ مَنَّ اللَّهُ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ إِذْ بَعَثَ فِيهِمْ رَسُولاً مِنْ أَنْفُسِهِمْ يَتْلُوا عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمْ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِنْ كَانُوا مِنْ قَبْلُ لَفِي ضَلالٍ مُبِينٍ".

3- رد التنازع إلى الكتاب والسنة:

فلا سبيل لرفع النزاع والخلاف والخصومات إلا برده للكتاب والسنة، "يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُوْلِي الأَمْرِ مِنْكُمْ فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلًا"، "وَمَا اخْتَلَفْتُمْ فِيهِ مِنْ شَيْءٍ فَحُكْمُهُ إِلَى اللَّهِ ذَلِكُمْ اللَّهُ رَبِّي عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ أُنِيبُ".

ولقد أمرنا الله تعالى أن نعتصم بمنهجه الذي أنزل على رسوله صلى الله عليه وسلم، وعدم معارضة بعضه بعضًا، "وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعاً وَلا تَفَرَّقُوا"، "وَلا تَكُونُوا كَالَّذِينَ تَفَرَّقُوا وَاخْتَلَفُوا مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَهُمْ الْبَيِّنَاتُ وَأُوْلَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ".

مقتضى الإيمان وموجبه:

رد التنازع إلى الله ورسوله، وهذه العلامة الفارقة بين المؤمن الصادق في إيمانه والمنافق، "إِنَّمَا كَانَ قَوْلَ الْمُؤْمِنِينَ إِذَا دُعُوا إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ أَنْ يَقُولُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا وَأُوْلَئِكَ هُمْ الْمُفْلِحُونَ"، أما المنافق؛ فهذا مسلكه مع كتاب ربه وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم: "وَيَقُولُونَ آمَنَّا بِاللَّهِ وَبِالرَّسُولِ وَأَطَعْنَا ثُمَّ يَتَوَلَّى فَرِيقٌ مِنْهُمْ مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ وَمَا أُوْلَئِكَ بِالْمُؤْمِنِينَ . وَإِذَا دُعُوا إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ إِذَا فَرِيقٌ مِنْهُمْ مُعْرِضُونَ . وَإِنْ يَكُنْ لَهُمْ الْحَقُّ يَأْتُوا إِلَيْهِ مُذْعِنِينَ . أَفِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ أَمْ ارْتَابُوا أَمْ يَخَافُونَ أَنْ يَحِيفَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ وَرَسُولُهُ بَلْ أُوْلَئِكَ هُمْ الظَّالِمُونَ"، "أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يَزْعُمُونَ أَنَّهُمْ آمَنُوا بِمَا أُنزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنزِلَ مِنْ قَبْلِكَ يُرِيدُونَ أَنْ يَتَحَاكَمُوا إِلَى الطَّاغُوتِ وَقَدْ أُمِرُوا أَنْ يَكْفُرُوا بِهِ وَيُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَنْ يُضِلَّهُمْ ضَلالاً بَعِيدًا . وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ تَعَالَوْا إِلَى مَا أَنزَلَ اللَّهُ وَإِلَى الرَّسُولِ رَأَيْتَ الْمُنَافِقِينَ يَصُدُّونَ عَنْكَ صُدُودًا".

هذا المنهج رافع ومزيل للاختلاف: "وَمَا أَنزَلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ إِلاَّ لِتُبَيِّنَ لَهُمْ الَّذِي اخْتَلَفُوا فِيهِ وَهُدًى وَرَحْمَةً لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ".

في قصة الغنائم والتقسيم: "يَسْأَلُونَكَ عَنْ الأَنْفَالِ قُلْ الأَنْفَالُ لِلَّهِ وَالرَّسُولِ فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَصْلِحُوا ذَاتَ بَيْنِكُمْ وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ إِنْ كُنتُمْ مُؤْمِنِينَ".

فقبل بيان الشارع لكيفية تقسيم الغنائم لما غنموا في يوم بدر فانقسموا إلى ثلاث طوائف، كل طائفة تقول إنها أحق بهذه الغنيمة من غيرها، فنزلت الآيات أن حكم تقسيم الغنيمة أمرها إلى الله والرسول، وأمرهم بترك المنازعة والمخاصمة، وإصلاح الحال بينهم، فرفعوا أيديهم والتزموا طاعة الله ورسوله.

رد اختلاف الصحابة أيهما أفضل: سقاية الحجيج وعمارة المسجد الحرام أم الجهاد في سبيل الله؟ قال النعمان بن بشير رضي الله عنهما: كُنْتُ عِنْدَ مِنْبـَرِ رَسولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وَسَلَّمَ، فَقالَ رَجُلٌ: ما أُبَالِي أَنْ لا أَعْمَلَ عَمَلًا بَعْدَ الإسْلَامِ إلَّا أَنْ أُسْقِيَ الحَاجَّ، وَقالَ آخَرُ: ما أُبَالِي أَنْ لا أَعْمَلَ عَمَلًا بَعْدَ الإسْلَامِ إلَّا أَنْ أَعْمُرَ المَسْجِدَ الحَرَامَ، وَقالَ آخَرُ: الجِهَادُ في سَبيلِ اللهِ أَفْضَلُ ممَّا قُلتُمْ، فَزَجَرَهُمْ عُمَرُ، وَقالَ: لا تَرْفَعُوا أَصْوَاتَكُمْ عِنْدَ مِنْبَرِ رَسولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وَسَلَّمَ وَهو يَوْمُ الجُمُعَةِ، وَلَكِنْ إذَا صَلَّيْتُ الجُمُعَةَ دَخَلْتُ فَاسْتَفْتَيْتُهُ فِيما اخْتَلَفْتُمْ فِيهِ، فأنْزَلَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ: "أَجَعَلْتُمْ سِقَايَةَ الْحَاجِّ وَعِمَارَةَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ كَمَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَجَاهَدَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ لا يَسْتَوُونَ عِنْدَ اللَّهِ وَاللَّهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ".

وثمرة هذا العلم: المحافظة على ترابط المجتمع، وتحقيق الائتلاف والاجتماع، ونبذ الفرقة والاختلاف، فكان مجتمعًا متحابًا لا شحناء فيه ولا بغضاء.

وللحديث بقية -إن شاء الله-.