خطر الفتوى بغير علم

خطر الفتوى بغير علم!

  • 49

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد؛

هل علمنا أن أحدًا من البشرِ توجه إلى طبيب قلبٍ لمعالجة أسنانه، أو توجه إلى نجارٍ لإصلاح إطار سيارته؟! بالطبع لا يمكن ذلك؛ فلماذا يقتحم ويتجرأ على الإفتاء مَن هو غير مؤهل علميًّا مع علمه بخطورة هذه الجريمة؟!

ومن خلال دراستنا للواقع نجد أنَّ مَن يتقول على الله بغير علمٍ ثلاثة أصناف:

الصنف الأول: لا يعلم في دين الله شيئًا، لكن يتكلم دون وعي أو إدراك، حبًّا في الظهور واستكبارًا لكلمة (لا أدري)، وقد دأب على الكلام فيما يعلم وفيما لا يعلم، وقد علمنا خطورته كما في سنن أبي داود من حديث عبد الله بْنَ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما قَالَ: أَصَابَ رَجُلًا جُرْحٌ فِي عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ثُمَّ احْتَلَمَ، فَأُمِرَ بِالِاغْتِسَالِ، فَاغْتَسَلَ فَمَاتَ، فَبَلَغَ ذَلِكَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ: "قَتَلُوهُ قَتَلَهُمُ اللَّهُ، أَلَمْ يَكُنْ شِفَاءُ الْعِيِّ السُّؤَالَ؟!".

الصنف الثاني: بضاعته في العلم قليلةٌ جدًّا، ولا يعلمُ في دين الله إلا ما هو معلومٌ بالضرورة، وظنَّ أنَّ هذا هو العلم، ونسي أو تناسى أن هناك علوم يجب عليه دراستها حتى ينظر في أي مسألة، فيبدأ بحفظ كتاب الله عز وجل أولاً، ثم العلم بأصول التفسير، وأسباب النزول، وعقيدة أهل السنة والجماعة، ودراسة الفقه وأصوله، والحديث وعلومه، ومختلفه، ومشكِله، وصحيحه من ضعيفه، ودراسة فقه الواقع، وفهْم الواجب في الواقع، والمصالح والمفاسد، وفقه الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، فإن أفتى وأخطأ  دون أن يتعلم هذه العلوم فقد كذب على الله ورسوله، وقد حذرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم من التقُّول أو الكذب عليه كما في صحيح مسلم من حديث أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "مَنْ كَذَبَ عَلَيَّ مُتَعَمِّدًا؛ فَلْيَتَبَوَّأْ مَقْعَدَهُ مِنَ النَّارِ".

الصنف الثالث: وهذا شر الأصناف؛ فهو يعتبر بمثابة سفير لإبليس في الأرض، يحمي أجندة، أو فكر، أو فرقة، أو سعيًا في رضا السلطان أو غيره، يريد بذلك نشر أفكاره، وتشكيك الناس في دينهم، ويتكلم بلغة هدم الثوابت والقيم، و رموز علماء الأمة، وقد بيَّن الله عز وجل مصيره في الدنيا والآخرة، قال تعالى: (وَلَا تَقُولُوا لِمَا تَصِفُ أَلْسِنَتُكُمُ الْكَذِبَ هَٰذَا حَلَالٌ وَهَٰذَا حَرَامٌ لِّتَفْتَرُوا عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ ۚ إِنَّ الَّذِينَ يَفْتَرُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ لَا يُفْلِحُونَ . مَتَاعٌ قَلِيلٌ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ).

فاحذر أخي أن تكون من هذه الأصناف، فتهلِك نفسكَ لترضيَ غيرك؛ فكم من فتوى غير مدروسة زرعت الفتن في المجتمع، ودمَّرت القِيَم وأوقعت صاحبها في الهلاك! كما قال الإمام مالك -رحمه الله-: "مَن أجاب في مسألة فينبغي قبل الجواب أن يعرض نفسه على الجنة والنار، وكيف خلاصُه، ثم يجيب!".

وأخيرًا: استشعر عظمة الله قبل أن تجيب؛ فأنت (ستوقع عن الله!).